[ ص: 5 ] 
باب ما يتعلق بالحيوانات من دلائل النبوة قصة البعير الناد وسجوده له وشكواه إليه صلوات الله وسلامه عليه  
قال الإمام أحمد    : حدثنا حسين ،  ثنا خلف بن خليفة ،  عن حفص ، هو ابن عمر ،  عن عمه أنس بن مالك  قال : 
كان أهل بيت من الأنصار  لهم جمل يسنون عليه ، وأنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره ، وأن الأنصار  جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنه كان لنا جمل نسني عليه ، وأنه استصعب علينا ، ومنعنا ظهره ، وقد عطش الزرع والنخل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " قوموا " فقاموا ، فدخل الحائط والجمل في ناحيته ، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت الأنصار    : يا رسول الله ، إنه قد صار مثل الكلب الكلب ، وإنا نخاف   [ ص: 6 ] عليك صولته . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس علي منه بأس فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كانت قط ، حتى أدخله في العمل ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ، هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك! فنحن أحق أن نسجد لك . فقال لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها; من عظم حقه عليها  ، والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ، ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه وهذا إسناد ، جيد وقد روى  النسائي  بعضه من حديث خلف بن خليفة  به 
رواية جابر  في ذلك : 
قال الإمام أحمد    : حدثنا مصعب بن سلام ،  ثنا الأجلح  عن الذيال بن حرملة ،  عن  جابر بن عبد الله  قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر ، حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النجار ،  إذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه . قال : فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء حتى أتى الحائط ، فدعا البعير ، فجاء واضعا مشفره إلى الأرض ، حتى برك بين يديه صلى الله عليه وسلم . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هاتوا خطاما ، فخطمه ودفعه   [ ص: 7 ] إلى صاحبه . قال : ثم التفت إلى الناس فقال : إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله ، إلا عاصي الجن والإنس تفرد به  الإمام أحمد ،  وسيأتي عن جابر  من وجه آخر بسياق آخر ، إن شاء الله وبه الثقة . 
رواية ابن عباس  في ذلك : 
قال الحافظ  أبو القاسم الطبراني    : ثنا بشر بن موسى ،  ثنا يزيد بن مهران أبو خالد الخباز ،  ثنا أبو بكر بن عياش ،  عن الأجلح  عن الذيال بن حرملة ،  عن ابن عباس  قال : جاء قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إن لنا بعيرا قد ند في حائط . فجاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " تعال " فجاء مطأطئا رأسه حتى خطمه وأعطاه أصحابه ، فقال له أبو بكر الصديق  يا رسول الله ، كأنه علم أنك نبي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بين لابتيها أحد إلا يعلم أني نبي الله ، إلا كفرة الجن والإنس وهذا من هذا الوجه عن ابن عباس  غريب جدا والأشبه رواية الإمام أحمد  عن جابر ،  اللهم إلا أن يكون الأجلح قد رواه عن الذيال  عن جابر  وعن ابن عباس    . والله أعلم . 
طريق أخرى عن ابن عباس    : 
قال الحافظ  أبو القاسم الطبراني    : ثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ،  ثنا أبو عون الزيادي ،  ثنا أبو عزة الدباغ ،  عن أبي يزيد المديني ،  عن عكرمة  عن ابن عباس ،  أن رجلا من الأنصار  كان له فحلان فاغتلما ، فأدخلهما حائطا ، فسد عليهما الباب ، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يدعو له ، والنبي قاعد ومعه نفر من الأنصار ،  فقال : يا   [ ص: 8 ] نبي الله ، إني جئت في حاجة ، فإن فحلين لي اغتلما ، وإني أدخلتهما حائطا ، وسددت عليهما الباب ، فأحب أن تدعو لي أن يسخرهما الله لي . فقال لأصحابه : " قوموا معنا " فذهب حتى أتى الباب ، فقال : " افتح " . فأشفق الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " افتح " . ففتح الباب ، فإذا أحد الفحلين قريب من الباب ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ائتني بشيء أشد رأسه وأمكنك منه " . فجاء بخطام ، فشد رأسه وأمكنه منه ، ثم مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر ، فلما رآه وقع له ساجدا ، فقال للرجل : " ائتني بشيء أشد رأسه " . فشد رأسه وأمكنه منه ، فقال : " اذهب فإنهما لا يعصيانك " . فلما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قالوا : " يا رسول الله ، هذان فحلان لا يعقلان سجدا لك! أفلا نسجد لك؟ " قال : " لا آمر أحدا أن يسجد لأحد ، ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها وهذا إسناد غريب ومتن غريب . 
