[ ص: 136 ] فصل في ترتيب الإخبار بالغيوب المستقبلة بعده صلى الله عليه وسلم 
 ثبت في صحيح  البخاري  ومسلم  من حديث الأعمش ،  عن أبي وائل ،  عن حذيفة بن اليمان  قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا مقاما ما ترك فيه شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره ، علمه من علمه وجهله من جهله ، وقد كنت أرى الشيء قد كنت نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه   . 
وقال  البخاري    : ثنا يحيى بن موسى ،  حدثنا الوليد ،  حدثني ابن جابر ،  حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي ،  حدثني أبو إدريس الخولاني  أنه سمع حذيفة بن اليمان  يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر; مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال : " نعم " . قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : " نعم . وفيه دخن " . قلت وما دخنه؟ فقال : " قوم يهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر " . قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال : " نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها " . قلت يا رسول الله ، صفهم لنا قال : " هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا " . قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال : " تلزم   [ ص: 137 ] جماعة المسلمين وإمامهم " . قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام . قال : " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " وقد رواه  البخاري  أيضا ومسلم ،  عن  محمد بن المثنى ،  عن الوليد بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر  به . 
ثم قال  البخاري    : ثنا  محمد بن المثنى ،  ثنا يحيى بن سعيد ،  عن إسماعيل ،  عن قيس ،  عن حذيفة  قال : تعلم أصحابي الخير وتعلمت الشر . تفرد به  البخاري    . 
وفي " صحيح مسلم    " من حديث شعبة ،  عن عدي بن ثابت ،  عن عبد الله بن يزيد ،  عن حذيفة  قال : لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة ، غير أني لم أسأله : ما يخرج أهل المدينة منها؟   . 
وفي " صحيح مسلم    " من حديث علباء بن أحمر ،  عن أبي يزيد عمرو بن أخطب  قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، فأعلمنا أحفظنا   . وفي الحديث الآخر حتى دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار وقد تقدم حديث  خباب بن الأرت    : " والله ليتمن الله هذا الأمر ، ولكنكم تستعجلون " .   [ ص: 138 ] وكذا حديث عدي بن حاتم  في ذلك ، وقال الله تعالى : ليظهره على الدين كله    [ التوبة : 33 ] . وقال تعالى : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض  الآية [ النور : 55 ] . 
وفي " صحيح مسلم    " من حديث  أبي نضرة ،  عن أبي سعيد  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء; فإن أول فتنة بني إسرائيل  كانت في النساء " . وفي حديث آخر : ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء  وفي " الصحيحين " من حديث الزهري ،  عن عروة بن المسور ،  عن عمرو بن عوف ،  فذكر قصة بعث أبي عبيدة  إلى البحرين ،  وفيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم   : " أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تنبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم " 
في " الصحيحين " من حديث  سفيان الثوري ،  عن محمد بن المنكدر ،   [ ص: 139 ] عن جابر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   : " هل لكم من أنماط؟ " قال : قلت : يا رسول الله ، وأنى يكون لنا أنماط؟ فقال : " أما إنها ستكون لكم أنماط " . قال : فأنا أقول لامرأتي نحي عني أنماطك . فتقول : ألم يقل رسول الله : " أنها ستكون لكم أنماط " ؟ فأتركها 
وفي " الصحيحين " و " المسانيد " و " السنن " وغيرها من حديث  هشام بن عروة ،  عن أبيه عن عبد الله بن الزبير ،  عن سفيان بن أبي زهير  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تفتح اليمن ،  فيأتي قوم يبسون ، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة  خير لهم لو كانوا يعلمون ، وتفتح الشام  فيأتي قوم يبسون ، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة  خير لهم لو كانوا يعلمون ، وتفتح العراق  فيأتي قوم يبسون ، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة  خير لهم لو كانوا يعلمون " . كذلك رواه عن  هشام بن عروة  جماعة كثيرون ، وقد أسنده  الحافظ بن عساكر  من حديث مالك ،   وسفيان بن عيينة ،   وابن جريج ،   وأبي معاوية ،  ومالك بن سعير بن الخمس ،   وأبي ضمرة أنس بن عياض ،  و عبد العزيز بن أبي حازم ،  وسلمة بن دينار ،   وجرير بن عبد الحميد    . ورواه أحمد ،  عن يونس ،  عن حماد بن زيد  عن  هشام بن عروة  وعبد الرزاق ،  عن ابن   [ ص: 140 ] جريج  ، عن هشام    . ومن حديث مالك ،  عن هشام  به بنحوه . 
