[ ص: 54 ] 
نزول سورة الفتح  
قال مالك ،  عن  زيد بن أسلم ،  عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره ، وعمر  معه ليلا . فسأله عمر  عن شيء فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، فقال عمر   : ثكلتك أمك ، نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فحركت بعيري حتى تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن ، فلم أنشب أن سمعت صارخا يصرخ ، قال : قلت : لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه ، فقال : " لقد أنزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس " ثم قرأ : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا   1 ( 1 ) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر   ( 2 ) ) [ الفتح ]  . أخرجه  البخاري   . 
وقال  يونس بن بكير ،  عن  عبد الرحمن المسعودي ،  عن جامع بن شداد ،  عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ،  عن ابن مسعود   ; قال : لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية ،  جعلت ناقته تثقل ، فتقدمنا ، فأنزل عليه : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا   ) . 
وقال شعبة ،  عن قتادة ،  عن أنس   : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا   ( 1 ) ) قال : فتح الحديبية ،  فقال رجل : هنيئا مريئا يا رسول الله هذا لك ، فما لنا ؟ فأنزلت : ( ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات   ( 5 ) ) [ الفتح ] . 
قال شعبة   : فقدمت الكوفة  فحدثتهم عن قتادة ،  عن أنس ،  ثم قدمت البصرة  فذكرت ذلك لقتادة ،  فقال : أما الأول فعن أنس ،  وأما الثاني :  [ ص: 55 ]  ( ليدخل المؤمنين والمؤمنات   ) ، فعن عكرمة ،  أخرجه  البخاري   . 
وقال همام   : حدثنا قتادة ،  عن أنس ،  قال : لما نزلت : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا   ) إلى آخر الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من الحديبية ،  وأصحابه مخالطوا الحزن والكآبة ، فقال : " نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا " فلما تلاها قال رجل : قد بين الله لك ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزلت التي بعدها : ( ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار   )  . أخرجه مسلم   . 
وقال يونس ،  عن ابن إسحاق  ، عن الزهري ،  عن عروة ،  عن المسور ،  ومروان  قالا في قصة الحديبية   : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا ، فلما أن كان بين مكة  والمدينة  نزلت عليه سورة الفتح . فكانت القصة في سورة الفتح وما ذكر الله من بيعة الرضوان تحت الشجرة . فلما أمن الناس وتفاوضوا ، لم يكلم أحد بالإسلام إلا دخل فيه . فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام أكثر مما كان فيه قبل ذلك . وكان صلح الحديبية  فتحا عظيما . 
وقال ابن لهيعة   : حدثنا أبو الأسود ،  عن عروة ;  قالوا : وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية  راجعا . فقال رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ما هذا بفتح ; لقد صددنا عن البيت وصد هدينا ، وعكف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية  ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من المسلمين خرجا . فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول رجال من أصحابه : إن هذا ليس بفتح ، فقال : " بئس الكلام ، هذا أعظم الفتح ، لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم ويسألونكم القضية ويرغبون إليكم في الأمان ، وقد رأوا منكم ما  [ ص: 56 ] كرهوا ، وقد أظفركم الله عليهم وردكم سالمين غانمين مأجورين ، فهذا أعظم الفتوح . أنسيتم يوم أحد ،  إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم ؟ أنسيتم يوم الأحزاب ، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم  ؟ " فقال المسلمون : صدق الله ورسوله ، هذا أعظم الفتوح والله يا نبي الله . 
وقال ابن أبي عروبة ،  عن قتادة ،  قال : ظهرت الروم  على فارس  عند مرجع المسلمين من الحديبية   . قال مثل ذلك عقيل ،  عن ابن شهاب ،  عن  عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود   . 
وكانت بين الروم  وبين فارس  ملحمة مشهودة نصر الله تعالى فيها الروم ،  ففرح المسلمون بذلك ، لكون أهل الكتاب  في الجملة نصروا على المجوس   . 
وقال مغيرة ،  عن الشعبي  في قوله : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا   ( 1 ) ) ; قال : فتح الحديبية ،  وبايعوا بيعة الرضوان ، وأطعموا نخيل خيبر ،  وظهرت الروم  على فارس   . ففرح المؤمنون بتصديق كتاب الله ونصر أهل الكتاب  على المجوس   . 
وقال شعبة ،  عن الحكم ،  عن عبد الرحمن بن أبي ليلى   : ( وأثابهم فتحا قريبا   ( 18 ) ) [ الفتح ] قال : خيبر   . ( وأخرى لم تقدروا عليها   ( 21 ) ) [ الفتح ] قال : فارس  والروم   . وقال ورقاء ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قال : أري رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية  أنه يدخل مكة  هو وأصحابه آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين ، فقالوا له حين نحر بالحديبية   : أين رؤياك يا رسول الله ؟ فأنزل الله : ( لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق   ) إلى قوله ( فجعل من دون ذلك فتحا قريبا   ( 27 ) ) [ الفتح ] يعني النحر بالحديبية ،  ثم رجعوا ففتحوا  [ ص: 57 ] خيبر ،  فكان تصديق رؤياه في السنة المقبلة . 