ورواه الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد  في كتابه " دلائل النبوة " عن أحمد بن حمدان السجزي ،  عن عمر بن محمد بن بجير البجيري ،  عن بشر بن آدم ،  عن محمد بن عون أبي عون الزيادي  به . وقد رواه أيضا من طريق مكي بن إبراهيم  عن فائد أبي الورقاء  عن عبد الله بن أبي أوفى  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحو ما تقدم عن ابن عباس  
.   [ ص: 9 ] رواية  أبي هريرة  في ذلك : 
قال أبو محمد عبد الله بن حامد  الفقيه : أخبرنا أحمد بن حمدان ،  أنا عمر بن محمد بن بجير ،  حدثنا يوسف بن موسى ،  حدثنا جرير ،  عن يحيى بن عبيد الله ،  عن أبيه ، عن  أبي هريرة  قال : انطلقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء ، فأشرفنا إلى حائط ، فإذا نحن بناضح ، فلما أقبل الناضح رفع رأسه ، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع جرانه على الأرض ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فنحن أحق أن نسجد لك من هذه البهيمة " . فقال : " سبحان الله! أدون الله؟! ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد دون الله ، ولو أمرت أحدا أن يسجد لشيء من دون الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها 
رواية عبد الله بن جعفر  في ذلك : 
قال الإمام أحمد    : حدثنا يزيد ،  ثنا مهدي بن ميمون ،  عن محمد بن أبي يعقوب ،  عن الحسن بن سعد ،  عن عبد الله بن جعفر ،    ( ح ) وثنا بهز  وعفان ،  قالا : ثنا مهدي ،  ثنا محمد بن أبي يعقوب ،  عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي ،  عن عبد الله بن جعفر  قال : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه ، فأسر إلي حديثا لا أخبر به أحدا أبدا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل ، فدخل يوما حائطا من حيطان الأنصار ،  فإذا جمل قد أتاه فجرجر   [ ص: 10 ] وذرفت عيناه - وقال بهز  وعفان    : فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه - فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سراته وذفراه ، فسكن ، فقال : " من صاحب الجمل؟ " فجاء فتى من الأنصار  قال : هو لي يا رسول الله . فقال : " أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله؟ إنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه وقد رواه مسلم  من حديث مهدي بن ميمون  به . 
رواية عائشة  أم المؤمنين في ذلك : 
قال الإمام أحمد    : ثنا عبد الصمد ،  وعفان ،  قالا : ثنا  حماد ، هو ابن سلمة ،  عن علي بن زيد ،  عن  سعيد ، هو ابن المسيب ،  عن عائشة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين والأنصار ،  فجاء بعير فسجد له ، فقال أصحابه : يا رسول الله ، تسجد لك البهائم والشجر! فنحن أحق أن نسجد لك . فقال : " اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ، ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل أسود ، ومن جبل أسود إلى جبل أبيض كان ينبغي لها أن تفعله وهذا الإسناد على شرط السنن ، وإنما روى ابن ماجه ،  عن أبي بكر بن أبي شيبة ،  عن عفان ،  عن حماد  به :   " لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " . إلى آخره 
رواية يعلى بن مرة الثقفي  في ذلك ، أو هي قصة أخرى : 
قال الإمام   [ ص: 11 ] أحمد    : ثنا أبو سلمة الخزاعي ،  ثنا حماد بن سلمة ،  عن  عاصم بن بهدلة ،  عن حبيب بن أبي جبيرة ،  عن يعلى بن سيابة  قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له ، فأراد أن يقضي حاجته ، فأمر وديتين ، فانضمت إحداهما إلى الأخرى ، ثم أمرهما فرجعتا إلى منابتهما ، وجاء بعير فضرب بجرانه إلى الأرض ، ثم جرجر حتى ابتل ما حوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتدرون ما يقول البعير؟ إنه يزعم أن صاحبه يريد نحره " . فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أواهبه أنت لي؟ " فقال : يا رسول الله ، ما لي مال أحب إلي منه . فقال : " استوص به معروفا " . فقال لا جرم ، لا أكرم مالا لي كرامته يا رسول الله . قال : وأتى على قبر يعذب صاحبه ، فقال : " إنه يعذب في غير كبير " . فأمر بجريدة فوضعت على قبره ، وقال : " عسى أن يخفف عنه ما دامت رطبة " 
طريق أخرى عنه : 
