[ ص: 592 ] ولنذكر الآن ما ورد فيهم من الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، 
الحديث الأول عن علي ،  رضي الله عنه ، رواه عنه  زيد بن وهب ،   وسويد بن غفلة ،   وطارق بن زياد ،   وعبد الله بن شداد ،  وعبيد الله بن أبي رافع ،   وعبيدة بن عمرو السلماني ،  وكليب أبو عاصم ،  وأبو كثير ،  وأبو مريم ،  وأبو موسى ،   وأبو وائل ،  وأبو الوضيء ،  فهذه اثنا عشرة طريقا إليه ، ستراها بأسانيدها وألفاظها ، ومثل هذا يبلغ حد التواتر . 
الطريق الأولى : قال  عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل    : ثنا أبو يوسف ،  أنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية ،  عن عبد الملك بن أبي سليمان ،  عن سلمة بن كهيل ،  عن  زيد بن وهب  قال : لما خرجت الخوارج  بالنهروان ،   قام علي  في أصحابه فقال : إن هؤلاء القوم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا على سرح الناس ، وهم أقرب العدو إليكم ، فإن تسيروا إلى عدوكم ، فإنا نخاف أن يخلفكم هؤلاء في أعقابكم ، إني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : تخرج خارجة من أمتي ليس صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ، ولا قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ، يقرأون   [ ص: 593 ] القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم ، لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية . وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد وليس لها ذراع ، عليها مثل حلمة الثدي ، عليها شعرات بيض ، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما لهم على لسان نبيهم لاتكلوا على العمل ، فسيروا على اسم الله   . وذكر الحديث بطوله . هكذا رواه عبد الله بن أحمد  إلى هنا . 
قال مسلم بن الحجاج  في " صحيحه " : حدثنا عبد بن حميد ،  ثنا  عبد الرزاق بن همام ،  ثنا عبد الملك بن أبي سليمان ،  ثنا سلمة بن كهيل ،  حدثني  زيد بن وهب الجهني ،  أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي ،  رضي الله عنه ، الذين ساروا إلى الخوارج ،  فقال علي ،  رضي الله عنه : يا أيها الناس ، إني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية   . لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم ، صلى الله عليه وسلم ، لاتكلوا على العمل ، وآية   [ ص: 594 ] ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع ، على رأس عضده مثل حلمة الثدي ، عليه شعرات بيض ، فتذهبون إلى معاوية  وأهل الشام  وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم ، والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا في سرح الناس ، فسيروا على اسم الله   . 
قال سلمة    : فنزلني  زيد بن وهب  منزلا منزلا ، حتى قال : مررنا على قنطرة . فلما التقينا ، وعلى الخوارج  يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي ،  فقال لهم : ألقوا الرماح ، وسلوا سيوفكم من جفونها ، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء    . فرجعوا فوحشوا برماحهم ، وسلوا السيوف ، فشجرهم الناس برماحهم . قال : وقتل بعضهم على بعض ، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان ، قال علي ،  رضي الله عنه : التمسوا فيهم المخدج . فالتمسوه فلم يجدوه ، فقام علي ،  رضي الله عنه ، بنفسه حتى أتى ناسا   [ ص: 595 ] قد قتل بعضهم على بعض ، فقال : أخروهم . فوجدوه مما يلي الأرض ، فكبر ، قال : صدق الله ، وبلغ رسوله . قال : فقام إليه عبيدة السلماني  فقال : يا أمير المؤمنين ، آلله الذي لا إله إلا هو ، لسمعت هذا من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : إي والله الذي لا إله إلا هو ، فاستحلفه ثلاثا ، وهو يحلف له   . هذا لفظ مسلم    . وقد رواه أبو داود ،  عن الحسن بن علي الخلال ،  عن عبد الرزاق ،  بنحوه . 
طريق أخرى عن علي    : قال  الإمام أحمد    : حدثنا  وكيع ،  ثنا الأعمش  وعبد الرحمن ،  عن سفيان ،  عن الأعمش ،  عن  خيثمة ،  عن  سويد بن غفلة  قال : قال علي ،  رضي الله عنه ، إذا حدثتكم عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه ، وإذا حدثتكم فيما بينى وبينكم فإن الحرب خدعة ، سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يخرج قوم في آخر الزمان   [ ص: 596 ] أحداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من قول خير البرية ، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، قال عبد الرحمن    : لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم ; فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله ، عز وجل ، يوم القيامة   . وأخرجاه في " الصحيحين " من طرق ، عن الأعمش  به . 
طريق أخرى : قال  الإمام أحمد    : حدثنا أبو نعيم ،  وحدثنا الوليد بن القاسم الهمداني ،  ثنا إسرائيل ،  عن إبراهيم بن عبد الأعلى ،  عن طارق بن زياد  قال : سار علي  إلى النهروان    - قال الوليد  في روايته : وخرجنا معه - فقتل الخوارج ،  فقال : اطلبوا المخدج ; فإن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : سيجيء قوم يتكلمون بكلمة الحق لا تجاوز حلوقهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، سيماهم ، أو فيهم ، رجل أسود مخدج اليد ، في يده شعرات سود . إن كان فيهم فقد قتلتم شر الناس ، وإن لم يكن فيهم فقد قتلتم خير الناس   . قال الوليد  في روايته : فبكينا . قال : ثم إنا وجدنا المخدج . قال : فخررنا سجودا ، وخر علي  ساجدا معنا   . تفرد به أحمد  من هذا الوجه . 
 [ ص: 597 ] طريق أخرى : رواه  عبد الله بن شداد ،  عن علي ،  كما تقدم قريبا إيراده بطوله . 
طريق أخرى : عن علي ،  رضي الله عنه : قال مسلم    : حدثني أبو الطاهر   ويونس بن عبد الأعلى ،  قالا : أنا  عبد الله بن وهب ،  أخبرني عمرو بن الحارث ،  عن بكير بن الأشج ،  عن بشر بن سعيد ،  عن عبيد الله بن أبي رافع ;  مولى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أن الحرورية  لما خرجت ، وهو مع علي بن أبي طالب  ، رضي الله عنه ، قالوا : لا حكم إلا لله . قال علي    : كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله ، صلى الله وعليه وسلم ، وصف ناسا ، إني لأعرف صفتهم في هؤلاء " يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم ، وأشار إلى حلقه ، من أبغض خلق الله إليه ، منهم أسود إحدى يديه طبي شاة ، أو حلمة ثدي   " . فلما قتلهم علي بن أبي طالب  ، رضي الله عنه ، قال : انظروا . فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال : ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كذبت . مرتين أو ثلاثا ، ثم وجدوه في خربة ، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه ، قال عبيد الله    : وأنا حاضر ذلك من أمرهم ،   [ ص: 598 ] وقول علي  فيهم   . زاد يونس  في روايته : قال بكير    : وحدثني رجل ، عن ابن حنين ،  أنه قال : رأيت ذلك الأسود . تفرد به مسلم    . 
طريق أخرى : قال أحمد    : حدثنا إسماعيل ،  ثنا أيوب ،  عن محمد ،  عن عبيدة ،  عن علي  قال : ذكر الخوارج ،  فقال : فيهم مخدج اليد ، أو مثدون اليد ، أو قال : مودن اليد ، لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد ،  صلى الله عليه وسلم . قال عبيدة : قلت : أنت سمعته من محمد ،  صلى الله عليه وسلم . قال : إي ورب الكعبة ،  إي ورب الكعبة ،  إي ورب الكعبة    . 
