[ ص: 50 ] وفاة فاطمة  رضي الله عنها  
وهي سيدة نساء هذه الأمة ، كنيتها فيما بلغنا : أم أبيها . دخل بها علي  رضي الله عنه بعد وقعة بدر  ، وقد استكملت خمس عشرة سنة أو أكثر . 
روى عنها : ابنها الحسين  ،  وعائشة  ،  وأم سلمة  ، وأنس  ، وغيرهم . 
وقد ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليها في مرضه ، وقالت لأنس   : كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ 
ولها مناقب  مشهورة ، وقد جمعها  أبو عبد الله الحاكم   . 
وكانت أصغر من زينب   ورقية  ، وانقطع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منها ؛ لأن أمامة  بنت بنته زينب  تزوجت بعلي  ، ثم بعده بالمغيرة بن نوفل  ، وجاءها منهما أولاد . قال الزبير بن بكار   : انقرض عقب زينب   . 
وصح عن المسور  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما فاطمة  بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها  " . 
وفي فاطمة  وزوجها وبنيها نزلت : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا   [ الأحزاب ]  [ ص: 51 ] فجللهم رسول الله بكساء ، وقال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي " . 
وأخرج الترمذي  ، من حديث عائشة  أنها قيل لها : أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : فاطمة  من قبل النساء ، ومن الرجال زوجها ، وإن كان ما علمت صواما قواما  . 
وفي الترمذي  عن  زيد بن أرقم  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي  وفاطمة  وابنيهما : " أنا حرب لمن حاربتم ، سلم لمن سالمتم  " . 
وقد أخبرها أبوها أنها سيدة نساء هذه الأمة في مرضه كما تقدم . 
وخلفت من الأولاد   : الحسن  ، والحسين  ، وزينب  ، وأم كلثوم   . فأما زينب  فتزوجت عبد الله بن جعفر  ، فتوفيت عنده وولدت له عونا  وعليا   . وأما أم كلثوم  فتزوجها عمر  ، فولدت له زيدا  ، ثم تزوجها بعد قتل عمر  عون بن جعفر  فمات ، ثم تزوجها أخوه محمد بن جعفر  ، فولدت له بنته ، ثم تزوج بها أخوهما عبد الله بن جعفر  ، فماتت عنده . قاله الزهري   . 
وقال الأعمش  ، عن عمرو بن مرة  ، عن أبي البختري  ، قال : قال  [ ص: 52 ] علي  لأمه : اكفي فاطمة  الخدمة خارجا ، وتكفيك العمل في البيت والعجن والخبز والطحن  . 
أبو العباس السراج  ، قال : حدثنا محمد بن الصباح  ، قال : حدثنا علي بن هاشم  ، عن كثير النواء  ، عن عمران بن حصين  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة  وهي مريضة فقال لها : " كيف تجدينك ؟ " قالت : إني وجعة ، وإنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله ، قال : " يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين " . قالت : فأين مريم  ؟ قال : " تلك سيدة نساء عالمها ، وأنت سيدة نساء عالمك ، أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة "  . هذا حديث ضعيف ، وأيضا فقد سقط بين كثير  وعمران  رجل . 
وقال علباء بن أحمر  ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس  ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة  بنت محمد ، ومريم ، وآسية   " رواه أبو داود 
وقال أبو جعفر الرازي  عن ثابت  ، عن أنس  ، مثله مرفوعا ولفظه : خير نساء العالمين أربع . 
وقال معمر ،  عن قتادة ،  عن أنس  يرفعه : حسبك من نساء العالمين أربع ، فذكرهن . ويروى نحوه من حديث  أبي هريرة  ، وغيره . 
 [ ص: 53 ] وقال ميسرة بن حبيب  ، عن  المنهال بن عمرو  ، عن  عائشة بنت طلحة  ، عن عائشة  ، قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة  ، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها كما كانت هي تصنع به ، وقد شبهت عائشة  مشيتها بمشية النبي ، صلى الله عليه وسلم . 
وقد كانت وجدت على أبي بكر  حين طلبت سهمها من فدك  ، فقال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ما تركنا صدقة  " . 
وقال أبو حمزة السكري  ، عن ابن أبي خالد  ، عن الشعبي  ، قال : لما مرضت فاطمة  رضي الله عنه أتاها أبو بكر  فاستأذن ، فقال علي   : يا فاطمة  هذا أبو بكر  يستأذن عليك ، فقالت : أتحب أن آذن له ؟ قال : نعم ، فأذنت له ، فدخل عليها يترضاها ، وقال : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت ، ثم ترضاها حتى رضيت  . 
وقال الزهري  ، عن عروة  ، عن عائشة  ، أن فاطمة  عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ، ودفنت ليلا  . 
وقال الواقدي   : هذا أثبت الأقاويل عندنا . قال : وصلى عليها العباس  ، ونزل في حفرتها هو وعلي  ،  والفضل بن العباس   . 
وقال سعيد بن عفير   : ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان ،  [ ص: 54 ] وهي بنت سبع وعشرين أو نحوها ، ودفنت ليلا . 
وقال  يزيد بن أبي زياد  ، عن عبد الله بن الحارث  ، قال : مكثت فاطمة  بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر  وهي تذوب  . 
وقال أبو جعفر الباقر   : ماتت بعد أبيها بثلاثة أشهر . 
وروي عن  ابن أبي مليكة  ، عن عائشة  ، قالت : كان بينها وبين أبيها شهران . وهذا غريب . 
قلت : والصحيح أن عمرها أربع وعشرون سنة ؛ رضي الله عنه وأرضاها . 
وقد روي عن  أبي جعفر محمد بن علي  أنها توفيت بنت ثمان وعشرين سنة ، كان مولدها وقريش  تبني الكعبة  ، وغسلها علي   . 
قال قتيبة   : حدثنا محمد بن موسى  ، عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب  ، عن أمه أم جعفر  ، وعن عمارة بن مهاجر  ، عن أم جعفر  ، أن فاطمة  قالت  لأسماء بنت عميس   : إني أستقبح ما يصنع بالنساء : يطرح على المرأة الثوب فيصفها ، فقالت : يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة  ؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ، ثم طرحت عليها ثوبا ، فقالت فاطمة   : ما أحسن هذا وأجمله ، إذا أنا مت فغسليني أنت وعلي  ، ولا يدخل أحد علي . فلما توفيت جاءت عائشة  تدخل ، فقالت أسماء   : لا تدخلي ، فشكت إلى أبي بكر  ، فجاء فوقف على الباب فكلم أسماء  ، فقالت : هي أمرتني : قال : فاصنعي ما أمرتك ، ثم انصرف  . قال  ابن عبد البر   : فهي أول من غطي نعشها في الإسلام على تلك  [ ص: 55 ] الصفة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					