وقال ابن عيينة   : حدثنا ابن أبي خالد ،  عن الشعبي ،  قال : لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان الأسدي ،   [ ص: 47 ] فقال : ابسط يدك أبايعك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : علام تبايعني ؟ قال : على ما في نفسك  . 
وقال مكي بن إبراهيم ،  وأبو عاصم   - واللفظ له - عن  يزيد بن أبي عبيد ،  عن  سلمة بن الأكوع ،  قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية  ، ثم عدلت إلى ظل شجرة . فلما خف الناس قال : يا ابن الأكوع  ألا تبايع ؟ قلت : قد بايعت يا رسول الله . قال : وأيضا . فبايعته الثانية فقلت لسلمة   : يا أبا مسلم  على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ ؟ قال : على الموت  . متفق عليه . 
وقال  عكرمة بن عمار ،  عن إياس بن سلمة ،  عن أبيه ، فذكر الحديث ، وقال : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى البيعة في أصل الشجرة فبايعته أول الناس وبايع ، حتى إذا كان في وسط الناس ، قال : " بايعني يا سلمة   " . فقلت : يا رسول الله قد بايعتك . قال : " وأيضا " قال : ورآني عزلا فأعطاني حجفة أو درقة . ثم بايع ، حتى إذا كان في آخر الناس قال : " ألا تبايع " ؟ قلت : يا رسول الله قد بايعتك في أول الناس وأوسطهم . قال : " وأيضا " فبايعت الثالثة . فقال : " يا سلمة  أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك " ؟ قلت : لقيني عامر  فأعطيتها إياه . فضحك ثم قال : " إنك كالذي قال الأول : اللهم ابغني حبيبا هو أحب إلى نفسي " ثم إن مشركي مكة  راسلونا بالصلح حتى مشى بعضنا إلى بعض فاصطلحنا . وكنت خادما  لطلحة بن عبيد الله  أسقي فرسه وأحسه وآكل من طعامه . وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله  [ ص: 48 ] ورسوله . فلما اصطلحنا واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها فاضطجعت في ظلها . فأتاني أربعة من أهل مكة ،  فجعلوا يقعون في رسول الله فأبغضتهم ، فتحولت إلى شجرة أخرى ، فعلقوا سلاحهم واضطجعوا ، فبينا هم كذلك إذ ناد مناد من أسفل الوادي : يا للمهاجرين ، قتل ابن زنيم   . فاخترطت سيفي فشددت على أولئك الأربعة وهم رقد ، فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا في يدي ، ثم قلت ، والذي كرم وجه محمد  صلى الله عليه وسلم لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه . ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وجاء عمي عامر  برجل من العبلات  يقال له مكرز  يقوده حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين من المشركين ، فنظر إليهم . وقال : " دعوهم ، يكون لهم بدء الفجور وثناؤه " فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنزلت : ( وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم   ( 24 ) ) [ الفتح ] الآية . أخرجه مسلم   . 
وقال حماد بن سلمة ،  عن ثابت ،  عن أنس ،  أن رجالا من أهل مكة  هبطوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل جبل التنعيم ليقاتلوه . قال فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذا ، فأعتقهم . فأنزل الله : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم   ( 24 ) ) الآية ، أخرجه مسلم   . 
وقال  الوليد بن مسلم   : حدثنا عمر بن محمد العمري ،  قال : أخبرني نافع ،  عن ابن عمر ،  أن الناس كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ،  قد  [ ص: 49 ] تفرقوا في ظلال الشجر ، فإذا الناس محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال - يعني عمر   - : يا عبد الله  انظر ما شأن الناس ؟ فوجدهم يبايعون ، فبايع ثم رجع إلى عمر ،  فخرج فبايع . 
أخرجه  البخاري  فقال : وقال هشام بن عمار   : حدثنا الوليد  قلت : ورواه  دحيم ،  عن الوليد   . 
قلت : وسميت بيعة الرضوان من قوله تعالى : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا   ( 24 ) ) [ الفتح ] . 
قال أبو عوانة ،  عن طارق بن عبد الرحمن ،  عن  سعيد بن المسيب ،  قال : كان أبي ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الشجرة ، قال : فانطلقنا في قابل حاجين ، فخفي علينا مكانها ، فإن كانت تبينت لكم فأنتم أعلم . متفق عليه . 
وقال  ابن جريج   : أخبرني  أبو الزبير المكي  أنه سمع جابرا  يقول : أخبرتني أم مبشر  أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة   : لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها أحد . قالت : بلى يا رسول الله ، فانتهرها ، فقالت : ( وإن منكم إلا واردها   ( 71 ) ) [ مريم ] ، فقال : قد قال تعالى : ( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا   ( 72 ) ) [ مريم ] . أخرجه مسلم   . 
قرأت على عبد الحافظ بن بدران   : أخبركم موسى بن عبد القادر  ، والحسين بن أبي بكر  ، قالا : أخبرنا عبد الأول بن عيسى  ، قال : أخبرنا  [ ص: 50 ] محمد بن أبي مسعود ،  قال : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح ،  قال : حدثنا أبو القاسم البغوي ،  قال : حدثنا العلاء بن موسى  إملاء ، سنة سبع وعشرين ومئتين ، قال : أخبرنا الليث بن سعد ،  عن  أبي الزبير المكي ،  عن  جابر بن عبد الله  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل أحد ممن بايع تحت الشجرة النار  " . أخرجه  النسائي   . 
