[ ص: 158 ] فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون   
الفاء للتفريع على الإنكار الذي في قوله : أفلا تتقون  ، فالمفرع من جملة المقول . 
واسم الإشارة عائد إلى اسم الجلالة للتنبيه على أن المشار إليه جدير بالحكم الذي سيذكر بعد اسم الإشارة من أجل الأوصاف المتقدمة على اسم الإشارة وهي كونه الرازق ، الواهب الإدراك ، الخالق ، المدبر ; لأن اسم الإشارة قد جمعها . وأومأ إلى أن الحكم الذي يأتي بعده معلل بمجموعها . واسم الجلالة بيان لاسم الإشارة لزيادة الإيضاح تعريضا بقوة خطئهم وضلالهم في الإلهية . و ربكم خبر . و الحق صفة له . وتقدم الوصف بالحق آنفا في الآية مثل هذه . 
والفاء في قوله : فماذا بعد الحق إلا الضلال  تفريع للاستفهام الإنكاري على الاستنتاج الواقع بعد الدليل ، فهو تفريع على تفريع وتقريع بعد تقريع . 
و ماذا مركب من ما الاستفهامية و ذا الذي هو اسم إشارة . وهو يقع بعد ما الاستفهامية كثيرا . وأحسن الوجوه أنه بعد الاستفهام مزيد لمجرد التأكيد . ويعبر عن زيادته بأنه ملغى تجنبا من إلزام أن يكون الاسم مزيدا كما هنا . وقد يفيد معنى الموصولية كما تقدم في قوله - تعالى : ماذا أراد الله بهذا مثلا  في سورة البقرة . وانظر ما يأتي عند قوله : ماذا يستعجل منه المجرمون  في هذه السورة . 
والاستفهام هنا إنكاري في معنى النفي ، ولذلك وقع بعده الاستثناء في قوله : إلا الضلال  
و بعد هنا مستعملة في معنى غير باعتبار أن المغاير يحصل إثر مغايرة وعند انتفائه . 
فالمعنى : ما الذي يكون إثر انتفاء الحق . 
ولما كان الاستفهام ليس على حقيقته لأنه لا تردد في المستفهم عنه تعين أنه إنكار وإبطال فلذا وقع الاستثناء منه بقوله : إلا الضلال    . فالمعنى لا يكون إثر انتفاء الحق   [ ص: 159 ] إلا الضلال إذ لا واسطة بينهما . فلما كان الله هو الرب الحق تعين أن غيره مما نسبت إليه الإلهية باطل . وعبر عن الباطل بالضلال لأن الضلال أشنع أنواع الباطل . 
والفاء في فأنى تصرفون  للتفريع أيضا ، أي لتفريع التصريح بالتوبيخ على الإنكار والإبطال . 
و أنى استفهام عن المكان ، أي إلى مكان تصرفكم عقولكم . وهو مكان اعتباري ، أي أنكم في ضلال وعماية كمن ضل عن الطريق ولا يجد إلا من ينعت له طريقا غير موصلة فهو يصرف من ضلال إلى ضلال . قال ابن عطية : وعبارة القرآن في سوق هذه المعاني تفوق كل تفسير براعة وإيجازا ووضوحا . 
وقد اشتملت هذه الآيات على تسع فاءات من قوله : فسيقولون الله    : الأولى جوابية ، والثانية فصيحة ، والبواقي تفريعية . 
				
						
						