وقال أحمد    : ثنا  وكيع ،  ثنا جرير بن حازم   وأبو عمرو بن العلاء ،  عن ابن سيرين ،  سمعاه عن عبيدة ،  عن علي  قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : يخرج قوم فيهم رجل مودن اليد ، أو مثدون اليد ، أو مخدج اليد ، ولولا أن تبطروا لأنبأتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان نبيه ، صلى الله عليه وسلم . قال عبيدة    : قلت لعلي    : أنت سمعته من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إي ورب الكعبة  إي ورب الكعبة ،  إي ورب الكعبة    . 
وقال أحمد    : ثنا يزيد ،  ثنا هشام ،  عن محمد ،  عن عبيدة  قال : قال علي   [ ص: 599 ] لأهل النهروان    : فيهم رجل مثدون اليد ، أو مودن اليد ، أو مخدج اليد ، ولولا أن تبطروا لأخبرتكم ما قضى الله على لسان نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، لمن قتلهم . قال عبيدة    : فقلت لعلي    : أنت سمعته ؟ قال : إي ورب الكعبة    . يحلف عليها ثلاثا   . 
وقال أحمد    : ثنا ابن أبي عدي ،  عن ابن عون ،  عن محمد  قال : قال عبيدة    : لا أحدثك إلا ما سمعت منه . قال محمد    : فحلف لنا عبيدة  ثلاث مرات ، وحلف له علي ،  قال : قال : لولا أن تبطروا لأنبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد ،  صلى الله عليه وسلم . قال : قلت : أنت سمعته ؟ قال : إي ورب الكعبة ،  إي ورب الكعبة ،  إي ورب الكعبة ،  فيهم رجل مخدج اليد ، أو مثدون اليد ، أحسبه قال : أو مودن اليد   . 
وقد رواه مسلم ،  من حديث إسماعيل بن علية ،   وحماد بن زيد ،  كلاهما عن أيوب ،  وعن  محمد بن المثنى ،  عن ابن أبي عدي ،  عن ابن عون ،  كلاهما عن  محمد بن سيرين ،  عن عبيدة ،  عن علي    . 
وقد ذكرناه من طرق متعددة تفيد القطع عند كثيرين ، عن محمد بن   [ ص: 600 ] سيرين ،  وقد حلف أنه سمعه من عبيدة ،  وحلف عبيدة  أنه سمعه من علي ،  وحلف علي  أنه سمعه من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وقد قال علي    : لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أكذب على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم   . 
طريق أخرى : قال  عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل    : حدثني إسماعيل أبو معمر ،  ثنا عبد الله بن إدريس ،  ثنا عاصم بن كليب ،  عن أبيه قال : كنت جالسا عند علي ،  إذ دخل رجل عليه ثياب السفر ، فاستأذن على علي  وهو يكلم الناس ، فشغل عنه فقال علي    : إني دخلت على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وعنده عائشة  فقال لي : " كيف أنت وقوم كذا وكذا ؟ " . فقلت : الله ورسوله أعلم . قال : فقال : " قوم يخرجون من قبل المشرق ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فيهم رجل مخدج اليد ، كأن يده ثدي حبشية "   . أنشدكم بالله ، هل أخبرتكم أنه فيهم ؟ فذكر الحديث بطوله . 
ثم رواه عبد الله بن أحمد ،  عن  أبي خيثمة زهير بن حرب ،  عن القاسم بن مالك ،  عن عاصم بن كليب ،  عن أبيه ، عن علي  فذكر نحوه ، وإسناده   [ ص: 601 ] جيد ، ولم يخرجوه . 
طريق أخرى : قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي    : أخبرنا أبو القاسم الأزهري ،  أنا علي بن عبد الرحمن البكائي ،  أنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ،  أنا  يحيى بن عبد الحميد الحماني ،  أنا  خالد بن عبد الله ،  عن عطاء بن السائب ،  عن ميسرة  قال : قال أبو جحيفة    : قال علي  حين فرغنا من الحرورية    : إن فيهم رجلا مخدجا ليس في عضده عظم ، ثم عضده كحلمة الثدي ; عليها شعرات - طوال عقف . فالتمسوه فلم يجدوه ، قال : فما رأيت عليا  جزع جزعا أشد من جزعه يومئذ . فقالوا : ما نجده يا أمير المؤمنين . فقال : ويلكم ، ما اسم هذا المكان ؟ قالوا :النهروان    . قال : كذبتم إنه لفيهم . فثورنا القتلى فلم نجده ، فعدنا إليه ، فقلنا : يا أمير المؤمنين ، ما وجدناه . قال : ما اسم هذا المكان ؟ قلنا : النهروان    . قال : صدق الله ورسوله وكذبتم ، إنه لفيهم ، فالتمسوه . فالتمسناه فوجدناه في ساقية ، فجئنا به فنظرت إلى عضده ; ليس فيها عظم ، وعليها كحلمة ثدي المرأة ، عليها شعرات طوال عقف   . 
طريق أخرى : قال  الإمام أحمد    : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ،  ثنا   [ ص: 602 ] إسماعيل بن مسلم العبدي ،  ثنا أبو كثير مولى الأنصار  قال : كنت مع سيدي مع علي بن أبي طالب  حيث قتل أهل النهروان ،  فكأن الناس وجدوا في أنفسهم من قتلهم ، فقال علي    : يا أيها الناس ، إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قد حدثنا بأقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يرجعون فيه أبدا ، حتى يرجع السهم على فوقه ، وإن آية ذلك أن فيهم رجلا أسود مخدج اليد ، إحدى يديه كثدي المرأة ، لها حلمة كحلمة ثدي المرأة ، حوله سبع هلبات ، فالتمسوه فإني أراه فيهم . فالتمسوه ، فوجدوه إلى شفير النهر تحت القتلى ، فأخرجوه فكبر علي ،  فقال : الله أكبر صدق الله ورسوله . وإنه لمتقلد قوسا له عربية ، فأخذها بيده ، فجعل يطعن بها في مخدجته ويقول : صدق الله ورسوله . وكبر الناس حين رأوه واستبشروا ، وذهب عنهم ما كانوا يجدون   . تفرد به أحمد    . 
طريق أخرى : قال عبد الله بن أحمد    : حدثنا أبو خيثمة ،  ثنا شبابة بن سوار ،  حدثني نعيم بن حكيم ،  حدثني أبو مريم ،  ثنا علي بن أبي طالب  أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إن قوما يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، علامتهم رجل مخدج اليد   . 
وقال أبو داود  في " سننه " : حدثنا بشر بن خالد ،  ثنا شبابة بن سوار ،  عن   [ ص: 603 ] نعيم بن حكيم ،  عن أبي مريم  قال : إن كان ذاك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد ، نجالسه بالليل والنهار ، وكان فقيرا ، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي  مع الناس ، وقد كسوته برنسا لي . قال أبو مريم    : وكان المخدج يسمى نافعا ذا الثدية ، وكان في يده مثل ثدي المرأة ، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي ، عليه شعرات مثل سبالة السنور   . 
طريق أخرى : قال  الحافظ أبو بكر البيهقي  في " الدلائل " : أخبرنا أبو علي الروذباري ،  أنا أبو محمد عبد الله بن عمرو بن شوذب  المقرئ الواسطي بها ، ثنا شعيب بن أيوب ،  ثنا  أبو نعيم - الفضل بن دكين -  عن سفيان ;  هو الثوري ،  عن محمد بن قيس ،  عن أبي موسى ;  رجل من قومه ، قال : كنت مع علي  فجعل يقول : التمسوا المخدج ، فالتمسوه فلم يجدوه . قال : فأخذ يعرق ويقول : والله ما كذبت ولا كذبت . فوجدوه في نهر أو دالية ، فسجد   . 