قال الإمام أحمد    : ثنا عبد الرزاق ،  أنا معمر ،  عن عطاء بن السائب ،  عن عبد الله بن حفص ،  عن يعلى بن مرة الثقفي  قال : ثلاثة أشياء رأيتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم; بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه ، فلما رآه البعير جرجر ووضع جرانه ، فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أين   [ ص: 12 ] صاحب هذا البعير؟ " فجاء فقال : " بعنيه " . فقال : لا ، بل أهبه لك . فقال : " لا ، بل بعنيه " . قال : لا ، بل نهبه لك ، وهو لأهل بيت ما لهم معيشة غيره . قال : " أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه شكى كثرة العمل وقلة العلف ، فأحسنوا إليه " . قال : ثم سرنا فنزلنا منزلا ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ، ثم رجعت إلى مكانها ، فلما استيقظ ذكرت له ، فقال : " هي شجرة استأذنت ربها عز وجل في أن تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها " . قال : ثم سرنا فمررنا بماء ، فأتته امرأة بابن لها به جنة ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنخره ، فقال : " اخرج ، إني محمد رسول الله " . قال : ثم سرنا ، فلما رجعنا من سفرنا مررنا بذلك الماء ، فأتته المرأة بجزر ولبن ، فأمرها أن ترد الجزر ، وأمر أصحابه فشربوا من اللبن ، فسألها عن الصبي فقالت : والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك طريق أخرى عنه : 
قال الإمام أحمد    : ثنا  عبد الله بن نمير ،  عن عثمان بن حكيم ،  أخبرني عبد الرحمن بن عبد العزيز ،  عن يعلى بن مرة  قال : لقد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ما رآها أحد قبلي ، ولا يراها أحد بعدي; لقد خرجت معه في سفر ، حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي لها ، فقالت : يا رسول الله ، هذا أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء ، يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة . قال : " ناولينيه " . فرفعته إليه فجعله بينه وبين واسطة الرحل ، ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثا ، وقال : " بسم الله ، أنا عبد الله ، اخسأ عدو الله " . ثم   [ ص: 13 ] ناولها إياه ، فقال " القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل " . قال : فذهبنا ورجعنا ، فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث ، فقال : " ما فعل صبيك؟ " فقالت : والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا حتى الساعة ، فاجتزر هذه الغنم . قال : " انزل فخذ منها واحدة ورد البقية " . قال : وخرجنا ذات يوم إلى الجبانة حتى إذا برزنا قال : " ويحك ، انظر هل ترى من شيء يواريني؟ " قلت : ما أرى شيئا يواريك إلا شجرة ما أراها تواريك . قال : " فما بقربها؟ " قلت : شجرة مثلها أو قريب منها . قال : " فاذهب إليهما فقل لهما : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا بإذن الله " . قال : فاجتمعتا فبرز لحاجته ثم رجع فقال : " اذهب إليهما فقل لهما : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن ترجع كل واحدة منكما إلى مكانها " . فرجعت . قال : وكنت معه جالسا ذات يوم إذ جاء جمل يخب ، حتى ضرب بجرانه بين يديه ، ثم ذرفت عيناه ، فقال : " ويحك انظر لمن هذا الجمل ، إن له لشأنا " . قال فخرجت ألتمس صاحبه ، فوجدته لرجل من الأنصار ،  فدعوته إليه ، فقال : " ما شأن جملك هذا؟ " فقال : وما شأنه؟ قال : لا أدري والله ما شأنه ، عملنا عليه ، ونضحنا عليه ، حتى عجز عن السقاية ، فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه . قال : " فلا تفعل ، هبه لي أو بعنيه " . فقال : بل هو لك يا رسول الله . فوسمه بسمة الصدقة ، ثم بعث به 
 [ ص: 14 ] طريق أخرى عنه : 
قال الإمام أحمد    : ثنا  وكيع ،  ثنا الأعمش ،  عن  المنهال بن عمرو ،  عن يعلى بن مرة الثقفي ،  عن أبيه - ولم يقل  وكيع  مرة : عن أبيه - أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، معها صبي لها به لمم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخرج عدو الله ، أنا رسول الله " . قال : فبرأ . قال : فأهدت إليه كبشين وشيئا من أقط وشيئا من سمن . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذ الأقط والسمن وأحد الكبشين ورد عليها الآخر ثم ذكر قصة الشجرتين كما تقدم . 