ثم روى أحمد  عن سليمان بن داود الهاشمي ،  عن إسماعيل بن جعفر ،  أخبرني يزيد بن خصيفة  أن  بسر بن سعيد  أخبره أنه سمع في مجلس الليثيين يذكرون أن سفيان  أخبرهم ، فذكر قصة ، وفيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ويوشك الشام  أن يفتتح فيأتيه رجال من هذا البلد - يعني المدينة    - فيعجبهم ريفه ورخاؤه ، والمدينة  خير لهم لو كانوا يعلمون  ، ثم يفتح العراق  فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة  خير لهم لو كانوا يعلمون وأخرجه  ابن خزيمة  من طريق إسماعيل    . ورواه  الحافظ بن عساكر  من حديث أبي ذر ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، وكذا حديث ابن حوالة    . 
ويشهد لذلك : منعت الشام  مديها ودينارها ، ومنعت العراق  درهمها وقفيزها ، ومنعت مصر  إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم " وهو في   [ ص: 141 ]   " الصحيح " وكذا حديث المواقيت لأهل الشام  واليمن ،  وهو في " الصحيحين " ، وعند مسلم  ميقات أهل العراق  ويشهد لذلك أيضا حديث :   " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ، عز وجل " 
وفي " صحيح  البخاري    " من حديث  أبي إدريس الخولاني  عن عوف بن مالك ،  أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك    : " اعدد ستا بين يدي الساعة " فذكر موته ، عليه الصلاة والسلام ، ثم فتح بيت المقدس  ، ثم موتانا - وهو الوباء - ثم كثرة المال ، ثم فتنة ، ثم هدنة بين المسلمين والروم   . وسيأتي الحديث فيما بعد . 
وفي " صحيح مسلم    " من حديث عبد الرحمن بن شماسة ،  عن أبي ذر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   : " إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا    ; فإن لهم ذمة ورحما ، فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها " قال : فمر بربيعة وعبد الرحمن ابني شرحبيل بن حسنة  يختصمان في موضع لبنة ، فخرج منها . يعني ديار مصر  على يدي عمرو بن العاص  في سنة عشرين ، كما سيأتي . 
وقد روى ابن وهب  ، عن مالك والليث ،  عن الزهري  عن ابن لكعب   [ ص: 142 ] بن مالك ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا افتتحتم مصر  فاستوصوا بالقبط خيرا; فإن لهم ذمة ورحما " رواه  البيهقي  من حديث إسحق بن راشد ،  عن الزهري ،  عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ،  عن أبيه . وحكى  أحمد بن حنبل ،  عن سفيان بن عيينة ،  أنه سئل عن قوله " ذمة ورحما " . فقال : من الناس من قال : إن أم إسماعيل هاجر  كانت قبطية . ومن الناس من قال : أم إبراهيم    . قلت : الصحيح الذي لا شك فيه أنهما قبطيتان ، كما قدمنا ذكر ذلك ومعنى قوله : " ذمة " . يعني بذلك هديةالمقوقس  إليه وقبوله ذلك منه ، وذلك نوع ذمام ومهادنة . والله تعالى أعلم . 
وتقدم ما رواه  البخاري  من حديث محل بن خليفة ،  عن عدي بن حاتم  في فتح كنوز كسرى وانتشار الأمن وفيضان المال حتى لا يتقبله أحد ، وفي الحديث أن عديا  شهد الفتح ، ورأى الظعينة ترتحل من الحيرة  إلى مكة  لا تخاف إلا الله ، قال : ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم  صلى الله عليه وسلم من كثرة المال حتى لا يقبله أحد . قال  البيهقي    : وقد كان ذلك في زمن عمر بن عبد العزيز    . قلت : ويحتمل أن يكون ذلك متأخرا إلى زمن المهدي ، كما جاء في صفته ، أو إلى زمن نزول عيسى بن مريم ،  عليه السلام ، بعد قتله الدجال ، فإنه   [ ص: 143 ] قد ورد في " الصحيح " أنه يقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد . والله تعالى أعلم . 