طريق أخرى : قال  أبو بكر البزار    : حدثني  محمد بن مثنى ،  ومحمد بن   [ ص: 604 ] معمر ،  ثنا عبد الصمد ،  ثنا سويد بن عبيد العجلي ،  ثنا أبو مؤمن ،  قال : شهدت علي بن أبي طالب  يوم قتل الحرورية  وأنا مع مولاي ، فقال : انظروا فإن فيهم رجلا إحدى يديه مثل ثدي المرأة ، وأخبرني النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أني صاحبه . فقلبوا القتلى فلم يجدوه ، وقالوا : سبعة نفر تحت النخلة لم نقلبهم بعد . فقال : ويلكم انظروا . قال أبو مؤمن    : فرأيت في رجليه حبلين يجرونه بهما حتى ألقوه بين يديه ، فخر علي  ساجدا وقال : أبشروا ، قتلاكم في الجنة ، وقتلاهم في النار   . ثم قال البزار    : لا نعلم روى أبو مؤمن  عن علي  غير هذا الحديث . 
طريق أخرى : قال البزار    : حدثنا يوسف بن موسى ،  ثنا إسحاق بن سليمان الرازي ،  سمعت أبا سنان ،  عن حبيب بن أبي ثابت  قال : قلت  لشقيق بن سلمة - يعني أبا وائل    : حدثني عن ذي الثدية    . قال : لما قاتلناهم قال علي    : اطلبوا رجلا علامته كذا وكذا . فطلبناه فلم نجده ، فبكى علي  وقال : اطلبوه ، فوالله ما كذبت ولا كذبت . قال : فطلبناه فلم نجده ، فبكى وقال : اطلبوه فوالله ما كذبت ولا كذبت . قال : فطلبناه فلم نجده قال : وركب بغلته الشهباء ، فطلبناه فوجدناه تحت بردي ، فلما رآه سجد   . ثم قال البزار    : لا نعلم روى   [ ص: 605 ] حبيب  عن شقيق ،  عن علي  إلا هذا الحديث . 
طريق أخرى : قال عبد الله بن أحمد    : حدثني عبيد الله بن عمر القواريري ،  ثنا حماد بن زيد ،  ثنا جميل بن مرة ،  عن أبي الوضيء  قال : شهدت عليا  حيث قتل أهل النهروان ،  قال : التمسوا المخدج . فطلبوه في القتلى ، فقالوا : ليس نجده . فقال : ارجعوا فالتمسوه ، فوالله ما كذبت ولا كذبت . فرجعوا فطلبوه ، فردد ذلك مرارا ، كل ذلك يحلف بالله : ما كذبت ولا كذبت . فانطلقوا فوجدوه تحت القتلى في طين ، فاستخرجوه ، فجيء به ، فقال أبو الوضيء    : فكأني أنظر إليه : حبشي عليه ثدي قد طبق إحدى يديه مثل ثدي المرأة ، عليها شعرات مثل شعرات تكون على ذنب اليربوع   . 
وقد رواه أبو داود ،  عن محمد بن عبيد بن حساب ،  عن حماد بن زيد ،  ثنا جميل بن مرة ،  ثنا أبو الوضيء ،  واسمه عباد بن نسيب ،  ولكنه اختصره . 
وقال عبد الله بن أحمد  أيضا : حدثنا  حجاج بن يوسف الشاعر ،  حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث ،  ثنا يزيد بن أبي صالح ،  أن أبا الوضيء  عبادا حدثه   [ ص: 606 ] أنه قال : كنا عامدين إلى الكوفة  مع علي بن أبي طالب ،  فلما بلغنا مسيرة ليلتين أو ثلاث من حروراء ،  شذ منا ناس كثير ، فذكرنا ذلك لعلي  فقال : لا يهولنكم أمرهم ، فإنهم سيرجعون . فذكر الحديث بطوله قال : فحمد الله علي بن أبي طالب  وقال : إن خليلي أخبرني أن قائد هؤلاء رجل مخدج اليد ، على حلمة ثديه شعرات كأنهن ذنب اليربوع . فالتمسوه فلم يجدوه ، فأتيناه فقلنا : إنا لم نجده فقال : فالتمسوه ، فوالله ما كذبت ولا كذبت - ثلاثا . فقلنا : لم نجده . فجاء علي  بنفسه ، فجعل يقول : اقلبوا ذا ، اقلبوا ذا ، حتى جاء رجل من أهل الكوفة  فقال : هو ذا . فقال علي    : الله أكبر ، لا يأتيكم أحد يخبركم من أبوه ؟ فجعل الناس يقولون : هذا مالك ،  هذا مالك    . فيقول علي    . ابن من هو ؟ 
وقال عبد الله بن أحمد  أيضا : حدثني حجاج بن الشاعر  حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث ،  ثنا يزيد بن أبي صالح ،  أن أبا الوضيء عبادا  حدثه قال أنه قال : كنا عامدين إلى الكوفة  مع علي ،  فذكر حديث المخدج ، قال علي    : فوالله ما كذبت ولا كذبت - ثلاثا - . ثم قال علي    : أما إن خليلي أخبرني بثلاثة إخوة من الجن ، هذا أكبرهم ، والثاني له جمع كثير ، والثالث فيه   [ ص: 607 ] ضعف   . وهذا السياق فيه غرابة شديدة جدا . وقد يمكن أن يكون ذو الثدية من الجن ، بل هو من الشياطين ; إما شياطين الإنس ، أو شياطين الجن . إن صح هذا السياق . والله تعالى أعلم . 
والمقصود أن هذه طرق متواترة عن علي إذ قد روي من طرق متعددة ، عن جماعة متباينة لا يمكن تواطؤهم على الكذب ، فأصل القصة محفوظ - وإن كان بعض الألفاظ وقع فيها اختلاف بين الرواة ، ولكن معناها وأصلها الذي تواطأت الروايات عليه صحيح لا يشك فيه - عن علي أنه رواه عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أنه أخبره عن صفة الخوارج ،  وصفة ذي الثدية الذي هو علامة عليهم . 
وقد روي ذلك من طريق جماعة من الصحابة غير علي كما ستراها بأسانيدها وألفاظها ، إن شاء الله تعالى ، وبالله المستعان . 
فقد رواه جماعة من الصحابة ; منهم أنس بن مالك ،   وجابر بن عبد الله ،   ورافع بن عمرو الغفاري ،   وسعد بن أبي وقاص ،    وأبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الأنصاري ،   وسهل بن حنيف ،   وعبد الله بن عباس ،   وعبد الله بن عمر ،   وعبد الله بن عمرو ،   وعبد الله بن مسعود ،  وأبو ذر ،   وعائشة    - أم المؤمنين -   [ ص: 608 ] رضي الله عنهم أجمعين . 
وقد قدمنا حديث علي  بطرقه ; لأنه أحد الخلفاء الأربعة ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد أصحاب الشورى ، وصاحب القصة ، ولنذكر بعده حديث ابن مسعود ;  لتقدم وفاته على وقعة الخوارج    . 
الحديث الثاني عن ابن مسعود ،  رضي الله عنه 
قال  الإمام أحمد    : حدثنا يحيى بن أبي بكير ،  ثنا أبو بكر بن عياش ،  عن عاصم ،  عن زر ،  عن عبد الله  قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : يخرج قوم في آخر الزمان ، سفهاء الأحلام ، أحداث - أو قال : حدثاء - الأسنان ، يقولون من خير قول الناس ، يقرأون القرآن بألسنتهم ، لا يعدو تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، فمن أدركهم فليقتلهم ، فإن في قتلهم أجرا عظيما عند الله لمن قتلهم   . 