وقال قتيبة   : حدثنا الليث ،  عن  أبي الزبير ،  عن جابر ،  أن عبدا لحاطب بن أبي بلتعة  جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا ;  قال : يا رسول الله ليدخلن حاطب  النار . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كذبت لا يدخلها ، فإنه شهد بدرا  والحديبية   " . 
وقال  يونس بن بكير ،  عن ابن إسحاق   : حدثني الزهري ،  عن عروة ،  عن المسور بن مخرمة ،  ومروان  في قصة الحديبية ;  قالا : فدعت قريش   سهيل بن عمرو ;  قالوا : اذهب إلى هذا الرجل فصالحه ولا تكونن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا ، لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة . فخرج سهيل من عندهم ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا ، قال : " قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل " فوقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين ، وأن يخلوا بينه وبين مكة  من العام المقبل ، فيقيم بها ثلاثا ، وأنه لا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب ، وأنه من أتانا من أصحابك بغير إذن وليه لم نرده عليك ، ومن أتاك منا بغير إذن وليه رددته علينا ، وأن بيننا وبينك عيبة مكفوفة ، وأنه  [ ص: 51 ] لا إسلال ولا إغلال . وذكر الحديث . 
الإسلال : الخفية ، وقيل الغارة ، وقيل : سل السيوف ، والإغلال : الغارة . 
وقال شعبة ،  عن أبي إسحاق ،  عن البراء ،  قال : لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي مكة  كتب بينهم كتابا : " هذا ما صالح عليه محمد  رسول الله " قالوا : لو علمنا أنك رسول الله لم نقاتلك . قال لعلي : " امحه " . فأبى ، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، وكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله   . واشترطوا عليه أن يقيموا ثلاثا ، وأن لا يدخلوا مكة  بسلاح إلا جلبان السلاح ، يعني السيف بقرابه  . متفق عليه . 
وقال حماد بن سلمة ،  عن ثابت ،  عن أنس  نحوه أو قريبا منه أخرجه مسلم   . 
وقال  يونس بن بكير ،  عن ابن إسحاق ،  حدثني بريدة بن سفيان  ، عن محمد بن كعب  أن كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلح كان عليا  رضي الله عنه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب : " هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو   " فجعل علي  يتلكأ ويأبى أن يكتب إلا : محمد  رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اكتب ، فإن لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد " فكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله   . 
وقال عبد العزيز بن سياه   : حدثنا حبيب بن أبي ثابت ،  عن أبي وائل ،  قال : قام سهل بن حنيف  يوم صفين  فقال : أيها الناس اتهموا  [ ص: 52 ] أنفسكم ، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ،  ولو نرى قتالا لقاتلنا فأتى عمر  فقال : ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ قال : بلى . قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى . قال : ففيم نعطي الدنية في أنفسنا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : يا ابن الخطاب ،  إني رسول الله ولن يضيعني الله ، فانطلق متغيظا إلى أبي بكر ،  فقال له كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلىعمر  فأقرأه إياه . فقال : يا رسول الله ، أو فتح هو ؟ قال : نعم ؛ فطابت نفسه ورجع . متفق عليه . 
وقال يونس ،  عن ابن إسحاق  ، عن الزهري ،  عن عروة ،  عن المسور ،  ومروان ،  قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند أم سلمة  فلم يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحر وحلق . فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وحلق بعض وقصر بعض . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم اغفر للمحلقين " فقيل : يا رسول الله والمقصرين ؟ فقال : " اغفر للمحلقين " ثلاثا . قيل يا رسول الله وللمقصرين ؟ قال : " وللمقصرين  " . 
وقال يونس ،  عن ابن إسحاق   : حدثني عبد الله بن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  عن ابن عباس ،  قال : قيل له لم ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة ؟ فقال : إنهم لم يشكوا . 
وقال يونس - هو ابن بكير   - ، عن  هشام الدستوائي ،  عن  يحيى بن أبي كثير ،  عن أبي إبراهيم ،  عن أبي سعيد ،  قال : حلق أصحاب رسول  [ ص: 53 ] الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية  كلهم غير رجلين ; قصرا ولم يحلقا  . أبو إبراهيم  مجهول . 
وقال ابن عيينة ،  عن إبراهيم بن ميسرة ،  عن وهب بن عبد الله بن قارب ،  قال : كنت مع أبي ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  " يرحم الله المحلقين " قال رجل : والمقصرين يا رسول الله ؟ فلما كانت الثالثة ، قال : " والمقصرين " . 
وقال يحيى بن أبي بكير ،  قال : حدثنا زهير بن محمد ،  قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن ،  عن الحكم ،  عن مقسم ،  عن ابن عباس ،  قال : نحر يوم الحديبية  سبعون بدنة فيها جمل أبي جهل ،  فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها . 
ويروى عن ابن عباس ،  أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى في عمرة الحديبية  جملا كان لأبي جهل ،  في أنفه برة من ذهب أهداه ليغيظ به قريشا   . 
وقال فليح بن سليمان ،  عن رافع ،  عن ابن عمر  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا ، فحال كفار قريش  بينه وبين البيت ، فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية ،  وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ، ولا يحمل سلاحا عليها إلا سيوفا ، ولا يقيم بها إلا ما أحبوا ، فاعتمر من العام المقبل ، فدخلها كما صالحهم . فلما أن أقام بها ثلاثا ، أمروه أن يخرج فخرج  . أخرجه  البخاري   . 
وقال مالك  عن  أبي الزبير ،  عن جابر   : نحرنا بالحديبية  البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة  . رواه مسلم   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					