وفي " صحيح مسلم    " من حديث ابن أبي ذئب ،  عن مهاجر بن مسمار ،  عن عامر بن سعد ،  عن  جابر بن سمرة  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :   " لا يزال هذا الدين قائما ما كان اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ،  ثم يخرج كذابون بين يدي الساعة  ، وليفتحن عصابة من المسلمين كنز القصر الأبيض قصر كسرى ، وأنا فرطكم على الحوض " الحديث بمعناه . 
وتقدم حديث عبد الرزاق ،  عن معمر ،  عن همام  عن  أبي هريرة  مرفوعا :   " إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده  ، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده  ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ، عز وجل " أخرجاه وقال  البيهقي    : المراد زوال ملك قيصر عن الشام ،  ولا يبقى كبقاء ملكه على الروم;  لقوله ، عليه السلام ، لما عظم كتابه : " ثبت ملكه " . وأما ملك فارس  فباد بالكلية لقوله له : " مزق الله ملكه " . 
وقد روى أبو داود ،  عن محمد بن عبيد ،  عن حماد ،  عن يونس ،  عن الحسن ،  أن عمر بن الخطاب    - وروينا في طريق أخرى ، عن عمر بن الخطاب  ، رضي الله عنه - لما جيء بفروة كسرى وسيفه ومنطقته وتاجه   [ ص: 144 ] وسواريه ، ألبس ذلك كله لسراقة بن مالك بن جعشم  وقال : قل : الحمد لله الذي ألبس ثياب كسرى لرجل أعرابي من البادية   . قال  الشافعي    : إنما ألبسه ذلك; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه : " كأني بك قد لبست سواري كسرى    " . والله أعلم . 
وقال سفيان بن عيينة ،  عن إسماعيل بن أبي خالد ،  عن  قيس بن أبي حازم ،  عن عدي بن حاتم  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثلت لي الحيرة  كأنياب الكلاب ، وإنكم ستفتحونها " . فقام رجل فقال : يا رسول الله ، هب لي ابنة بقيلة    . قال " هي لك " . فأعطوه إياها . فجاء أبوها فقال : أتبيعها؟ قال : نعم . قال : فبكم؟ احكم ما شئت . قال ألف درهم . قال : قد أخذتها . فقالوا له : لو قلت ثلاثين ألفا لأخذها . فقال : وهل عدد أكثر من ألف؟   . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ،  ثنا معاوية ،  عن ضمرة بن حبيب ،  أن ابن زغب الإيادي  حدثه قال : نزل على عبد الله بن حوالة الأزدي  فقال لي : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حول المدينة  على أقدامنا لنغنم ، فرجعنا ولم نغنم شيئا ، وعرف الجهد في وجوهنا ، فقام فينا فقال : " اللهم لا تكلهم إلي فأضعف ، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها ، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم " . ثم قال : " لتفتحن لكم الشام  والروم  وفارس     - أو : الروم  وفارس    - وحتى يكون لأحدكم من الإبل كذا وكذا ، ومن البقر كذا وكذا ، ومن الغنم كذا   [ ص: 145 ] وكذا ، وحتى يعطى أحدكم مائة دينار فيسخطها " . ثم وضع يده على رأسي أو على هامتي فقال : " يا ابن حوالة ،  إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك " ورواه أبو داود  من حديث معاوية بن صالح    . 
وقال أحمد  حدثنا حيوة بن شريح  ويزيد بن عبد ربه ،  قالا : ثنا بقية  حدثني بجير بن سعد ،  عن خالد بن معدان ،  عن أبي قتيلة ،  عن ابن حوالة ،  أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيصير الأمر إلى أن تكون جنود مجندة; جند بالشام ،  وجند باليمن ،  وجند بالعراق    " . فقال ابن حوالة    : خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك . فقال " عليك بالشام;  فإنه خيرة الله من أرضه يجتبي إليه خيرته من عباده ، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدره; فإن الله تكفل لي بالشام  وأهله " وهكذا رواه أبو داود ،  عن حيوة بن شريح  به . وقد رواه أحمد  أيضا ، عن عصام بن خالد   وعلي بن عياش ،  كلاهما عن حريز   [ ص: 146 ] بن عثمان ،  عن سليمان بن شمير ،  عن عبد الله بن حوالة ،  فذكر نحوه . ورواه  الوليد بن مسلم الدمشقي ،  عن سعيد بن عبد العزيز ،  عن مكحول  وربيعة بن يزيد ،  عن أبي إدريس ،  عن عبد الله بن حوالة  به . 