وقد رواه الترمذي  عن أبي كريب ،  وأخرجه ابن ماجه ،  عن أبي بكر بن أبي شيبة ،  وعبد الله بن عامر بن زرارة ،  ثلاثتهم عن  أبي بكر بن عياش  به ، وقال الترمذي    : هذا حديث حسن صحيح . 
ابن مسعود  مات قبل ظهور الخوارج  بنحو من خمس سنين ، فحديثه   [ ص: 609 ] في ذلك من أقوى الاعتضاد . 
الحديث الثالث عن أنس بن مالك    : قال  الإمام أحمد    : حدثنا إسماعيل ،  ثنا سليمان التيمي ،  ثنا أنس  قال : ذكر لي أن نبي الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال - ولم أسمعه منه - : إن فيكم قوما يتعبدون ، ويدأبون حتى يعجبوا الناس وتعجبهم أنفسهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية   . 
طريق أخرى : قال  الإمام أحمد    : حدثنا أبو المغيرة ،  ثنا الأوزاعي ،  حدثني قتادة ،  عن أنس بن مالك ،  وأبي سعيد ،  قال أحمد    : وقد حدثناه أبو المغيرة ،  فقال : عن أنس ،  عن أبي سعيد ،  ثم رجع ، أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال :   " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ; قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه ، هم شر الخلق والخليقة ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ، من قاتلهم كان أولى بالله منهم " . قالوا : يا رسول الله ، ما   [ ص: 610 ] سيماهم ؟ قال : " التحليق "  
وقد رواه أبو داود  في " سننه " ، عن نصر بن عاصم الأنطاكي ،  عن  الوليد بن مسلم ،   ومبشر بن إسماعيل الحلبي ،  كلاهما عن الأوزاعي ،  عن قتادة ،  عن أبي سعيد ،  وأنس  به ، وأخرجه أبو داود ،   وابن ماجه ،  من حديث عبد الرزاق ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  عن أنس  وحده . 
وقد روى البزار  من طريق أبي سفيان ،  وأبو يعلى  من طريق يزيد الرقاشي ،  كلاهما عن أنس بن مالك ،  حديثا في الخوارج ،  قريبا من حديث أبي سعيد ،  كما سيأتي قريبا من حديث أبي سعيد .  إن شاء الله تعالى . 
الحديث الرابع عن  جابر بن عبد الله ،  رضي الله عنه : قال  الإمام أحمد    : حدثنا حسن بن موسى ،  ثنا أبو شهاب ،  عن يحيى بن سعيد ،  عن  أبي الزبير ،  عن  جابر بن عبد الله  قال : كنت مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عام الجعرانة  وهو يقسم فضة في ثوب بلال  للناس ، فقال رجل : يا رسول الله اعدل . فقال : " ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل ؟ ! لقد خبت إن لم أكن أعدل " . فقال : عمر    : يا رسول الله ، دعني أقتل هذا المنافق . فقال : " معاذ الله أن يتحدث الناس أني   [ ص: 611 ] أقتل أصحابي ، إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، أو تراقيهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية "   . 
وقال أحمد    : حدثنا  علي بن عياش ،  ثنا إسماعيل بن عياش ،  حدثني يحيى بن سعيد ،  أخبرني أبو الزبير ،  قال : سمعت جابرا  يقول : بصر عيني وسمع أذني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بالجعرانة  وفي ثوب بلال  فضة ، ورسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقبضها للناس يعطيهم ، فقال رجل : اعدل . فقال : " ويلك ، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ ! " . فقال عمر بن الخطاب    : يا رسول الله ، دعني أقتل هذا المنافق الخبيث . فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " معاذ الله ، أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ، إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية "   . 
ثم رواه أحمد ،  عن أبي المغيرة ،  عن معان بن رفاعة ،  ثنا أبو الزبير ،  عن  جابر بن عبد الله  قال : لما قسم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، غنائم هوازن  بالجعرانة ،  قام رجل من بني تميم  فقال : اعدل يا محمد    . فقال : " ويلك ! ومن يعدل إن لم أعدل ! لقد خبت وخسرت إن لم أعدل " . قال : فقال عمر    : يا رسول الله   [ ص: 612 ] ألا أقوم فأقتل هذا المنافق ؟ قال : " معاذ الله ، أن يتسامع الأمم أن محمدا  يقتل أصحابه " . ثم قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن هذا وأصحابا له يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق المرماة من الرمية " . قال معان    : فقال لي أبو الزبير    : فعرضت هذا الحديث على الزهري  فما خالفني ، إلا أنه قال : النضي . وقلت : القدح . فقال : ألست رجلا عربيا ؟ . 
وقد رواه مسلم  عن  محمد بن رمح ،  عن الليث ،  وعن  محمد بن المثنى ،  عن عبد الوهاب الثقفي  وأخرجه  النسائي  من حديث الليث ،   ومالك بن أنس ،  كلهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري ،  به بنحوه . 
حديث رافع بن عمرو الغفاري ،  سيأتي مع حديث  أبي ذر الغفاري ،  رضي الله عنهما . 
الحديث الخامس عن  سعد بن مالك بن أهيب الزهري  وهو سعد بن   [ ص: 613 ] أبي وقاص ،  رضي الله عنه ، قال : يعقوب بن سفيان    : حدثنا  الحميدي ،  ثنا  سفيان ; هو ابن عيينة ،  حدثني العلاء بن أبي عياش ،  أنه سمع أبا الطفيل  يحدث عن بكر بن قرواش ،  عن  سعد بن أبي وقاص  قال : ذكر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذا الثدية فقال : شيطان الردهة ، كراعي الخيل يحتدره رجل من بجيلة ;  يقال له : الأشهب أو ابن الأشهب ،  علامة في قوم ظلمة   . قال سفيان    : فأخبرني  عمار الدهني ،  أنه جاء به رجل يقال له : الأشهب ، أو ابن الأشهب    . 
وقد روى هذا الحديث  الإمام أحمد ،  عن سفيان بن عيينة ،  به مختصرا ، ولفظه : " شيطان الردهة يحتدره " . يعني رجلا من بجيلة    . انفرد به   [ ص: 614 ] أحمد    . وحكى  البخاري ،  عن  علي بن المديني  قال : لم أسمع بذكر بكر بن قرواش  إلا في هذا الحديث . 
وروى يعقوب بن سفيان ،  عن عبيد الله بن معاذ ،  عن أبيه عن شعبة ،  عن أبي إسحاق  ، عن حامد الهمداني  قال : سمعت  سعد بن أبي وقاص  يقول : قتل علي  شيطان الردهة . قال  الحافظ أبو بكر البيهقي    : يريد ، والله أعلم ، قتله أصحاب علي  بأمره . وقال الهيثم بن عدي  حدثنا  إسرائيل بن يونس ،  عن جده أبي إسحاق  السبيعي عن رجل قال : بلغ  سعد بن أبي وقاص  أن علي بن أبي طالب  قتل الخوارج ،  فقال : قتل علي بن أبي طالب  شيطان الردهة   . 
