قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى   قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى    . 
تقدمت هذه القصة ومعانيها في سورة الأعراف سوى أن الأولية هنا مصرح بها في أحد الشقين . فكانت صريحة في أن التخيير يتسلط على   [ ص: 258 ] الأولية في الإلقاء ، وسوى أنه صرح هنا بأن السحر الذي ألقوه كان بتخييل أن حبالهم وعصيهم ثعابين تسعى ؛ لأنها لا يشبهها في شكلها من أنواع الحيوان سوى الحيات والثعابين . 
والمفاجأة المستفادة من " إذا " دلت على أنهم أعدوها للإلقاء وكانوا يخشون أن يمر زمان تزول به خاصياتها فلذلك أسرعوا بإلقائها . 
وقرأ الجمهور ( يخيل ) بتحتية في أول الفعل على أن فاعله المصدر من قوله ( أنها تسعى    ) . وقرأه ابن ذكوان  عن ابن عامر ،  وروح  عن يعقوب    ( تخيل 5 ) بفوقية في أوله على أن الفعل رافع لضمير ( حبالهم وعصيهم    ) ، أي هي تخيل إليه . 
و ( أنها تسعى    ) بدل من الضمير المستتر بدل اشتمال . 
وهذا التخييل الذي وجده موسى  من سحر السحرة هو أثر عقاقير يشربونها تلك الحبال والعصي ، وتكون الحبال من صنف خاص ، والعصي من أعواد خاصة فيها فاعلية لتلك العقاقير ، فإذا لاقت شعاع الشمس اضطربت تلك العقاقير فتحركت الحبال والعصي . قيل : وضعوا فيها طلاء الزئبق . وليس التخييل لموسى  من تأثير السحر  في نفسه لأن نفس الرسول لا تتأثر بالأوهام ، ويجوز أن تتأثر بالمؤثرات التي يتأثر منها الجسد كالمرض ، ولذلك وجب تأويل ظاهر حديث  هشام بن عروة  عن أبيه عن عائشة  في سحر النبيء    - صلى الله عليه وسلم - وأخبار الآحاد لا تنقض القواطع . وليس هذا محل ذكره وقد حققته في كتابي المسمى النظر الفسيح على صحيح  البخاري    . 
و ( من ) في قوله ( من سحرهم    ) للسببية كما في قوله تعالى ( مما خطيئاتهم أغرقوا    ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					