وقال  البيهقي    : أنا أبو الحسين بن الفضل القطان ،  أنا عبد الله بن جعفر  ، ثنا يعقوب بن سفيان ،  ثنا عبد الله بن يوسف ،  ثنا يحيى بن حمزة ،  حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة ،  يرد الحديث إلى  جبير بن نفير  قال : قال عبد الله بن حوالة    : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه العري والفقر وقلة الشيء ، فقال : " أبشروا ، فوالله لأنا بكثرة الشيء أخوفني عليكم من قلته ، والله لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح الله عليكم أرض الشام    - أو قال : أرض فارس - وأرض الروم وأرض حمير ،  وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة; جندا بالشام ،  وجندا بالعراق ،  وجندا باليمن ،  وحتى يعطى الرجل المائة فيسخطها " . قال ابن حوالة    : قلت : يا رسول الله ، ومن يستطيع الشام  وبه الروم ذوات القرون؟! قال : " والله ليفتحنها الله عليكم ، وليستخلفنكم فيها ، حتى تظل العصابة البيض منهم قمصهم ، الملحمة أقفاؤهم قياما على الرويجل الأسود منكم المحلوق ، ما أمرهم من شيء فعلوه " وذكر الحديث ، قال أبو علقمة    : سمعت عبد الرحمن بن جبير   [ ص: 147 ] يقول : فعرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي ،  وكان على الأعاجم في ذلك الزمان ، فكانوا إذا رجعوا إلى المسجد نظروا إليه وإليهم قياما حوله ، فيتعجبون لنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وفيهم . 
وقال أحمد    : حدثنا حجاج ،  ثنا الليث بن سعد ،  حدثني يزيد بن أبي حبيب ،  عن  ربيعة بن لقيط التجيبي ،  عن عبد الله بن حوالة الأزدي ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " من نجا من ثلاث فقد نجا " . قالوا : ماذا يا رسول الله؟ قال : " موتي ، ومن قتل خليفة مصطبر بالحق يعطيه ، والدجال " 
وقال أحمد    : ثنا إسماعيل بن إبراهيم ،  ثنا الجريري ،  عن عبد الله بن شقيق ،  عن عبد الله بن حوالة  قال : أتيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل دومة ، وعنده كاتب له يملي عليه ، فقال : ألا نكتبك يا ابن حوالة؟    " قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله . فأعرض عني وقال إسماعيل  مرة في الأولى : " نكتبك يا ابن حوالة؟    " قلت : فيم يا رسول الله؟   [ ص: 148 ] فأعرض عني - وأكب على كاتبه يملي عليه ، ثم قال : " ألا نكتبك يا ابن حوالة؟    " قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله . فأعرض عني وأكب على كاتبه يملي عليه . قال : فنظرت فإذا في الكتاب عمر ،  فقلت : إن عمر  لا يكتب إلا في خير . ثم قال : " أنكتبك يا ابن حوالة؟    " قلت : نعم . فقال : " يا ابن حوالة ،  كيف تفعل في فتنة تخرج في أطراف الأرض كأنها صياصي بقر؟ " قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله . قال : " فكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كأن الأولى منها انتفاجة أرنب؟ " قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله . قال : " اتبعوا هذا " . قال : ورجل مقف حينئذ . قال : فانطلقت فسعيت وأخذت بمنكبه ، فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : هذا؟ قال : " نعم " . قال فإذا هو عثمان بن عفان ،  رضي الله عنه 
وثبت في " صحيح مسلم    " من حديث  يحيى بن آدم  ، عن زهير بن معاوية ،  عن سهل ،  عن أبيه ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " منعت العراق  درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام  مديها ودينارها ، ومنعت مصر  إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم  أبي هريرة  ودمه . قال  يحيى بن آدم  وغيره من أهل   [ ص: 149 ] العلم : هذا من دلائل النبوة;  حيث أخبر عما ضربه عمر  على أرض العراق  من الدراهم والقفزان ، وعما ضرب من الخراج بالشام  ومصر ،  قبل وجود ذلك ، صلوات الله وسلامه عليه . وقد اختلف الناس في معنى قوله ، عليه الصلاة والسلام : " منعت العراق    " . إلى آخره ، فقيل : معناه أنهم يسلمون فيسقط عنهم الخراج . ورجحه  البيهقي    . وقيل : معناه أنهم يرجعون عن الطاعة ولا يؤدون الخراج المضروب عليهم ، ولهذا قال : " وعدتم من حيث بدأتم " . أي رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل ذلك ، كما ثبت في " صحيح مسلم "   : " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا ، فطوبى للغرباء " 
