[ ص: 290 ] إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون   هذا رد لقولهم إنما أنت مفتر  بقلب ما زعموه عليهم ، كما كان قوله تعالى لسان الذي يلحدون إليه أعجمي  جوابا عن قولهم إنما يعلمه بشر  ، فبعد أن نزه القرآن عن أن يكون مفترى ، والمنزل عليه عن أن يكون مفتريا ، ثني العنان لبيان من هو المفتري ، وهذا من طريقة القلب في الحال . 
ووجه مناسبة ذكره هنا أن قولهم إنما يعلمه بشر  يستلزم تكذيب النبيء صلى الله عليه وسلم في أن ما جاء به منزل إليه من عند الله ، فصاروا بهذا الاعتبار يؤكدون بمضمونه قولهم إنما أنت مفتر  يؤكد أحد القولين القول الآخر ، فلما رد قولهم إنما أنت مفتر  بقوله بل أكثرهم لا يعلمون  قل نزله روح القدس من ربك بالحق  ، وردت مقالتهم الأخرى في صريحها بقوله لسان الذي يلحدون إليه أعجمي  ، ورد مضمونها هنا بقوله إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون  الآية ، حاصلا به رد نظيرها أعني قولهم إنما أنت مفتر  بكلام أبلغ من كلامهم ; لأنهم أتوا في قولهم إنما أنت مفتر  بصيغة قصر هي أبلغ مما قالوه ; لأن قولهم إنما أنت مفتر  قصر للمخاطب على صفة الافتراء الدائمة ؛ إذ الجملة الاسمية تقتضي الثبات والدوام ، فرد عليهم بصيغة تقصرهم على الافتراء المتكرر المتجدد ؛ إذ المضارع يدل على التجدد . 
وأكد فعل الافتراء بمفعوله الذي هو بمعنى المفعول المطلق ; لكونه آيلا إليه المعنى . 
وعرف الكذب بأداة تعريف الجنس الدالة على تميز ماهية الجنس واستحضارها ، فإن تعريف اسم الجنس أقوى من تنكيره ، كما تقدم في قوله تعالى الحمد لله رب العالمين . 
 [ ص: 291 ] وعبر عن المقصور عليهم باسم الموصول دون أن يذكر ضميرهم فيقال : إنما يفتري الكذب أنتم ; ليفيد اشتهارهم بمضمون الصلة ، ولأن للصلة أثرا في افترائهم ، لما تفيده الموصولية من الإيماء إلى وجه بناء الخبر . 
وعليه فإن من لا يؤمن بالدلائل الواضحة التي هي آيات صدق لا يسعه إلا الافتراء ; لترويج تكذيبه بالدلائل الواضحة ، وفي هذا كناية عن كون تكذيبهم بآيات الله عن مكابرة لا عن شبهة . 
ثم أردفت جملة القصر بجملة قصر أخرى بطريق ضمير الفصل وطريق تعريف المسند وهي جملة ( وأولئك هم الكاذبون ) . 
وافتتحت باسم الإشارة ، بعد إجراء وصف انتفاء الإيمان بآيات الله عنهم ; لينبه على أن المشار إليهم جديرون بما يرد من الخبر بعد اسم الإشارة ، وهو قصرهم على الكذب ; لأن من لا يؤمن بآيات الله يتخذ الكذب ديدنا له متجددا . 
وجعل المسند في هذه الجملة معرفا باللام ; ليفيد أن جنس الكاذبين اتحد بهم ، وصار منحصرا فيهم ، أي الذين تعرف أنهم طائفة الكاذبين هم هؤلاء ، وهذا يئول إلى معنى قصر جنس المسند على المسند إليه ، فيحصل قصران في هذه الجملة : قصر موصوف على صفة ، وقصر تلك الصفة على ذلك الموصوف ، والقصران الأولان الحاصلان من قوله إنما يفتري  وقوله ( وأولئك هم ) إضافيان ، أي لا غيرهم الذي رموه بالافتراء وهو محاشى منه ، والثالث أولئك هم الكاذبون قصر حقيقي ادعائي للمبالغة ، إذ نزل بلوغ الجنس فيهم مبلغا قويا منزلة انحصاره فيهم . 
واختير في الصلة صيغة لا يؤمنون دون : لم يؤمنوا ; لتكون على وزان ما عرفوا به سابقا في قوله إن الذين لا يؤمنون بآيات الله  ، ولما في المضارع من الدلالة على أنهم مستمرون على انتفاء الإيمان ، لا يثبت لهم ضد ذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					