التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون  الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين  
أسماء الفاعلين هنا أوصاف للمؤمنين من قوله : إن الله اشترى من المؤمنين  فكان أصلها الجر ، ولكنها قطعت عن الوصفية وجعلت أخبارا لمبتدأ محذوف هو ضمير الجمع اهتماما بهذه النعوت اهتماما أخرجها عن الوصفية إلى الخبرية ، ويسمى هذا الاستعمال نعتا مقطوعا ، وما هو بنعت اصطلاحي ولكنه نعت في المعنى . 
فـ التائبون مراد منه أنهم مفارقون للذنوب سواء كان ذلك من غير اقتراف ذنب يقتضي التوبة كما قال - تعالى : لقد تاب الله على النبيء والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه  الآية أم كان بعد اقترافه كقوله - تعالى : فإن يتوبوا يك خيرا لهم  بعد قوله :   [ ص: 41 ] ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم  الآية المتقدمة آنفا . وأول التوبة الإيمان لأنه إقلاع عن الشرك ، ثم يدخل منهم من كان له ذنب مع الإيمان وتاب منه . وبذلك فارق النعت المنعوت وهو المؤمنين 
و العابدون : المؤدون لما أوجب الله عليهم . 
و الحامدون : المعترفون لله - تعالى - بنعمه عليهم الشاكرون له . 
و السائحون : مشتق من السياحة . وهي السير في الأرض . والمراد به سير خاص محمود شرعا . وهو السفر الذي فيه قربة لله وامتثال لأمره ، مثل سفر الهجرة من دار الكفر أو السفر للحج أو السفر للجهاد . وحمله هنا على السفر للجهاد أنسب بالمقام وأشمل للمؤمنين المأمورين بالجهاد بخلاف الهجرة والحج . 
و الراكعون الساجدون    : هم الجامعون بينهما ، أي المصلون ، إذ الصلاة المفروضة لا تخلو من الركوع والسجود . 
و الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر     : الذين يدعون الناس إلى الهدى والرشاد وينهونهم عما ينكره الشرع ويأباه . وإنما ذكر الناهون عن المنكر بحرف العطف دون بقية الصفات ، وإن كان العطف وتركه في الأخبار ونحوها جائزين ، إلا أن المناسبة في عطف هذين دون غيرهما من الأوصاف أن الصفات المذكورة قبلها في قوله : الراكعون الساجدون  ظاهرة في استقلال بعضها عن بعض . ثم لما ذكر الراكعون الساجدون  علم أن المراد الجامعون بينهما ، أي المصلون بالنسبة إلى المسلمين . ولأن الموصوفين بالركوع والسجود ممن وعدهم الله في التوراة والإنجيل كانت صلاة بعضهم ركوعا فقط ، قال - تعالى - في شأن داود    - عليه السلام - وخر راكعا وأناب  ، وبعض الصلوات سجودا فقط كبعض صلاة النصارى ، قال - تعالى : يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين    . ولما جاء بعده الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر  وكانا صفتين مستقلتين عطفتا بالواو لئلا يتوهم اعتبار الجمع بينهما كالوصفين اللذين قبلهما وهما الراكعون الساجدون  فالواو هنا كالتي في قوله - تعالى : ثيبات وأبكارا  
 [ ص: 42 ] والحافظون لحدود الله     : صفة جامعة للعمل بالتكاليف الشرعية عند توجهها . وحقيقة الحفظ توخي بقاء الشيء في المكان الذي يراد كونه فيه رغبة صاحبه في بقائه ورعايته عن أن يضيع . ويطلق مجازا شائعا على ملازمة العمل بما يؤمر به على نحو ما أمر به وهو المراد هنا ، أي والحافظون لما عين الله لهم ، أي غير المضيعين لشيء من حدود الله . 
وأطلقت الحدود مجازا على الوصايا والأوامر . فالحدود تشمل العبادات والمعاملات لما تقدم في قوله - تعالى : تلك حدود الله فلا تعتدوها  في سورة البقرة . ولذلك ختمت بها هذه الأوصاف . وعطفت بالواو لئلا يوهم ترك العطف أنها مع التي قبلها صفتان متلازمتان معدودتان بعد صفة الأمر بالمعروف . 
وقال جمع من العلماء : إن الواو في قوله : والناهون عن المنكر  واو يكثر وقوعها في كلام العرب عند ذكر معدود ثامن ، وسموها واو الثمانية . قال ابن عطية    : ذكرها ابن خالويه  في مناظرته لأبي علي الفارسي  في معنى قوله - تعالى : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها    . وأنكرها أبو علي الفارسي    . وقال ابن هشام  في مغني اللبيب : " وذكرها جماعة من الأدباء كالحريري ،  ومن المفسرين كالثعلبي ،  وزعموا أن العرب إذا عدوا قالوا : ستة سبعة وثمانية ، إيذانا بأن السبعة عدد تام وأن ما بعدها عدد مستأنف ، واستدلوا بآيات إحداها سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم  إلى قوله - سبحانه - سبعة وثامنهم كلبهم    . ثم قال : الثانية آية الزمر إذ قيل فتحت في آية النار لأن أبواب جهنم سبعة وفتحت في آية الجنة إذ أبوابها ثمانية . ثم قال : الثالثة والناهون عن المنكر  فإنه الوصف الثامن . ثم قال : والرابعة : وأبكارا في آية التحريم ذكرها القاضي الفاضل  وتبجح باستخراجها وقد سبقه إلى ذكرها الثعلبي    . . . وأما قول الثعلبي    : أن منها الواو في قوله - تعالى : سبع ليال وثمانية أيام حسوما  فسهو بين وإنما هذه واو العطف " اهـ . وأطال في خلال كلامه بردود ونقوض . 
وقال ابن عطية  وحدثني أبي عن الأستاذ النحوي أبي عبد الله الكفيف المالقي  وأنه قال : هي لغة فصيحة لبعض العرب من شأنهم أن يقولوا إذا عدوا : واحد ، اثنان ،   [ ص: 43 ] ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، تسعة ، عشرة ، فهكذا هي لغتهم . ومتى جاء في كلامهم أمر ثمانية أدخلوا الواو اهـ . 
وقال القرطبي    : هي لغة قريش    . 
وأقول : كثر الخوض في هذا المعنى للواو إثباتا ونفيا ، وتوجيها ونقضا . والوجه عندي أنه استعمال ثابت ، فأما في المعدود الثامن فقد اطرد في الآيات القرآنية المستدل بها . ولا يريبك أن بعض المقترن بالواو فيها ليس بثامن في العدة لأن العبرة بكونه ثامنا في الذكر لا في الرتبة . 
وأما اقتران الواو بالأمر الذي فيه معنى الثامن كما قالوا في قوله - تعالى : وفتحت أبوابها    . فإن مجيء الواو لكون أبواب الجنة ثمانية ، فلا أحسبه إلا نكتة لطيفة جاءت اتفاقية . وسيجيء هذا عند قوله - تعالى - في سورة الزمر حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها  
وجملة وبشر المؤمنين  عطف على جملة إن الله اشترى من المؤمنين  عطف إنشاء على خبر . ومما حسنه أن المقصود من الخبر المعطوف عليه العمل به فأشبه الأمر . والمقصود من الأمر بتبشيرهم إبلاغهم فكان كلتا الجملتين مرادا منها معنيان خبري وإنشائي . فالمراد بالمؤمنين هم المؤمنون المعهودون من قوله : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم  
والبشارة تقدمت مرارا . 
				
						
						