ويؤيد هذا القول ما رواه  الإمام أحمد    : حدثنا إسماعيل  عن الجريري ،  عن  أبي نضرة  قال : كنا عند  جابر بن عبد الله  فقال : يوشك أهل العراق  أن لا يجيء إليهم قفيز ولا درهم . قلنا : من أين ذاك؟ قال : من قبل العجم ، يمنعون ذلك . ثم قال : يوشك أهل الشام  أن لا يجيء إليهم دينار ولا مدي . قلنا : من أين ذاك؟ قال : من قبل الروم ، يمنعون ذاك . قال : ثم سكت هنيهة . ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا ، لا يعده عدا   " . قال الجريري    : فقلت لأبي نضرة  وأبي العلاء    : أتريانه عمر بن عبد العزيز؟  فقالا : لا . وقد رواه مسلم  من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن علية   [ ص: 150 ]  وعبد الوهاب الثقفي ،  كلاهما عن سعيد بن إياس الجريري ،  عن  أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة العبدي ،  عن جابر  كما تقدم . والعجب أن  الحافظ أبا بكر البيهقي  احتج به على ما رجحه من أحد القولين المتقدمين . وفيما سلكه نظر ، والظاهر خلافه . 
وثبت في " الصحيحين " من غير وجه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة   ذا الحليفة ،  ولأهل الشام   الجحفة ،  ولأهل اليمن   يلملم    . وفي " صحيح " مسلم  عن جابر    : ولأهل العراق   ذات عرق    . فهذا من دلائل النبوة ، حيث أخبر عما وقع من حج أهل الشام   واليمن  والعراق ،  صلوات الله وسلامه عليه . 
وفي " الصحيحين " من حديث سفيان بن عيينة ،  عن  عمرو بن دينار ،  عن جابر ،  عن أبي سعيد  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليأتين على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس ، فيقال لهم : هل فيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقال : نعم . فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس ، فيقال لهم : هل فيكم من صحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقال : نعم . فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس ، فيقال : هل فيكم من صحب من صاحبهم؟ فيقال : نعم . فيفتح لهم   " 
 [ ص: 151 ] وثبت في " الصحيحين " من حديث ثور بن زيد ،  عن أبي الغيث ،  عن  أبي هريرة  قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة " الجمعة " وآخرين منهم لما يلحقوا بهم    [ الجمعة : 3 ] . فقال رجل : من هؤلاء يا رسول الله؟ فوضع يده على سلمان الفارسي  وقال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء   " وهكذا وقع كما أخبر به ، عليه الصلاة والسلام . 
وروى  الحافظ البيهقي  من حديث محمد بن عبد الرحمن بن عرق ،  عن عبد الله بن بشر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لتفتحن عليكم فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه اسم الله عز وجل   " 
وروى  الإمام أحمد   والبيهقي   وابن عدي  وغير واحد ، من حديث أوس بن عبد الله بن بريدة ،  عن أخيه سهل ،  عن أبيه عبد الله بن بريدة ،  عن أبيه بريدة بن الحصيب  مرفوعا : " ستبعث بعوث فكن في بعث خراسان ، ثم اسكن مدينة مرو;  فإنه بناها ذو القرنين  ، ودعا لها بالبركة ، وقال : لا يصيب أهلها سوء   " وهذا الحديث يعد من غرائب " المسند " ، ومنهم من يجعله موضوعا . فالله أعلم . وقد تقدم حديث  أبي هريرة  من جميع طرقه في قتال الترك ، وقد وقع ذلك كما أخبر به سواء بسواء ، وسيقع أيضا . 