وقال أحمد    : ثنا أسود ،  ثنا أبو بكر بن عياش ،  عن حبيب بن أبي عمرة ،  عن  المنهال بن عمرو ،  عن يعلى  قال : ما أظن أن أحدا من الناس رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا دون ما رأيت . فذكر أمر الصبي والنخلتين وأمر البعير ، إلا أنه قال : " ما لبعيرك يشكوك؟ زعم أنك أفنيت شبابه ، حتى إذا كبر تريد أن تنحره " . قال صدقت والذي بعثك بالحق قد أردت ذلك ، والذي بعثك بالحق لا أفعل طريق أخرى عنه : 
روى  البيهقي ،  عن  الحاكم  وغيره ، عن الأصم ،  ثنا  عباس بن محمد الدوري ،  ثنا حمدان بن الأصبهاني ،  ثنا شريك ،  عن عمر   [ ص: 15 ] بن عبد الله بن يعلى بن مرة ، عن  أبيه ، عن جده قال : رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشياء ما رآها أحد قبلي; كنت معه في طريق مكة ،  فمر بامرأة معها ابن لها به لمم ، ما رأيت لمما أشد منه ، فقالت : يا رسول الله ، ابني هذا كما ترى . فقال : " إن شئت دعوت له " . فدعا له ، ثم مضى فمر على بعير ماد جرانه ، يرغو ، فقال : " علي بصاحب هذا البعير " . فجيء به ، فقال : " هذا يقول : نتجت عندهم فاستعملوني ، حتى إذا كبرت عندهم أرادوا أن ينحروني " . قال : ثم مضى فرأى شجرتين متفرقتين ، فقال لي : " اذهب فمرهما فليجتمعا لي " . قال : فاجتمعتا فقضى حاجته . قال : ثم مضى ، فلما انصرف مر على الصبي وهو يلعب مع الغلمان وقد ذهب ما به ، وهيأت أمه أكبشا ، فأهدت له كبشين ، وقالت : ما عاد إليه شيء من اللمم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من شيء إلا ويعلم أني رسول الله ، إلا كفرة - أو : فسقة - الجن والإنس 
فهذه طرق جيدة متعددة تفيد غلبة الظن أو القطع عند المتبحر أن يعلى بن مرة  حدث بهذه القصة في الجملة ، وقد تفرد بهذا كله الإمام أحمد  دون أصحاب الكتب الستة ، ولم يرو أحد منهم شيئا منه سوى ابن ماجه ،  فإنه روى عن  يعقوب بن حميد بن كاسب ،  عن يحيى بن سليم ،  عن ابن خيثم ،  عن  يونس بن خباب ،  عن يعلى بن مرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد   . 
 [ ص: 16 ] وقد اعتنى الحافظ أبو نعيم  بحديث البعير في كتابه " دلائل النبوة " وطرقه من وجوه كثيرة ، ثم أورد حديث عبد الله بن قرط الثمالي  قال : جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بست زود فجعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ . وقد قدمت الحديث في حجة الوداع . 
قلت : قد أسلفنا عن  جابر بن عبد الله  نحو قصة الشجرتين ، وذكرنا آنفا عن غير واحد من الصحابة نحوا من حديث الجمل ، لكن بسياق يشبه أن يكون غير هذا . فالله أعلم . وسيأتي حديث الصبي الذي كان يصرع ودعاؤه ، عليه الصلاة والسلام ، له وبرؤه في الحال ، من طرق أخرى . 