الحديث السادس عن  أبي سعيد ; سعد بن مالك بن سنان الأنصاري ،  رضي الله عنه ، وله طرق عنه : 
الأولى منها : قال  الإمام أحمد    : حدثنا بكر بن عيسى  ثنا جامع بن مطر الحبطي ،  ثنا أبو رؤبة شداد بن عمران القيسي ،  عن أبي سعيد   [ ص: 615 ] الخدري  أن أبا بكر  جاء إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني مررت بوادي كذا وكذا ، فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي . فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " اذهب إليه فاقتله " . قال : فذهب إليه أبو بكر  فلما رآه على تلك الحالة كره أن يقتله ، فرجع إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لعمر : " اذهب فاقتله " . فذهب عمر  فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر ،  فكره أن يقتله فرجع ، فقال : يا رسول الله إني رأيته يصلي متخشعا فكرهت أن أقتله . قال : " يا علي  اذهب فاقتله " . فذهب علي  فلم يره ، فرجع فقال : يا رسول الله إني لم أره ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه ; فاقتلوهم هم شر البرية "   . تفرد به أحمد    . 
وقد روى البزار  في " مسنده " ، من طريق الأعمش ،  عن أبي سفيان ،  عن أنس بن مالك ،  وأبو يعلى ،  عن  أبي خيثمة ،  عن عمر بن يونس ،  عن  عكرمة بن عمار ،  وعن يزيد الرقاشي ،  عن أنس ،  نحوا من هذه القصة ،   [ ص: 616 ] وأطول منها وفيها زيادات أخر . 
الطريق الثاني : قال  الإمام أحمد    : حدثنا أبو أحمد ،  ثنا سفيان ،  عن حبيب بن أبي ثابت ،  عن الضحاك المشرقي ،  عن  أبي سعيد الخدري ،  عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في حديث ذكره : ( قوم يخرجون على فرقة من الناس مختلفة ، يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق   . أخرجاه في " الصحيحين " ، كما سيأتي في ترجمة أبي سلمة ،  عن أبي سعيد    . 
الطريق الثالث : قال  الإمام أحمد    : ثنا  وكيع ،  ثنا  عكرمة بن عمار ،  ثنا عاصم بن شميخ ،  عن  أبي سعيد الخدري  قال : كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إذا حلف فاجتهد في اليمين قال : " والذي نفس أبي القاسم بيده ، ليخرجن قوم من أمتي تحقرون أعمالكم عند أعمالهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية " . قالوا : فهل من علامة يعرفون بها ؟ قال : " فيهم رجل ذو يدية - أو ثدية - محلقي رءوسهم   " . قال أبو سعيد    : فحدثني عشرون أو بضع وعشرون من أصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن عليا ،  رضي الله عنه ولي قتلهم . قال : فرأيت أبا سعيد  بعدما كبر ويداه ترتعش يقول : قتالهم أحل   [ ص: 617 ] عندي من قتال عدتهم من الترك . وقد رواه أبو داود ،  عن  أحمد بن حنبل ،  به . 
الطريق الرابع : قال  الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرزاق ،  أنا سفيان ،  عن أبيه ، عن ابن أبي نعم ،  عن  أبي سعيد الخدري  قال : بعث علي  وهو باليمن  إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بذهيبة في تربتها ، فقسمها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بين الأقرع بن حابس الحنظلي    - ثم أحد بني مجاشع    - وبين عيينة بن بدر الفزاري ،  وبين علقمة بن علاثة العامري    - ثم أحد بني كلاب    - وبين زيد الخير الطائي    - ثم أحد بني نبهان    - قال : فغضبت قريش  والأنصار ،  قالوا : يعطي صناديد أهل نجد  ويدعنا ؟ قال : " إنما أتألفهم " . قال : فأقبل رجل غائر العينين ، ناتئ الجبين ، كث اللحية ، مشرف الوجنتين ، محلوق الرأس ، فقال : يا محمد ،  اتق الله . فقال : " من يطيع الله إذا عصيته ! يأمنني على أهل الأرض ، ولا تأمنوني ؟ ! " . قال : فسأل رجل من القوم قتله النبي ، صلى الله عليه وسلم ، - أراه خالد بن الوليد    - فمنعه ، فلما ولى قال : " إن من ضئضئ هذا قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد    " . رواه  البخاري ،  من   [ ص: 618 ] حديث عبد الرزاق  به . ثم رواه أحمد ،  عن  محمد بن فضيل ،  عن عمارة بن القعقاع ،  عن عبد الرحمن بن أبي نعم ،  عن أبي سعيد    . وفيه الجزم بأن خالدا  سأل أن يقتل ذلك الرجل ، ولا ينافي سؤال عمر بن الخطاب    . 
وهو في " الصحيحين " من حديث  عمارة بن القعقاع بن شبرمة ،  وقال فيه : " إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم   " . 
وليس المراد به أنه يخرج من صلبه ونسله ; لأن الخوارج  الذين ذكرنا لم يكونوا من سلالة هذا ، بل ولا أعلم أحدا منهم من نسله ، وإنما المراد : " من ضئضئ هذا " . أي من شكله وعلى صفته فعلا وقولا ، والله أعلم . وهذا الشكل وهذه الصفة كثيرة في الناس جدا في كل زمان وكل مكان ، في قراء القرآن وغيرهم ، لمن تأملها ، والله أعلم . وهذا الرجل المذكور هو ذو الخويصرة التميمي ،  وسماه بعضهم : حرقوصا    . فالله أعلم . 
الطريق الخامس : قال  الإمام أحمد    : ثنا عفان ،  ثنا مهدي بن ميمون ،  ثنا  محمد بن سيرين ،  عن معبد بن سيرين ،  عن أبي سعيد ،  عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " يخرج أناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين   [ ص: 619 ] كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم على فوقه " . قيل : ما سيماهم ؟ قال : " سيماهم التحليق  ، والتسبيد   " . ورواه  البخاري ،  عن أبي النعمان محمد بن الفضل ،  عن مهدي بن ميمون  به . 
الطريق السادس : قال  الإمام أحمد    : حدثنا محمد بن عبيد ،  ثنا سويد بن نجيح ،  عن يزيد الفقير  قال : قلت لأبي سعيد    : إن منا رجالا هم أقرؤنا للقرآن ، وأكثرنا صلاة ، وأوصلنا للرحم ، وأكثرنا صوما ، خرجوا علينا بأسيافهم . فقال أبو سعيد    : سمعت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يخرج قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية   . تفرد به أحمد ،  ولم يخرجوه في الكتب الستة ، ولا واحد منهم وإسناده لا بأس به ; رجاله كلهم ثقات ، وسويد بن نجيح  هذا مستور . 
الطريق السابع : قال  الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرزاق ،  ثنا معمر ،  عن الزهري ،  عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن ،  عن أبي سعيد  قال : بينا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي  فقال : اعدل يا رسول الله .   [ ص: 620 ] فقال : " ويلك ! ومن يعدل إذا لم أعدل ؟ " . فقال عمر بن الخطاب  يا رسول الله أتأذن لي فيه فأضرب عنقه ؟ فقال : دعه ، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في نضيه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل أسود إحدى يديه - أو قال : إحدى ثدييه - مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تدردر ، يخرجون على حين فترة من الناس " . فنزلت فيه : ومنهم من يلمزك في الصدقات  الآية [ التوبة : 58 ] . قال أبو سعيد    : فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن عليا  حين قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ،   . ورواه  البخاري ،  من حديث شعيب ،   [ ص: 621 ] ومسلم ،  من حديث  يونس بن يزيد ،  عن الزهري  به ، لكن في رواية مسلم  عن حرملة  وأحمد بن عبد الرحمن ;  كلاهما عن ابن وهب ،  عن يونس ،  عن الزهري ،  عن أبي سلمة  والضحاك الهمداني ،  عن أبي سعيد  به . ثم رواه أحمد ،  عن محمد بن مصعب ،  عن الأوزاعي ،  عن الزهري ،  عن أبي سلمة   والضحاك المشرقي ،  عن أبي سعيد ،  فذكر نحو ما تقدم من هذا السياق ، وفيه أن عمر  هو الذي استأذن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في قتله ، وفيه : " يخرجون على فرقتين من الناس ، يقتلهم أولى الطائفتين بالله   " . قال أبو سعيد    : فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وأني شهدت عليا  حين قتلهم فالتمس في القتلى فوجد على النعت الذي نعته رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . ورواه  البخاري ،  عن  دحيم ،  عن الوليد ،  عن الأوزاعي  كذلك . 
