[ ص: 574 ] خلافة عمر بن الخطاب  ،  رضي الله عنه وأرضاه . 
كانت وفاة الصديق  ، رضي الله عنه ، في يوم الاثنين عشية . وقيل : بعد المغرب    . ودفن من ليلته ، وذلك لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ، بعد مرض خمسة عشر يوما . وكان عمر بن الخطاب  يصلي عنه فيها بالمسلمين ، وفي أثناء هذا المرض عهد بالأمر من بعده إلى عمر بن الخطاب   ، وكان الذي كتب العهد عثمان بن عفان  ،  وقرئ على المسلمين فأقروا به وسمعوا له وأطاعوا ، فكانت خلافة الصديق سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام    . وقيل : وعشرين يوما . وقيل : سنتين وأربعة أشهر . وكان عمره يوم توفي ثلاثا وستين سنة ، للسن الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد جمع الله بينهما في التربة كما جمع بينهما في الحياة ، فرضي الله عنه وأرضاه . 
قال محمد بن سعد  ، عن أبي قطن عمرو بن الهيثم  ، عن الربيع  ، عن حبان الصائغ  قال : كان نقش خاتم أبي بكر    : نعم القادر الله . وهذا غريب ، وقد ذكرنا ترجمة الصديق  ، رضي الله عنه ، وسيرته وأيامه ، وما روى من الأحاديث ، وما روي عنه من الأحكام ، في مجلد ، ولله الحمد والمنة . 
 [ ص: 575 ] فقام بالأمر من بعده أتم القيام الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  ، رضي الله عنه ، وهو أول من سمي بأمير المؤمنين  ، وكان أول من حياه بها المغيرة بن شعبة  ، وقيل : غيره . كما بسطنا ذلك في ترجمة عمر بن الخطاب  وسيرته التي أفردناها في مجلد ، ومسنده والآثار المروية ، مرتبا على الأبواب في مجلد آخر ، ولله الحمد . 
وقد كتب بوفاة الصديق  إلى أمراء الشام  مع شداد بن أوس  ، ومحمية بن جزء  ، فوصلا والناس مصافون جيوش الروم  يوم اليرموك  ، كما قدمنا ، وقد أمر عمر  على الجيوش أبا عبيدة  ، وعزل خالد بن الوليد    . 
وذكر سلمة ، عن محمد بن إسحاق  ، أن عمر  إنما عزل خالدا  لكلام بلغه عنه ، ولما كان من أمر مالك بن نويرة  ، وما كان يعتمده في حربه ، فلما ولي عمر  كان أول ما تكلم به أن عزل خالدا  ، وقال : لا يلي لي عملا أبدا . وكتب عمر  إلى أبي عبيدة    : إن أكذب خالد  نفسه فهو أمير على ما كان عليه ، وإن لم يكذب نفسه فهو معزول ، فانزع عمامته عن رأسه وقاسمه ماله نصفين . فلما قال أبو عبيدة  ذلك لخالد  قال له خالد    : أمهلني حتى أستشير أختي ، فذهب إلى أخته فاطمة ،  وكانت تحت الحارث بن هشام  ، فاستشارها في ذلك فقالت له : إن عمر  لا يحبك أبدا ، وإنه سيعزلك وإن أكذبت نفسك . فقال لها : صدقت والله . فقاسمه أبو عبيدة  حتى أخذ إحدى نعليه وترك له الآخر ، وخالد  يقول :   [ ص: 576 ] سمعا وطاعة لأمير المؤمنين . 
وقد روى ابن جرير  ، عن صالح بن كيسان  أنه قال : كان أول كتاب كتبه عمر  إلى أبي عبيدة  حين ولاه وعزل خالدا  ، أن قال : وأوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه ، الذي هدانا من الضلالة ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد  ، فقم بأمرهم الذي يحق عليك ، لا تقدم المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة ، ولا تنزلهم منزلا قبل أن تستريده لهم ، وتعلم كيف مأتاه ، ولا تبعث سرية إلا في كثف من الناس ، وإياك وإلقاء المسلمين في الهلكة ، وقد أبلاك الله بي وأبلاني بك ، فغض بصرك عن الدنيا ، وأله قلبك عنها ، وإياك أن تهلكك كما أهلكت من كان قبلك ، فقد رأيت مصارعهم . وأمرهم بالمسير إلى دمشق  ، وذلك بعدما بلغه الخبر بفتح اليرموك وجاءته به البشارة ، وحمل الخمس إليه . 
وقد ذكر ابن إسحاق أن الصحابة قاتلوا بعد  اليرموك بأجنادين ، ثم بفحل  من أرض الغور  قريبا من بيسان  بمكان يقال له : الردغة    . سمي بذلك لكثرة ما لقوا من الأوحال فيها ، ثم لما فرت الروم  من هذه الوقعة ألجأوهم إلى دمشق  ، فقصدوهم فيها فأغلقوها عليهم ، وأحاط بها الصحابة . قال : وحينئذ جاءت الإمارة لأبي عبيدة من جهة عمر  ، وعزل خالد    . وهذا الذي ذكره ابن إسحاق   [ ص: 577 ] من مجيء الإمارة لأبي عبيدة  في حصار دمشق  هو المشهور . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					