 [ ص: 152 ] وفي " صحيح  البخاري    " من حديث شعبة ،  عن فرات القزاز ،  عن أبي حازم ،  عن  أبي هريرة ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " كانت بنو إسرائيل  تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وإنه سيكون خلفاء فيكثرون " . قالوا فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال " فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم 
وفي " صحيح مسلم    " من حديث أبي رافع ،  عن  عبد الله بن مسعود  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما كان نبي إلا كان له حواريون يهدون بهديه ، ويستنون بسنته ، ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ، ويعملون ما ينكرون   " 
وروى  الحافظ البيهقي  من حديث عبد الله بن الحارث بن محمد بن حاطب الجمحي ،  عن سهيل بن أبي صالح ،  عن أبيه ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب الله  ، ويعدلون في عباد الله ، ثم يكون من بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر ، ويقتلون الرجال ، ويصطفون الأموال ، فمغير بيده ومغير بلسانه ، ومغير بقلبه وليس وراء ذلك من الإيمان شيء 
 [ ص: 153 ] وقال  أبو داود الطيالسي    : ثنا جرير بن حازم ،  عن ليث ،  عن عبد الرحمن بن سابط ،  عن  أبي ثعلبة الخشني ،  عن  أبي عبيدة بن الجراح   ومعاذ بن جبل ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ، وكائنا خلافة ورحمة ، وكائنا ملكا عضوضا ، وكائنا عزة وجبرية وفسادا في الأمة ، يستحلون الفروج والخمور والحرير ، وينصرون على ذلك ، ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله عز وجل   " وهذا كله واقع . 
وفي الحديث الذي رواه  الإمام أحمد  وأبو داود   والترمذي  وحسنه ،  والنسائي  من حديث سعيد بن جمهان ،  عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " الخلافة بعدي ثلاثون سنة  ، ثم تكون ملكا   " وفي رواية :   " ثم يؤتي الله ملكه من يشاء   " وهكذا وقع سواء; فإن أبا بكر ،  رضي الله عنه ، كانت خلافته  سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال ، وكانت خلافة عمر  عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام  ، وخلافة عثمان  اثنتي عشرة سنة  إلا اثنتي عشر يوما ، وكانت خلافة علي بن أبي  طالب خمس سنين إلا شهرين    . قلت : وتكميل الثلاثين بخلافة الحسن بن علي  نحوا من ستة أشهر ، حتى نزل عنها لمعاوية  عام أربعين من الهجرة ، كما سيأتي بيانه وتفصيله . 
وقال يعقوب بن سفيان    : حدثني  محمد بن فضيل ،  ثنا مؤمل ،  ثنا حماد   [ ص: 154 ] بن سلمة ،  عن علي بن زيد ،  عن  عبد الرحمن بن أبي بكرة ،  عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :   " خلافة نبوة ثلاثون عاما ثم يؤتي الله الملك من يشاء   " فقال معاوية    : رضينا بالملك . وهذا الحديث فيه رد صريح على الروافض المنكرين لخلافة الثلاثة ، وعلى النواصب من بني أمية  ومن تبعهم من أهل الشام  في إنكار خلافة علي بن أبي طالب  ، فإن قيل : فما وجه الجمع بين حديث سفينة هذا وبين حديث  جابر بن سمرة  المتقدم في " صحيح مسلم    " :   " لا يزال هذا الدين قائما ما كان في الناس اثنا عشر خليفة كلهم من قريش؟  فالجواب : إن من الناس من قال : إن الدين لم يزل قائما حتى ولي اثنا عشر خليفة ، ثم وقع تخبيط بعدهم في زمان بني أمية ،  وقال آخرون : بل هذا الحديث فيه بشارة بوجود اثني عشر خليفة عادلا من قريش ،  وإن لم يوجدوا على الولاء ، وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة ، ثم كانت بعد ذلك خلفاء راشدون ، فمنهم  عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي ،  رضي الله عنه ، وقد نص على خلافته وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين غير واحد من الأئمة ، حتى قال  أحمد بن حنبل ،  رضي الله عنه : ليس قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز .  ومنهم من ذكر من هؤلاء  المهتدي بأمر الله العباسي ،  والمهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان منهم أيضا ، بالنص   [ ص: 155 ] على كونه من أهل البيت ، واسمه محمد بن عبد الله ،  وليس بالمنتظر في سرداب سامراء    ; فإن ذاك ليس بموجود بالكلية ، وإنما ينتظره الجهلة من الروافض . وقد تقدم في " الصحيحين " من حديث الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لقد هممت أن أدعو أباك وأخاك وأكتب كتابا; لئلا يقول قائل أو يتمنى متمن   " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : : " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر    " وهكذا وقع ، فإن الله ولاه ، وبايعه المؤمنون قاطبة ، كما تقدم . 