وقال أحمد    : قرأت على عبد الرحمن بن مالك ،  عن يحيى بن سعيد ،  عن  محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ،  عن أبي سلمة بن   [ ص: 622 ] عبد الرحمن ،  عن أبي سعيد  أنه قال : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر في النصل فلا يرى شيئا ، ثم ينظر في القدح فلا يرى شيئا ، ثم ينظر في الريش فلا يرى شيئا ، ويتمارى في الفوق   . قال عبد الرحمن    : حدثنا به مالك ;  يعني هذا الحديث . ورواه  البخاري ،  عن عبد الله بن يوسف ،  عن مالك  به . ورواه  البخاري ،  ومسلم ،  عن  محمد بن المثنى ،  عن عبد الوهاب ،  عن يحيى بن سعيد ،  عن محمد بن إبراهيم ،  عن أبي سلمة ،   وعطاء بن يسار ،  عن أبي سعيد  به . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا يزيد ،  أنا محمد بن عمرو ،  عن أبي سلمة  قال : جاء رجل إلى أبي سعيد فقال : هل سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يذكر في الحرورية  شيئا ؟ قال : سمعته يذكر قوما يتعمقون في الدين ، يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم ، وصومه عند صومهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، أخذ سهمه فنظر في نصله فلم ير شيئا ، ثم نظر في رصافه فلم ير شيئا ، ثم نظر في القذذ فتمارى ، هل يرى شيئا أم لا   . ورواه ابن ماجه ،   [ ص: 623 ] عن أبي بكر بن أبي شيبة ،  عن  يزيد بن هارون  به . 
الطريق الثامن : قال  الإمام أحمد    : حدثنا ابن أبي عدي ،  عن سليمان ،  عن  أبي نضرة ،  عن أبي سعيد  أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق ، هم شر الخلق ، أو من شر الخلق ، تقتلهم أدنى الطائفتين من الحق . قال : فضرب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لهم مثلا - أو قال قولا - " الرجل يرمي الرمية - أو قال : الغرض - فينظر في النصل فلا يرى بصيرة ، وينظر في النضي فلا يرى بصيرة ، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة " . فقال أبو سعيد    : وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق    . وقد رواه مسلم ،  عن  محمد بن المثنى ،  عن محمد بن أبي عدي ،  عن  سليمان - وهو ابن طرخان - التيمي ،  عن  أبي نضرة ،  واسمه المنذر بن مالك بن قطعة ،  عن  أبي سعيد الخدري  بنحوه . 
الحديث الثامن عن سلمان الفارسي    : قال الهيثم بن عدي  ثنا  سليمان بن المغيرة ،  عن حميد بن هلال  قال : جاء رجل إلى قوم فقال : لمن هذه الخباء ؟ قالوا :  لسلمان الفارسي    . قال : أفلا تنطلقون معي فيحدثنا ونسمع منه ؟ فانطلق   [ ص: 624 ] معه بعض القوم فقال : يا أبا عبد الله  لو أدنيت خباءك إلينا وكنت منا قريبا فحدثتنا وسمعنا منك ؟ فقال : ومن أنت ؟ قال : فلان بن فلان . قال سلمان    : قد بلغني عنك معروف ; بلغني أنك تخف في سبيل الله ، وتقاتل العدو ، وتخدم أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فإن أخطأتك واحدة أن تكون من هؤلاء القوم الذين ذكرهم لنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . قالوا : فوجد ذلك الرجل قتيلا في أصحاب النهروان    . 
الحديث التاسع عن  سهل بن حنيف الأنصاري    : قال  الإمام أحمد    : حدثنا أبو النضر ،  ثنا حزام بن إسماعيل العامري ،  عن  أبي إسحاق الشيباني ،  عن يسير بن عمرو  قال : دخلت على سهل بن حنيف ،  فقلت : حدثني ما سمعت من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال في الحرورية    . قال : أحدثك ما سمعت من النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لا أزيدك عليه شيئا ، سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يذكر قوما يخرجون من هاهنا - وأشار بيده نحو العراق    - يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية   . قال : قلت : هل ذكر لهم علامة ؟ قال : هذا ما سمعت لا أزيدك عليه   . وقد أخرجاه في " الصحيحين " من حديث   [ ص: 625 ] عبد الواحد بن زياد ،  ومسلم من حديث علي بن مسهر   والعوام بن حوشب ،   والنسائي  من حديث  محمد بن فضيل ،  كلهم عن  أبي إسحاق الشيباني  به . 
وقد رواه مسلم ،  ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ،  ثنا علي بن مسهر ،  عن الشيباني ،  عن يسير بن عمرو ،  قال : سألت سهل بن حنيف    : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يذكر الخوارج ؟  فقال : سمعته ، وأشار بيده نحو المشرق " قوم يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية   " . وحدثناه أبو كامل ،  ثنا عبد الواحد ،  ثنا  سليمان الشيباني  بهذا الإسناد ، وقال : " يخرج منه أقوام " . حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ،  وإسحاق  جميعا عن يزيد ،  قال أبو بكر    : حدثنا  يزيد بن هارون ،  عن العوام بن حوشب ،  ثنا أبو إسحاق الشيباني ،  عن أسير بن عمرو ،  عن سهل بن حنيف  عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : يتيه قوم قبل المشرق محلقة رءوسهم   . 
الحديث العاشر عن ابن عباس    : قال البزار    : ثنا يوسف بن موسى ،  ثنا الحسن بن الربيع ،  ثنا أبو الأحوص ،  عن سماك ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس   [ ص: 626 ] قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ليقرأن القرآن أقوام من أمتي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية   . ورواه ابن ماجه ،  عن أبي بكر بن أبي شيبة   وسويد بن سعيد  كلاهما عن أبي الأحوص  بإسناده مثله . 
الحديث الحادي عشر عن ابن عمر    : قال  الإمام أحمد    : حدثنا يزيد ،  ثنا أبو جناب يحيى بن أبي حية ،  عن  شهر بن حوشب  قال : سمعت عبد الله بن عمر  يقول : لقد سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم . قال يزيد    : لا أعلمه إلا قال : " يحقر أحدكم عمله مع عملهم ، يقتلون أهل الإسلام فإذا خرجوا فاقتلوهم ، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ، فطوبى لمن قتلهم ، وطوبى لمن قتلوه ، كلما طلع منهم قرن قطعه الله " . فردد ذلك رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عشرين مرة أو أكثر ، وأنا أسمع   . تفرد به أحمد  من هذا الوجه . وقد ثبت من حديث سالم  ونافع ،  عن ابن عمر  أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال :   " الفتنة من هاهنا ; من حيث يطلع قرن الشيطان " وأشار بيده نحو المشرق   . 
