ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار   مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء  
عطف على الجمل السابقة ، وله اتصال بجملة قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار  الذي هو وعيد للمشركين ، وإنذار لهم بأن لا يغتروا بسلامتهم وأمنهم ; تنبيها لهم على أن ذلك متاع قليل زائل ، فأكد ذلك الوعيد بهذه الآية ، مع إدماج تسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ما يتطاولون به من النعمة والدعة ، كما دل عليه التفريع في قوله فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله  ، وفي معنى الآية قوله وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا    . 
وباعتبار ما فيه من زيادة معنى التسلية وما انضم إليه من وصف فظاعة حال المشركين يوم الحشر  حسن اقتران هذه الجملة بالعاطف ولم تفصل . 
وصيغة " لا تحسبن " ظاهرها نهي عن حسبان ذلك ، وهذا النهي كناية عن إثبات وتحقيق ضد المنهي عنه في المقام الذي من شأنه أن يثير للناس ظن وقوع المنهي عنه لقوة الأسباب المثيرة لذلك ، وذلك أن إمهالهم وتأخير   [ ص: 246 ] عقوبتهم يشبه حالة الغافل عن أعمالهم ، أي : تحقق أن الله ليس بغافل ، وهو كناية ثانية عن لازم عدم الغفلة وهو المؤاخذة ، فهو كناية بمرتبتين ، ذلك ;لأن النهي عن الشيء يؤذن بأن المنهي عنه بحيث يتلبس به المخاطب ، فنهيه عنه تحذير من التلبس به بقطع النظر عن تقدير تلبس المخاطب بذلك الحسبان ، وعلى هذا الاستعمال جاءت الآية سواء جعلنا الخطاب لكل من يصح أن يخاطب فيدخل فيه النبيء - صلى الله عليه وسلم - أم جعلناه للنبي ابتداء ويدخل فيه أمته . 
ونفي الغفلة عن الله ليس جاريا على صريح معناه ; لأن ذلك لا يظنه مؤمن ، بل هو كناية عن النهي عن استعجال العذاب للظالمين ، ومنه جاء معنى التسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - . 
والغفلة : الذهول ، وتقدم في قوله تعالى وإن كنا عن دراستهم لغافلين  في سورة الأنعام . 
والمراد بالظلم هنا : الشرك ; لأنه ظلم للنفس بإيقاعها في سبب العذاب المؤلم ، وظلم لله بالاعتداء على ما يجب له من الاعتراف بالوحدانية ، ويشمل ذلك ما كان من الظلم دون الشرك مثل ظلم الناس بالاعتداء عليهم أو حرمانهم حقوقهم فإن الله غير غافل عن ذلك ، ولذلك قال  سفيان بن عيينة    : هي تسلية للمظلوم وتهديد للظالم . 
وقوله فيه الأبصار مبينة لجملة ولا تحسبن الله غافلا  الخ . 
وشخوص البصر : ارتفاعه كنظر المبهوت الخائف . 
و ( أل ) في الأبصار للعموم ، أي : تشخص فيه أبصار الناس من هول ما يرون ، ومن جملة ذلك مشاهدة هول أحوال الظالمين . 
والإهطاع : إسراع المشي مع مد العنق كالمتختل ، وهي هيئة الخائف . 
وإقناع الرأس : طأطأته من الذل ، وهو مشتق من قنع من باب منع إذا تذلل ، و مهطعين مقنعي رءوسهم  حالان . 
 [ ص: 247 ] وجملة لا يرتد إليهم طرفهم  في موضع الحال أيضا ، والطرف : تحرك جفن العين . 
ومعنى لا يرتد إليهم  لا يرجع إليهم ، أي : لا يعود إلى معتاده ، أي : لا يستطيعون تحويله . فهو كناية عن هول ما شاهدوه بحيث يبقون ناظرين إليه لا تطرف أعينهم . 
وقوله وأفئدتهم هواء  تشبيه بليغ ، إذ هي كالهواء في الخلو من الإدراك لشدة الهول ، والهواء في كلام العرب : الخلاء ، وليس هو المعنى المصطلح عليه في علم الطب وعلم الهيئة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					