وفي " صحيح  البخاري    " أن امرأة قالت : يا رسول الله ، أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ - كأنها تعرض بالموت - فقال : " إن لم تجديني فأتيأبا بكر     " . 
وثبت في " الصحيحين " من حديث ابن عمر   وأبي هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بينا أنا نائم رأيتني على قليب ، فنزعت منها ما شاء الله ، ثم أخذها ابن أبي قحافة  فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين ، وفي نزعه ضعف والله يغفر له ، ثم أخذها ابن الخطاب  فاستحالت غربا ، فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه ، حتى ضرب الناس بعطن   " قال  الشافعي ،  رحمه الله : رؤيا الأنبياء وحي  ، وقوله : " وفي نزعه ضعف " . قصر مدته ، وعجلة موته ، واشتغاله بحرب أهل الردة  عن الفتح الذي ناله عمر بن الخطاب  في طول مدته . قلت : وهذا فيه البشارة   [ ص: 156 ] بولايتهما على الناس ، فوقع كما أخبر سواء ، ولهذا جاء في الحديث الآخر الذي رواه أحمد   والترمذي   وابن ماجه   وابن حبان ،  من حديث  ربعي بن حراش ،  عن حذيفة بن اليمان ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : اقتدوا باللذين من بعدي; أبي بكر  وعمر  ، رضي الله عنهما ، وقال الترمذي    : حسن . وأخرجه الترمذي  من حديث ابن مسعود ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم . وتقدم من طريق الزهري ،  عن رجل ، عن أبي ذر  حديث تسبيح الحصا في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يد أبي بكر ،  ثم عمر ،  ثم عثمان    . وقوله عليه الصلاة والسلام : " هذه خلافة النبوة . 
وفي الصحيح عن أبي موسى  قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا فدلى رجليه في القف ، فقلت : لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلست خلف الباب ، فجاء رجل فقال : افتح . فقلت : من أنت؟ قال : أبو بكر . فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " افتح له وبشره بالجنة " . ثم جاء عمر فقال كذلك ، ثم جاء عثمان فقال : " ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه " . فدخل وهو يقول : الله المستعان 
وثبت في " صحيح  البخاري    " من حديث  سعيد بن أبي عروبة ،  عن قتادة ،  عن أنس  قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا  ومعه أبو بكر  وعمر  وعثمان ،   [ ص: 157 ] فرجف بهم الجبل ، فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال : " اثبت أحد ،  فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان    " 
وقال عبد الرزاق    : أنا معمر ،  عن أبي حازم ،  عن سهل بن سعد ،  أن حراء  ارتج وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر  وعمر  وعثمان ،  فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اثبت ، ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان وقال معمر    : قد سمعت قتادة  يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . 
وقد روى مسلم  عن قتيبة ،  عن الداروردي  عن ، سهيل ،  عن أبيه ، عن  أبي هريرة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء  هو وأبو بكر  وعمر  وعثمان  وعلي  وطلحة  والزبير ،  فتحركت الصخرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :   " اهدأ ، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد   " . وهذا من دلائل النبوة; فإن هؤلاء كلهم أصابوا الشهادة ، واختص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مراتب الرسالة والنبوة ، واختص أبو بكر  بأعلى مقامات الصديقية وقد ثبت في الصحيح الشهادة للعشرة بالجنة بل لجميع من شهد بيعة الرضوان عام الحديبية .  وكانوا ألفا وأربعمائة ، وقيل : وثلاثمائة . وقيل : خمسمائة . فكلهم استمر على السداد والاستقامة حتى مات ، رضي الله عنهم أجمعين . وثبت في " صحيح  البخاري    " البشارة   [ ص: 158 ] لعكاشة  بأنه من أهل الجنة ، فقتل شهيدا يوم اليمامة    . 