الحديث الثاني عشر عن عبد الله بن عمر    : قال  الإمام أحمد    : حدثنا   [ ص: 627 ] عبد الرزاق ،  أنا معمر ،  عن قتادة ،  عن  شهر بن حوشب  قال : لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية ،  قدمت الشام  فأخبرت بمقام يقومه نوف البكالي ،  فجئته فجاء رجل فانتبذ عن الناس عليه خميصة ، فإذا هو  عبد الله بن عمرو بن العاص ،  فلما رآه نوف  أمسك عن الحديث ، فقال عبد الله    : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إنها ستكون هجرة بعد هجرة ، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ،  لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها ، تلفظهم أرضهم ، تقذرهم نفس الرحمن ، تحشرهم النار مع القردة والخنازير ، تبيت معهم إذا باتوا ، وتقيل معهم إذا قالوا ، وتأكل من تخلف   " . قال وسمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " سيخرج ناس من أمتي من قبل المشرق ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، كلما خرج منهم قرن قطع ، كلما خرج منهم قرن قطع ، - حتى عدها زيادة على عشر مرات - كلما خرج منهم قرن قطع ، حتى يخرج الدجال في بقيتهم   " . وقد روى أبو داود  أوله في كتاب الجهاد من " سننه " ، عن القواريري ،  عن  معاذ بن هشام ،  عن أبيه ، عن قتادة  به . وقد تقدم حديث  عبد الله بن مسعود  وحديث علي بن أبي طالب  ، رضي الله عنهما . 
الحديث الثالث عشر عن أبي ذر    : قال مسلم بن الحجاج :  حدثنا شيبان   [ ص: 628 ] بن فروخ ،  ثنا  سليمان بن المغيرة ،  ثنا حميد بن هلال ،  عن عبد الله بن الصامت ،  عن أبي ذر  قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : إن بعدي من أمتي - أو سيكون بعدي من أمتي - قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم ، يخرجون من الدين ، كما يخرج السهم من الرمية ، لا يعودون فيه ، هم شر الخلق والخليقة   " قال ابن الصامت    : فلقيت رافع بن عمرو الغفاري  أخا الحكم الغفاري  قلت : ما حديث سمعته من أبي ذر  كذا كذا ؟ فقال : وأنا سمعته من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . . لم يروه  البخاري    . 
الحديث الرابع عشر عن أم المؤمنين عائشة    : قال  الحافظ البيهقي    : أنا أبو عبد الله الحافظ ،  وأبو سعيد بن أبي عمرو ،  ثنا أبو العباس الأصم ،  ثنا السري ،  بن يحيى ،  ثنا  أحمد بن يونس ،  ثنا  علي بن عياش ،  عن حبيب بن سلمة  قال : قال لي علي    : لقد علمت عائشة  أن جيش المروة  وأهل النهروان  ملعونون على لسان محمد ،  صلى الله عليه وسلم   . قال  ابن عياش    : جيش المروة قتلة عثمان ،   [ ص: 629 ] رضي الله عنه . 
وقال الهيثم بن عدي :  حدثني إسرائيل ،  عن يونس ،  عن جده  أبي إسحاق السبيعي ،  عن رجل ، عن عائشة  قال : بلغنا قتل علي  الخوارج  فقالت : قتل علي بن أبي طالب  شيطان الردهة   . تعني المخدج . 
وقال البزار    : حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح ،  ثنا سهل بن عامر البجلي ،  ثنا أبو خالد ،  عن مجالد ،  عن الشعبي ،  عن مسروق ،  عن عائشة  قالت : ذكر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الخوارج  فقال : شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي . 
قال : وحدثناه إبراهيم بن سعيد ،  ثنا حسين بن محمد ،  ثنا سليمان بن قرم ،  ثنا عطاء بن السائب ،  عن أبي الضحى ،  عن مسروق ،  عن عائشة ،  عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه . قال : فرأيت عليا  قتلهم ، وهم أصحاب النهروان    . . ثم قال البزار    : لا نعلم روى عطاء ،  عن أبي الضحى ،  عن مسروق  إلا هذا الحديث ، ولا نعلم رواه عن عطاء  إلا سليمان بن قرم    . قلت وسليمان بن قرم  قد تكلموا فيه ، ولكن الإسناد الأول يشهد له كما أن هذا يشهد لذاك فهما   [ ص: 630 ] متعاضدان ، وهو غريب من حديث عائشة ،  وقد تقدم في حديث  عبد الله بن شداد ،  عن علي  ما يدل على أن عائشة  استغربت حديث الخوارج  ولا سيما خبر ذي الثدية  كما تقدم ، وإنما أوردنا هذه الطرق كلها ; ليعلم الواقف عليها أن ذلك حق وصدق وهو من أكبر دلالات النبوة ، كما ذكره غير واحد من الأئمة في دلائل النبوة . والله تعالى أعلم . وقد سألت عائشة ،  رضي الله عنها ، بعد ذلك عن خبر ذي الثدية  فتيقنته من طرق متعددة . 
وقال  الحافظ أبو بكر البيهقي  في " الدلائل " : أنا أبو عبد الله الحافظ ،  أنا الحسين بن الحسن بن عامر الكندي  بالكوفة  من أصل سماعه ، ثنا أحمد بن محمد بن صدقة الكاتب ،  حدثني عمرو بن عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح  قال : هذا كتاب جدي محمد بن أبان  فقرأت فيه : حدثني  الحسن بن الحر ،  حدثني  الحكم بن عتيبة ،  وعبد الله بن أبي السفر ،  عن عامر الشعبي ،  عن مسروق  قال : قالت عائشة    : عندك علم من ذي الثدية  الذي   [ ص: 631 ] أصابه علي  في الحرورية ؟  قلت : لا . قالت : فاكتب لي بشهادة من شهدهم . فرجعت إلى الكوفة    - وبها يومئذ أسباع - فكتبت شهادة عشرة من كل سبع ، ثم أتيتها بشهادتهم فقرأتها عليها ، قالت : أكل هؤلاء عاينوه ؟ قلت : لقد سألتهم فأخبروني بأن كلهم قد عاينه . فقالت : لعن الله فلانا ; فإنه كتب إلي أنه أصابهم بنيل مصر    . ثم أرخت عينيها فبكت فلما سكنت عبرتها قالت : رحم الله عليا    ! لقد كان على الحق ، وما كان بيني وبينه إلا كما يكون بين المرأة وأحمائها   . 
حديث آخر عن رجلين مبهمين من الصحابة : قال الهيثم بن عدي  في " كتاب الخوارج    " ، حدثني  سليمان بن المغيرة ،  عن حميد بن هلال  قال : أقبل رجلان من أهل الحجاز  حتى قدما العراق  فقيل لهما : ما أقدمكما العراق  ؟ قالا : رجونا أن ندرك هؤلاء القوم الذين ذكرهم لنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فوجدنا علي بن أبي طالب  قد سبقنا إليهم ; يعنيان أهل النهروان    . 
حديث آخر في مدح علي  ، رضي الله عنه على قتاله الخوارج  
قال  الإمام أحمد    : حدثنا حسين بن محمد ،  ثنا فطر  ، عن إسماعيل بن   [ ص: 632 ] رجاء بن ربيعة الزبيدي  ، عن أبيه قال سمعت أبا سعيد  يقول : " كنا جلوسا ننتظر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فخرج علينا من بيوت بعض نسائه ، قال : فقمنا معه ، فانقطعت نعله فتخلف عليها علي  يخصفها ، فمضى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ومضينا معه ، ثم قام ينتظره وقمنا معه ، فقال : " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله " . فاستشرفنا لها وفينا أبو بكر  ، وعمر  فقال : " لا ، ولكنه خاصف النعل " . قال : فجئنا نبشره ، قال : فكأنه قد سمعه . 
ورواه أحمد  ، عن  وكيع  وأبي أسامة  ، عن فطر بن خليفة  به . 
