[ ص: 650 ] وقعة قنسرين    . 
لما فتح أبو عبيدة  حمص  بعث خالد بن الوليد  إلى قنسرين  ، فلما جاءها ثار إليه أهلها ومن عندهم من نصارى العرب ، فقاتلهم خالد  فيها قتالا شديدا ، وقتل منهم خلقا كثيرا ، فأما من هناك من الروم  فأبادهم ، وقتل أميرهم ميناس  ، وأما الأعراب فإنهم اعتذروا إليه بأن هذا القتال لم يكن عن رأينا ، فقبل منهم خالد  وكف عنهم ، ثم خلص إلى البلد فتحصنوا فيه ، فقال لهم خالد :  إنكم لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا . ولم يزل بهم حتى فتحها الله عليه ، ولله الحمد . فلما بلغ عمر  ما صنعه خالد  في هذه الوقعة قال : يرحم الله أبا بكر  كان أعلم بالرجال مني ، والله إني لم أعزله عن ريبة ، ولكن خشيت أن يوكل الناس إليه . 
وفي هذه السنة تقهقر هرقل  بجنوده ، وارتحل عن بلاد الشام  إلى بلاد الروم    . هكذا ذكره ابن جرير  عن محمد بن إسحاق    . قال : وقال سيف :  كان ذلك في سنة ست عشرة قالوا : وكان هرقل  كلما حج إلى بيت المقدس  ، وخرج منها يقول : عليك السلام يا سورية  تسليم مودع لم يقض منك وطره وهو عائد . فلما عزم على الرحيل من الشام  وبلغ الرهاء  ، طلب من أهلها أن يصحبوه إلى الروم ،  فقالوا : إن بقاءنا ها هنا أنفع لك من رحيلنا معك . فتركهم ، فلما وصل   [ ص: 651 ] إلى شمشاط  وعلا على شرف هنالك ، التفت إلى نحو بيت المقدس  ، وقال : عليك السلام يا سورية  سلاما لا اجتماع بعده ، إلا أن أسلم عليك تسليم المفارق ، ولا يعود إليك رومي أبدا إلا خائفا حتى يولد المولود المشئوم ، ويا ليته لم يولد ، ما أحلى فعله ، وأمر عاقبته على الروم    ! ثم سار هرقل  حتى نزل القسطنطينية  ، واستقر بها ملكه ، وقد سأل رجلا ممن اتبعه كان قد أسر مع المسلمين ، فقال : أخبرني عن هؤلاء القوم . فقال : أخبرك كأنك تنظر إليهم ; هم فرسان بالنهار ، رهبان بالليل ، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن ، ولا يدخلون إلا بسلام ، يقفون على من حاربوه حتى يأتوا عليه . فقال : لئن كنت صدقتني ليملكن موضع قدمي هاتين . 
قلت : وقد حاصر المسلمون قسطنطينية  في زمان بني أمية ،   فلم يملكوها ولكن سيملكها المسلمون في آخر الزمان ، كما سنبينه في كتاب الملاحم ، وذلك قبل خروج الدجال بقليل على ما صحت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في " صحيح مسلم "  وغيره من الأئمة ، ولله الحمد والمنة . 
وقد حرم الله على الروم  أن يملكوا بلاد الشام   برمتها إلى آخر الدهر ، كما ثبت به الحديث في " الصحيحين " عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل   . وقد وقع ما   [ ص: 652 ] أخبر به ، صلوات الله وسلامه عليه ، كما رأيت ، وسيكون ما أخبر به جزما ، لا يعود ملك القياصرة إلى الشام  أبدا ; لأن قيصر علم جنس عند العرب يطلق على كل من ملك الشام  مع بلاد الروم    . فهذا لا يعود لهم أبدا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					