خبر السد  
الوليد : حدثنا سعيد بن بشر  ، عن قتادة   : قال : أخبرني رجلان ، عن  أبي بكرة الثقفي  ، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني قد رأيت  [ ص: 132 ] السد ، قال : كيف رأيته ؟ قال : رأيته كالبرد المحبر  . رواه  سعيد بن أبي عروبة  ، عن قتادة  مرسلا ، وزاد : طريقة سوداء  وطريقة حمراء  ، قال : قد رأيته ، قلت : يريد حمرة النحاس  وسواد الحديد   . 
 سعيد بن أبي عروبة  ، عن قتادة  ، عن أبي رافع  ، عن  أبي هريرة  ، يروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن يأجوج ومأجوج  يحفرونه كل يوم ، حتى إذا كادوا أن يروا شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا ، فيعيده الله كأشد ما كان ، حتى إذا بلغت مدتهم حفروا ، حتى إذا كادوا أن يروا الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه إن شاء الله غدا ، فيعودون إليه كهيئته حين تركوه فيحفرونه ، فيخرجون على الناس ، ويتحصن الناس منهم في حصونهم ، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع فيها كهيئة الدماء ، فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ، فيبعث الله نغفا فيقتلهم بها  " . 
ذكر ابن جرير  في تاريخه من حديث عمرو بن معد يكرب  عن مطر بن بلج التميمي  ، قال : دخلت على عبد الرحمن بن ربيعة  بالباب وشهريران  عنده ، فأقبل رجل عليه شحوبة حتى دخل على عبد الرحمن  فجلس إلى شهريران  ، وكان على مطر قباء  برد يمني أرضه حمراء ووشيه أسود . فتساءلا ، ثم إن شهريران  ، قال : أيها الأمير أتدري من أين جاء هذا الرجل ؟ هذا رجل بعثته نحو السد منذ سنتين ينظر ما حاله ومن  [ ص: 133 ] دونه ، وزودته مالا عظيما ، وكتبت له إلى من يليني وأهديت له ، وسألته أن يكتب له إلى من وراءه ، وزودته لكل ملك هدية ، ففعل ذلك بكل ملك بينه وبينه ، حتى انتهى إلى ذلك السد في ظهره ، فكتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه ، فبعث معه بازياره ومعه عقابه وأعطاه حريرة ، فلما انتهينا إذا جبلان ، بينهما سد مسدود حتى ارتفع على الجبلين ، وإن دون السد خندقا أشد سوادا من الليل لبعده فنظرت إلى ذلك كله وتفرست فيه ، ثم ذهبت لأنصرف ، فقال لي البازيار   : على رسلك أكافئك ؛ لأنه لا يلي ملك بعد ملك إلا تقرب إلى الله بأفضل ما عنده من الدنيا فيرمي به هذا اللهب ، قال : فشرح بضعة لحم معه وألقها في ذلك الهواء ، وانقضت عليها العقاب ، وقال : إن أدركتها قبل أن تقع فلا شيء ، فخرج عليه العقاب باللحم في مخالبيه ، فإذا قد لصق فيه ياقوتة فأعطانيها وها هي ذه ، فتناولها شهريران  فرآها حمراء ، فتناولها عبد الرحمن  ثم ردها ، فقال شهريران   : إن هذه لخير من هذا - يعني الباب - وايم الله لأنتم أحب إلي ملكة من آل كسرى  ، ولو كنت في سلطانهم ثم بلغهم خبرها لانتزعوها مني ، وايم الله لا يقوم لكم شيء ما وفيتم , أو وفى ملككم الأكبر . 
فأقبل عبد الرحمن  على الرسول ، وقال : ما حال السد وما شبهه ؟ فقال : مثل هذا الثوب الذي على مطر ، فقال مطر   : صدق والله الرجل لقد بعد ورأى ووصف صفة الحديد والصفر . 
فقال عبد الرحمن  لشهريران   : كم كانت قيمة هاتيك ؟ قال : مائة ألف في بلادي هذه ، وثلاثة آلاف ألف في تلك البلدان . 