فأما الحديث الذي قال  الحافظ أبو يعلى    : حدثنا إسماعيل بن موسى  ، ثنا الربيع بن سهل  ، عن سعيد بن عبيد  ، عن  علي بن ربيعة  قال : سمعت عليا  على منبركم هذا يقول : عهد إلي النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين   . وقد رواه  أبو بكر بن المقرئ  ، عن إسماعيل بن عباد البصري  ، نا  عباد بن يعقوب  ، عن الربيع بن سهل الفزاري  به . فإنه حديث غريب ومنكر . على أنه   [ ص: 633 ] قد روي من طرق عن علي ،  وعن غيره ولا تخلو واحدة منها عن ضعف . والمراد بالناكثين ، يعني أهل الجمل . وبالقاسطين أهل الشام ;  والقاسط هو الجائر الظالم . وبالمارقين الخوارج ;  لأنهم مرقوا من الدين . وأما الناكثون فهم أصحاب الجمل الذين عقدوا البيعة له ثم نكثوا . والله أعلم . وقد روى هذا الحديث  الحافظ أبو أحمد بن عدي  في " كامله " ، عن أحمد بن جعفر البغدادي ،  عن سليمان بن سيف ،  عن  عبيد الله بن موسى ،  عن فطر ،  عن حكيم بن جبير ،  عن إبراهيم ،  عن علقمة ،  عن علي  قال : أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين   . 
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي    : أخبرني الأزهري ،  ثنا محمد بن المظفر ،  ثنا محمد بن أحمد بن ثابت  قال : وجدت في كتاب جدي محمد بن ثابت    : ثنا أشعث بن الحسن السلمي ،  عن جعفر الأحمر ،  عن يونس بن الأرقم ،  عن أبان ،  عن خليد العصري  قال : سمعت عليا  أمير المؤمنين يقول يوم النهروان :  أمرني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين   . 
 [ ص: 634 ] وقد رواه  ابن عساكر ،  من حديث محمد بن فرج الجنديسابوري ،  أنا هارون بن إسحاق ،  ثنا أبو غسان ،  عن جعفر - أحسبه الأحمر    - عن عبد الجبار الهمداني ،  عن أنس بن عمرو ،  عن أبيه ، عن علي  قال : أمرت بقتال ثلاثة ; المارقين والقاسطين والناكثين   . 
وقال  الحاكم أبو عبد الله ،  أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ،  بقنطرة بردان ،  ثنا محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي ،  حدثني أبي ، حدثني عمي - عمرو بن عطية بن سعد    - عن أخيه الحسن بن عطية ،  حدثني جدي سعد بن جنادة ،  عن علي ،  رضي الله عنه ، قال أمرت بقتال ثلاثة ; القاسطين والناكثين والمارقين ; فأما القاسطون فأهل الشام ،  وأما الناكثون فذكرهم ، وأما المارقون فأهل النهروان    . يعني الحرورية    . 
وقال  الحافظ ابن عساكر    : أنا أبو القسم زاهر بن طاهر ،  أنا أبو سعد الأديب ،  أنا السيد أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين ،  ثنا محمد بن أحمد   [ ص: 635 ] الصوفي ،  ثنا محمد بن عمرو الباهلي ،  ثنا كثير بن يحيى ،  ثنا أبو عوانة ،  عن أبي الجارود ،  عن  زيد بن علي بن الحسين بن علي ،  عن أبيه ، عن جده ، عن علي  قال : أمرني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين   . 
حديث ابن مسعود  في ذلك : قال  الحاكم    : حدثنا الإمام أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه ،  أنا الحسن بن علي ،  ثنا زكريا بن يحيى الحرار المقرئ ،  ثنا إسماعيل بن عباد المقرئ ،  ثنا شريك ،  عن منصور ،  عن إبراهيم ،  عن علقمة ،  عن عبد الله  قال : خرج رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فأتى منزل أم سلمة  فجاء علي ،  فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : يا أم سلمة ،  هذا والله قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي . 
حديث أبي سعيد  في ذلك : قال  الحاكم    : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني  ، ثنا الحسين بن الحكم الحبري ،  ثنا إسماعيل بن أبان ،  ثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي ،  عن أبي هارون العبدي ،  عن  أبي سعيد الخدري  قال : أمرنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتال الناكثين والقاسطين   [ ص: 636 ] والمارقين ، فقلت : يا رسول الله ! أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من ؟ فقال : مع علي بن أبي طالب ،  معه يقتل  عمار بن ياسر    . 
حديث أبي أيوب  في ذلك : قال  الحاكم    : أنا أبو الحسن علي بن حمشاذ العدل ،  ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ،  ثنا عبد العزيز بن الخطاب ،  ثنا محمد بن كثير ،  عن الحارث بن حصيرة ،  عن أبي صادق ،  عن مخنف بن سليم  قال : أتينا أبا أيوب  فقلنا : قاتلت بسيفك المشركين مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ثم جئت تقاتل المسلمين ؟ فقال : أمرني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين   . 
قال  الحاكم    : وحدثنا  أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ،  ثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمري ،  ثنا محمد بن حميد ،  ثنا  سلمة بن الفضل ،  حدثني أبو زيد الأحول ،  عن عتاب بن ثعلبة ،  حدثني  أبو أيوب الأنصاري  في خلافة عمر بن الخطاب  قال : أمرني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتال الناكثين والقاسطين   [ ص: 637 ] والمارقين مع علي بن أبي طالب    . 
وقال  الخطيب البغدادي    : أخبرني الحسن بن علي بن عبد الله المقرئ ،  ثنا أحمد بن محمد بن يوسف ،  ثنا محمد بن جعفر المطيري ،  ثنا أحمد بن عبد الله المؤدب  بسر من رأى ، ثنا المعلى بن عبد الرحمن  ببغداد ،  ثنا شريك ،  عن سليمان بن مهران الأعمش ،  قال : حدثنا إبراهيم ،  عن علقمة  والأسود  قالا : أتينا أبا أيوب الأنصاري  عند منصرفه من صفين  فقلنا له : يا أبا أيوب ،  إن الله أكرمك بنزول محمد ،  صلى الله عليه وسلم ، وبمجيء ناقته تفضلا من الله وإكراما لك حين أناخت ببابك دون الناس ، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله ؟ فقال : يا هذا ، إن الرائد لا يكذب أهله ، وإن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أمرنا بقتال ثلاثة مع علي    ; بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ; فأما الناكثون فقد قاتلناهم ، وهم أهل الجمل ; طلحة  والزبير  ، وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم - يعني معاوية  وعمرا    - وأما المارقون فهم أهل الطرفاوات ، وأهل السعيفات ، وأهل النخيلات ، وأهل النهروانات ، والله ما أدري أين هم ، ولكن لا بد من قتالهم ، إن شاء الله . قال : وسمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول   [ ص: 638 ] لعمار : يا عمار  تقتلك الفئة الباغية ، وأنت إذ ذاك مع الحق والحق معك ، يا  عمار بن ياسر ،  إن رأيت عليا  قد سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ،  فإنه لن يدليك في ردى ، ولن يخرجك من هدى ، يا عمار  ، من تقلد سيفا أعان به عليا  على عدوه ، قلده الله يوم القيامة وشاحين من در ، ومن تقلد سيفا أعان به عدو علي  عليه ، قلده الله يوم القيامة وشاحين من نار   . فقلنا : يا هذا ، حسبك رحمك الله ، حسبك رحمك الله   . هذا السياق ، الظاهر أنه موضوع ، وآفته من جهة المعلى بن عبد الرحمن ;  فإنه متروك الحديث . والله أعلم . قلت : هذا الحديث إن صح بعضه ، ففي بعضه زيادات موضوعة من وضع الرافضة ، والمعلى بن عبد الرحمن  لا يلتفت إليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					