وفي " الصحيحين " من حديث يونس ،  عن الزهري ،  عن سعيد ،  عن  أبي هريرة ،  أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفا بغير حساب ، تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر " . فقام  عكاشة بن محصن الأسدي   يجر نمرة عليه ، فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم اجعله منهم " . ثم قام رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : " سبقك بهاعكاشة    . وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة تفيد القطع ، وسنورده في باب صفة الجنة ، وسنذكر في قتال أهل الردة  أن طليحة الأسدي  قتل  عكاشة بن محصن  شهيدا ، رضي الله عنه ، ثم رجع طليحة الأسدي  عما كان يدعيه من النبوة وتاب إلى الله عز وجل ، وقدم على أبي بكر الصديق ،  رضي الله عنه ، واعتمر وحسن إسلامه . 
وقد ثبت في " الصحيحين " من حديث  أبي هريرة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " بينا أنا نائم رأيت كأنه وضع في يدي سواران ففظعتهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما ، فنفختهما فطارا ، فأولتهما كذابين يخرجان; صاحب صنعاء ،  وصاحب اليمامة     " وقد تقدم في الوفود أنه ، عليه الصلاة   [ ص: 159 ] والسلام ، قال لمسيلمة  حين قدم مع قومه وجعل يقول : إن جعل لي محمد  الأمر من بعده اتبعته ، فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : " والله لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه ، ولئن أدبرت ليعقرنك الله ، وإني لأراك الذي أريت فيه ما أريت "   . وهكذا وقع; عقره الله وأهانه وكسره وغلبه يوم اليمامة  ، كما قتل الأسود العنسي  بصنعاء ،  على ما سنورده ، إن شاء الله تعالى . 
وروى  البيهقي  من حديث  مبارك بن فضالة ،  عن الحسن ،  عن أنس  قال : لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسيلمة ،  فقال له مسيلمة    : أتشهد أني رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " آمنت بالله وبرسله " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هذا الرجل أخر لهلكة قومه   " 
وقد ثبت في الحديث الآخر أن مسيلمة  كتب بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم; من مسيلمة  رسول الله إلى محمد  رسول الله ، سلام عليك; أما بعد ، فإني قد أشركت في الأمر معك; فلك المدر ولي الوبر ، ولكن قريشا  قوم يعتدون . فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد  رسول الله إلى مسيلمة  الكذاب ، سلام على من اتبع الهدى; أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين  [ ص: 160 ] وقد جعل الله العاقبة لمحمد  صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، رضي الله عنهم; لأنهم هم المتقون ، وهم العادلون المؤمنون ، لا من عداهم . وقد وردت الأحاديث المروية من طرق عنه صلى الله عليه وسلم في الإخبار عن الردة التي وقعت في زمن الصديق ، فقاتلهم الصديق بالجنود المحمدية حتى رجعوا إلى دين الله أفواجا ، وعذب ماء الإيمان كما كان ، بعد ما صار أجاجا ، وقد قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين  الآية . [ المائدة : 54 ] . 
قال المفسرون هم أبو بكر  وأصحابه رضي الله عنهم . 
وثبت في " الصحيحين " من حديث عامر الشعبي ،  عن مسروق ،  عن عائشة  في قصة مسارة النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة  وإخباره إياها بأن جبريل  كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة ، " وأنه عارضني العام مرتين ، وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي فبكت ، ثم سارها فأخبرها بأنها سيدة نساء أهل الجنة ،  وأنها أول أهله لحوقا به ، فكان كما أخبر   . قال  البيهقي    : واختلفوا في مكث فاطمة  بعد رسول الله  صلى الله عليه وسلم فقيل : شهران . وقيل : ثلاثة . وقيل : ستة . وقيل : ثمانية . قال : وأصح الروايات رواية الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة  قالت : مكثت فاطمة  بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر . أخرجاه في الصحيحين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					