وقال هشيم   : أخبرنا أبو بشر ،  عن سعيد بن جبير ،  وعكرمة   : ( ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد   ( 16 ) ) [ الفتح ] قالا : هوازن  يوم حنين  رواه  سعيد بن منصور  في سننه . 
وقال بندار   : حدثنا غندر ،  قال : حدثنا شعبة ،  عن هشيم ،  فذكره وزاد : هوازن  وبنو حنيفة   . 
وقال عبد الله بن صالح ،  عن معاوية بن صالح ،  عن علي بن أبي طلحة ،  عن ابن عباس ،  في قوله : ( أولي بأس شديد   ) قال : فارس وقال : ( السكينة ) هي الرحمة . 
وقال أبو حذيفة النهدي   : حدثنا سفيان ،  عن سلمة بن كهيل ،  عن أبي الأحوص ،  عن علي   ( هو الذى أنزل السكينة في قلوب المؤمنين   ( 4 ) ) [ الفتح ] قال : السكينة لها وجه كوجه الإنسان ، ثم هي بعد ريح هفافة . 
وقال ورقاء ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قال : السكينة كهيئة الريح ، لها رأس كرأس الهرة وجناحان  . 
وقال المسعودي ،  عن قتادة ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس   : ( تصيبهم بما صنعوا قارعة   ) ، قال السرية ، ( أو تحل قريبا من دارهم   ) قال : هو محمد  صلى الله عليه وسلم . ( حتى يأتي وعد الله   ( 31 ) ) [ الرعد ] قال : فتح مكة   . 
وعن مجاهد   : ( أو تحل قريبا من دارهم   ) ، قال : الحديبية  ونحوها رواه شريك ،  عن منصور ،  عنه . 
وقال الليث ،  عن عقيل ،  عن ابن شهاب   : أخبرني عروة  أنه سمع  مروان بن الحكم ،  والمسور ،  يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كاتب  سهيل بن عمرو ،  فذكر الحديث ، وفيه : وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط  ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ  [ ص: 58 ] وهي عاتق ، فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن : ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار   ( 10 ) ) [ الممتحنة ] . 
قال عروة   : فأخبرتني عائشة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن بهذه الآية :  ( إذا جاءك المؤمنات يبايعنك   ( 12 ) ) [ الممتحنة ] الآية . قالت : فمن أقر بهذا الشرط منهن قال لها : قد بايعتك ، كلاما يكلمها به ، والله ما مست يده امرأة قط في المبايعة ، ما بايعهن إلا بقوله . أخرجه  البخاري   . 
وقال  موسى بن عقبة ،  عن ابن شهاب ،  قال : ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة  انفلت من ثقيف  أبو بصير بن أسيد بن جارية الثقفي  من المشركين ، فذكر من أمره نحوا مما قدمناه . وفيه زيادة وهي : فخرج أبو بصير  معه خمسة كانوا قدموا من مكة ،  ولم ترسل قريش  في طلبهم كما أرسلوا في أبي بصير ،  حتى كانوا بين العيص  وذي المروة  من أرض جهينة  على طريق عير قريش  مما يلي سيف البحر ، لا يمر بهم عير لقريش  إلا أخذوها وقتلوا أصحابها . وانفلت  أبو جندل  في سبعين راكبا أسلموا وهاجروا ، فلحقوا بأبي بصير ،  وقطعوا مادة قريش  من الشام ،  وكان أبو بصير  يصلي بأصحابه ، فلما قدم عليه  أبو جندل  كان يؤمهم . 
واجتمع إلى  أبي جندل  حين سمعوا بقدومه ناس من بني غفار   [ ص: 59 ] وأسلم  وجهينة  وطوائف ، حتى بلغوا ثلاث مائة مقاتل وهم مسلمون ، فأرسلت قريش  إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألون أن يبعث إلى أبي بصير  ومن معه فيقدموا عليه ، وقالوا : من خرج منا إليك فأمسكه ، قال : ومر بأبي بصير  أبو العاص بن الربيع  من الشام  فأخذوه ، فقدم على امرأته زينب  سرا وقد تقدم شأنه . وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه إلى أبي بصير  أن لا يعترضوا لأحد . فقدم الكتاب على  أبي جندل  وأبي بصير ،  وأبو بصير  يموت ، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يقرؤه ، فدفنه  أبو جندل  مكانه ، وجعل عند قبره مسجدا . 
وقال  يحيى بن أبي كثير   : حدثني أبو سلمة ،  أن  أبا هريرة  حدثه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى العشاء الآخرة نصب في الركعة الآخرة بعدما يقول : " سمع الله لمن حمده " ويقول : " اللهم نج  الوليد بن الوليد ،  اللهم نج سلمة بن هشام ،  اللهم نج عياش بن أبي ربيعة ،  اللهم نج المستضعفين من المومنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر  ، اللهم اجعلها سنين مثل سني يوسف   " ثم لم يزل يدعو حتى نجاهم الله تعالى ، ثم ترك الدعاء لهم بعد ذلك  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					