وقد روى الحافظ  البيهقي ،  عن  أبي عبد الله الحاكم  وغيره ، عن  أبي العباس الأصم ،  عن أحمد بن عبد الجبار ،  عن  يونس بن بكير ،  عن إسماعيل بن عبد الملك ،  عن  أبي الزبير ،  عن جابر  قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد ، فنزلنا منزلا بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر ، فقال لي : " يا جابر  خذ الإداوة وانطلق بنا " . فملأت الإداوة ماء ، وانطلقنا فمشينا حتى لا نكاد نرى ، فإذا شجرتان بينهما أذرع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا جابر ،  انطلق فقل لهذه الشجرة : يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما " . ففعلت ، فرجعت فلحقت بصاحبتها ، فجلس خلفهما حتى قضى حاجته ، ثم رجعنا فركبنا رواحلنا ، فسرنا كأنما على رءوسنا الطير تظلنا ، وإذا نحن بامرأة قد   [ ص: 17 ] عرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه . فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناوله ، فجعله بينه وبين مقدمة الرحل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخسأ عدو الله ، أنا رسول الله " . وأعاد ذلك ثلاث مرات ، ثم ناولها إياه ، فلما رجعنا فكنا بذلك الماء ، عرضت لنا تلك المرأة ومعها كبشان تقودهما والصبي تحمله ، فقالت : يا رسول الله ، اقبل مني هديتي ، فوالذي بعثك بالحق إن عاد إليه بعد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذوا أحدهما وردوا الآخر " . قال : ثم سرنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا ، فجاء جمل ناد ، فلما كان بين السماطين خر ساجدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس ، من صاحب هذا الجمل؟ " فقال فتية من الأنصار    : هو لنا يا رسول الله . قال : " فما شأنه؟ " قالوا : سنونا عليه منذ عشرين سنة ، فلما كبرت سنه وكانت عليه شحيمة أردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تبيعونيه؟ " قالوا : يا رسول الله ، هو لك . قال : " فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله " . فقالوا : يا رسول الله ، نحن أحق أن نسجد لك من البهائم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ، ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن " وهذا إسناد جيد رجاله ثقات . 
وقد روى أبو داود   وابن ماجه  من حديث إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفراء ،  عن  أبي الزبير ،  عن جابر ، أن  رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد   . 
ثم قال  البيهقي    : وحدثنا أبو عبد الله الحافظ ،  أنا أبو بكر بن إسحاق ،  أنا   [ ص: 18 ] الحسين بن علي بن زياد ،  ثنا أبو حمة ،  ثنا أبو قرة ،  عن زمعة ،  عن زياد ، هو ابن سعد ،  عن  أبي الزبير ،  أنه سمع يونس بن خباب الكوفي  يحدث أنه سمع أبا عبيدة  يحدث عن  عبد الله بن مسعود ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان في سفر إلى مكة ،  فذهب إلى الغائط ، وكان يبعد حتى لا يراه أحد . قال : فلم يجد شيئا يتوارى به ، فبصر بشجرتين . فذكر قصة الشجرتين ، وقصة الجمل بنحو من حديث جابر    . قال  البيهقي    : وحديث جابر  أصح . قال : وهذه الرواية ينفرد بها زمعة بن صالح ،  عن زياد ، أظنه ابن سعد ،  عن  أبي الزبير    . قلت : وقد تكون هذه أيضا محفوظة ، ولا ينافي حديث جابر  ويعلى بن مرة ،  بل يشهد لهما ويكون هذا الحديث عن  أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ،  عن جابر ،  وعن  يونس بن خباب ،  عن  أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ،  عن أبيه . والله أعلم . 
وروى  البيهقي  من حديث معاوية بن يحيى الصدفي ،  وهو ضعيف ، عن الزهري ،  عن  خارجة بن زيد ،  عن أسامة بن زيد  حديثا طويلا نحو سياق حديث يعلى بن مرة   وجابر بن عبد الله ،  وفيه قصة الصبي الذي كان يصرع ومجيء أمه بشاة مشوية ، فقال : " ناولني الذراع " . فناولته ، ثم قال : " ناولني الذراع " . فناولته ، ثم قال : " ناولني الذراع " . فقلت : كم للشاة من ذراع؟ فقال : " والذي نفسي بيده لو سكت لناولتني ما دعوت ثم ذكر قصة النخلات واجتماعهم وانتقال الحجارة معهم ، حتى صارت الحجارة رجما خلف النخلات ، وليس في  [ ص: 19 ] سياقه قصة البعير ، فلهذا لم نورده بلفظه وإسناده ، والله المستعان . 
وقد روى  الحافظ بن عساكر  في ترجمة غيلان بن سلمة الثقفي ،  بسنده إلى  معلى بن منصور الرازي ،  عن شبيب بن شيبة ،  عن بشر بن عاصم ،  عن غيلان بن سلمة  قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأينا عجبا ، فذكر قصة الأشاءتين واستتاره بهما عند الخلاء ، وقصة الصبي الذي كان يصرع ، وقوله : " بسم الله ، أنا رسول الله ، اخرج عدو الله ، فعوفي . ثم ذكر قصة البعيرين النادين ، وأنهما سجدا له ، بنحو ما تقدم في البعير الواحد ، فلعل هذه قصة أخرى والله أعلم . 