وحدث سلام الترجمان  ، قال : لما رأى  الواثق بالله  كأن السد الذي  [ ص: 134 ] بناه ذو القرنين  قد فتح وجهني ، وقال لي : عاينه وجئني بخبره ، وضم إلي خمسين رجلا ، وزودنا ، وأعطانا مائتي بغل تحمل الزاد ، فشخصنا من سامراء  بكتابه إلى إسحاق  وهو بتفليس  ، فكتب لنا إسحاق  إلى صاحب السرير ، وكتب لنا صاحب السرير إلى ملك اللان  ، وكتب لنا ملك اللان  إلى فيلانشاه  ، وكتب لنا إلى ملك الخزر  ، فوجه معنا خمسة أدلاء ، فسرنا من عنده ستة وعشرين يوما ، ثم صرنا إلى أرض سوداء منتنة ، فكنا نشتم الخل ، فسرنا فيها عشرة أيام ، ثم صرنا إلى مدائن خراب ليس فيها أحد ، فسرنا فيها سبعة وعشرين يوما ، فسألنا الأدلاء عن تلك المدن ، فقالوا : هي التي كان يأجوج ومأجوج  يطرقونها فأخربوها . ثم صرنا إلى حصون عند السد بها قوم يتكلمون بالعربية والفارسية مسلمون يقرءون القرآن ، لهم مساجد وكتاتيب ، فسألونا ، فقلنا : نحن رسل أمير المؤمنين ، فأقبلوا يتعجبون ويقولون : أمير المؤمنين ؟ فنقول : نعم ، فقالوا : أشيخ هو أم شاب ؟ قلنا : شاب ، فقالوا : أين يكون ؟ فقلنا : بالعراق  بمدينة يقال لها سر من رأى  ، فقالوا : ما سمعنا بهذا قط . 
ثم صرنا إلى جبل أملس ليس عليه خضراء ، وإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة ذراع فرأينا عضادتين مبنيتين مما يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا ، الظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب ، وكله بناء بلبن من حديد مغيب في نحاس ، في سمك خمسين ذراعا ، قد ركب على العضادتين على كل واحدة بمقدار عشرة أذرع في عرض خمسة ، وفوق الدروند بناء بذلك اللبن الحديد إلى رأس الجبل ، وارتفاعه مدى البصر ، وفوق ذلك شرف حديد لها قرنان يلج كل واحد منهما إلى صاحبه ، وإذا باب حديد له مصراعان مغلقان عرضهما مائة ذراع في طول مائة ذراع في ثخانة خمسة أذرع ، وعليه قفل طوله سبعة أذرع في غلظ باع ، وفوقه بنحو قامتين غلق طوله  [ ص: 135 ] أكثر من طول القفل ، وقفيزاه كل واحد منهما ذراعان ، وعلى الغلق مفتاح معلق طوله ذراع ونصف ، في سلسلة طولها ثمانية أذرع ، وهي في حلقة كحلقة المنجنيق . 
ورئيس تلك الحصون يركب في كل جمعة في عشرة فوارس ، مع كل فارس مرزبة من حديد فيضربون القفل بتلك المرازب ثلاث ضربات ، يسمع من وراء الباب الضرب فيعلمون أن هناك حفظة ، ويعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا في الباب حدثا ، وإذا ضربوا القفل وضعوا آذانهم يتسمعون ، فيسمعون دويا كالرعد . 
وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير ، ومع الباب حصنان يكون مقدار كل واحد منهما مائتا ذراع ، في مائتي ذراع ، وعلى باب كل حصن شجرة ، وبين الحصنين عين عذبة ، وفي أحد الحصنين آلة بناء السد من قدور ومغارف وفضلة اللبن قد التصق بعضه ببعض من الصدأ ، وطول اللبنة ذراع ونصف في مثله في سمك شبر ، فسألنا أهل الموضع هل رأوا أحدا من يأجوج ومأجوج  ، فذكروا أنهم رأوا مرة أعدادا منهم فوق الشرف ، فهبت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم ، وكان مقدار الرجل منهم شبرا ونصفا ، فلما انصرفنا أخذ بنا الأدلاء ، إلى ناحية خراسان  ، فسرنا إليها حتى خرجنا خلف سمرقند  بتسعة فراسخ ، وكان أصحاب الحصون زودونا ما كفانا . 
ثم صرنا إلى عبد الله بن طاهر  ، قال سلام الترجمان   : فأخبرته خبرنا ، فوصلني بمائة ألف درهم ، ووصل كل رجل معي بخمس مائة درهم ، ووصلنا إلى سر من رأى  بعد خروجنا منها بثمانية وعشرين شهرا . قال مصنف كتاب " المسالك والممالك " : هكذا أملى علي سلام الترجمان   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					