وقد ذكرنا فيما سلف حديث جابر  وقصة جمله الذي كان قد أعيا  ، وذلك مرجعهم من تبوك  وتأخره في أخريات القوم ، فلحقه النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعا له وضربه ، فسار سيرا لم يسر مثله حتى جعل يتقدم أمام الناس ، وذكرنا شراءه ، عليه الصلاة والسلام ، منه ، وفي ثمنه اختلاف كثير وقع من الرواة لا يضر أصل القصة كما بيناه . وتقدم حديث أنس  في ركوبه ، عليه الصلاة والسلام ، على فرس أبي طلحة  حين سمع صوتا بالمدينة  فركب ذلك الفرس ، وكان يبطئ ، وركب الفرسان نحو ذلك الصوت ، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد [ ص: 20 ] رجع بعد ما كشف ذلك الأمر فلم يجد له حقيقة ، وكان قد ركبه عريا; لا شيء على الفرس وهو متقلد سيفا ، فرجع وهو يقول : " لن تراعوا ، لن تراعوا ، ما وجدنا من شيء ، وإن وجدناه لبحرا " . أي لسابقا ، وكان ذلك الفرس يبطئ قبل تلك الليلة ، فكان بعد ذلك لا يجارى ولا يكشف له غبار ، وذلك كله ببركته ، عليه الصلاة والسلام 
حديث آخر غريب في قصة البعير : 
قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه  في كتابه " دلائل النبوة " ، وهو مجلد كبير ، حافل ، كثير الفوائد : أخبرني أبو علي الفارسي ،  حدثنا أبو سعيد عبد العزيز بن شهلان القواس ،  حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن خالد الراسبي ،  حدثنا عبد الرحمن بن علي البصري ،  حدثنا سلامة بن سعيد بن زياد بن فائد بن زياد بن أبي هند الداري ،  حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده حدثنا  تميم بن أوس ، يعني الداري ،  قال : كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أقبل بعير يعدو حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها البعير ، اسكن ، فإن تك صادقا فلك صدقك ، وإن تك كاذبا فعليك كذبك ، مع أن الله تعالى قد أمن عائذنا ، ولا يخاف لائذنا " . قلنا : يا رسول الله ، ما يقول هذا البعير؟ قال :   [ ص: 21 ]   " هذا بعير هم أهله بنحره ، فهرب منهم فاستغاث بنبيكم " . فبينا نحن كذلك إذ أقبل أصحابه يتعادون ، فلما نظر إليهم البعير عاد إلى هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، هذا بعيرنا هرب منا منذ ثلاثة أيام ، فلم نلقه إلا بين يديك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يشكو مر الشكاية " . فقالوا يا رسول الله ، ما يقول؟ قال : " يقول : إنه ربي في إبلكم حوارا ، وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضع الكلأ ، فإذا كان الشتاء رحلتم إلى موضع الدفأ " . فقالوا : قد كان ذلك يا رسول الله . فقال : " ما جزاء العبد الصالح من مواليه؟ " قالوا : يا رسول الله فإنا لا نبيعه ولا ننحره . قال : " فقد استغاث فلم تغيثوه ، وأنا أولى بالرحمة منكم; لأن الله نزع الرحمة من قلوب المنافقين ، وأسكنها في قلوب المؤمنين " . فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بمائة درهم ، ثم قال : " أيها البعير ، انطلق فأنت حر لوجه الله " . فرغا على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمين " . ثم رغا الثانية ، فقال : " آمين " ، ثم رغا الثالثة ، فقال : " آمين " ، ثم رغا الرابعة ، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : يا رسول الله ، ما يقول هذا البعير؟ قال : " يقول : جزاك الله أيها النبي عن الإسلام والقرآن خيرا . قلت : آمين . قال سكن الله رعب أمتك يوم القيامة كما سكنت رعبي . قلت : آمين . قال : حقن الله دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمي . قلت : آمين . قال لا جعل الله بأسها بينها . فبكيت وقلت : هذه خصال ثلاث سألت ربي فأعطانيها ومنعني   [ ص: 22 ] واحدة ، وأخبرني جبريل عن الله أن فناء أمتك بالسيف ، فجرى القلم بما هو كائن قلت : هذا الحديث غريب جدا ، لم أر أحدا من هؤلاء المصنفين في الدلائل أورده سوى هذا المصنف ، وفيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه أيضا . والله أعلم 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					