ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون   عطف على جملة يريد الله بكم اليسر  إلخ ؛ إذ هي في موقع العلة كما علمت ؛ فإن مجموع هذه الجمل الأربع تعليل لما قبلها من قوله : فمن شهد منكم الشهر  إلى قوله : فعدة من أيام أخر  ، واللام في قوله : ( ولتكبروا ) تسمى شبه الزائدة ، وهي اللام التي يكثر وقوعها بعد فعل الإرادة وفعل الأمر ؛ أي : مادة أمر ؛ اللذين مفعولهما أن المصدرية مع فعلها ، فحق ذلك   [ ص: 176 ] المفعول أن يتعدى إليه فعل الإرادة وفعل مادة الأمر بنفسه دون حرف الجر ، ولكن كثر في الكلام تعديته باللام نحو قوله تعالى : يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم  قال في الكشاف : أصله يريدون أن يطفئوا ، ومنه قوله تعالى : وأمرت لأن أكون أول المسلمين  والفعل الذي بعد اللام منصوب بأن ظاهرة أو مقدرة . 
والمعنى : يريد الله أن تكملوا العدة ، وأن تكبروا الله ، وإكمال العدة يحصل بقضاء الأيام التي أفطرها من وجب عليه الصوم ليأتي بعدة أيام شهر رمضان كاملة ، فإن في تلك العدة حكمة تجب المحافظة عليها ، فبالقضاء حصلت حكمة التشريع وبرخصة الإفطار لصاحب العذر حصلت رحمة التخفيف . 
وقرأ الجمهور : ( ولتكملوا ) بسكون الكاف وتخفيف الميم مضارع أكمل ، وقرأه أبو بكر  ، عن عاصم  ويعقوب  بفتح الكاف وتشديد الميم مضارع كمل . 
وقوله : ولتكبروا الله على ما هداكم  عطف على قوله : ولتكملوا العدة  ، وهذا يتضمن تعليلا ، وهو في معنى علة غير متضمنة لحكمة ، ولكنها متضمنة لمقصد إرادة الله تعالى ، وهو أن يكبروه . 
والتكبير تفعيل مراد به النسبة والتوصيف ؛ أي : أن تنسبوا الله إلى الكبر ، والنسبة هنا نسبة بالقول اللساني ، والكبر هنا كبر معنوي لا جسمي فهو العظمة والجلال والتنزيه عن النقائص كلها ؛ أي : لتصفوا الله بالعظمة ، وذلك بأن تقولوا : الله أكبر ، فالتفعيل هنا مأخوذ من فعل المنحوت من قول يقوله ، مثل قولهم : بسمل وحمدل وهلل ، وقد تقدم عند الكلام على البسملة ؛ أي : لتقولوا : الله أكبر ، وهي جملة تدل على أن الله أعظم من كل عظيم في الواقع كالحكماء والملوك والسادة والقادة ، ومن كل عظيم في الاعتقاد كالآلهة الباطلة ، وإثبات الأعظمية لله في كلمة ( الله أكبر ) كناية عن وحدانيته بالإلهية ؛ لأن التفضيل يستلزم نقصان من عداه والناقص غير مستحق للإلهية ؛ لأن حقيقتها لا تلاقي شيئا من النقص ، ولذلك شرع التكبير في الصلاة لإبطال ما كانوا يتقربون به إلى أصنامهم ، وكذلك شرع التكبير عند انتهاء الصيام بهذه الآية ، فمن أجل ذلك مضت السنة بأن يكبر المسلمون عند الخروج إلى صلاة العيد  ، ويكبر الإمام في خطبة العيد    . 
 [ ص: 177 ] وفي لفظ التكبير عند انتهاء الصيام  خصوصية جليلة وهي أن المشركين كانوا يتزلفون إلى آلهتهم بالأكل والتلطيخ بالدماء ، فكان لقول المسلم : الله أكبر ، إشارة إلى أن الله يعبد بالصوم وأنه متنزه عن ضراوة الأصنام . 
وقوله : ( ولعلكم تشكرون    ) تعليل آخر ، وهو أعم من مضمون جملة ولتكبروا الله على ما هداكم  فإن التكبير تعظيم يتضمن شكرا والشكر أعم ؛ لأنه يكون بالأقوال التي فيها تعظيم لله تعالى ، ويكون بفعل القرب من الصدقات في أيام الصيام وأيام الفطر ، ومن مظاهر الشكر لبس أحسن الثياب يوم الفطر    . 
وقد دلت الآية على الأمر بالتكبير ؛ إذ جعلته مما يريده الله ، وهو غير مفصل في لفظ التكبير ، ومجمل في وقت التكبير وعدده ، وقد بينت السنة القولية والفعلية ذلك على اختلاف بين الفقهاء في الأحوال . 
فأما لفظ التكبير فظاهر الآية أنه كل قول فيه لفظ الله أكبر  ، والمشهور في السنة أنه يكرر الله أكبر ثلاثا ، وبهذا أخذ مالك  وأبو حنيفة   والشافعي  ، وقال مالك   والشافعي    : إذا شاء المرء زاد على التكبير تهليلا وتحميدا فهو حسن ولا يترك الله أكبر ، فإذا أراد الزيادة على التكبير كبر مرتين ثم قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، وهو قول  ابن عمر   وابن عباس  ، وقال أحمد    : هو واسع ، وقال أبو حنيفة    : لا يجزئ غير ثلاث تكبيرات . 
وأما وقته : فتكبير الفطر يبتدئ من وقت خروج المصلي من بيته  إلى محل الصلاة ، وكذلك الإمام ومن خرج معه ، فإذا بلغ محل الصلاة قطع التكبير ، ويسن في أول كل ركعة من ركعتي صلاة العيد افتتاح الأولى بسبع تكبيرات والثانية بست  ، هذا هو الأصح مما ثبت في الأخبار وعمل به أهل المدينة   من عهد النبيء صلى الله عليه وسلم فما بعده وتلقاه جمهور علماء الأمصار ، وفيه خلاف كثير لا فائدة في التطويل بذكره والأمر واسع ، ثم يكبر الإمام في خطبة صلاة العيد  بعد الصلاة ويكبر معه المصلون حين تكبيره وينصتون للخطبة فيما سوى التكبير . 
وقال  ابن عباس   وسعيد بن المسيب   وعروة بن الزبير   والشافعي    : يكبر الناس من وقت استهلال هلال الفطر إلى انقضاء صلاة العيد ثم ينقطع التكبير ، هذا كله في الفطر ، فهو مورد الآية التي نحن بصدد تفسيرها . 
 [ ص: 178 ] فأما في الأضحى فيزاد على ما يذكر في الفطر التكبير عقب الصلوات المفروضة من صلاة الظهر من يوم الأضحى إلى صلاة الصبح من اليوم الرابع منه  ، ويأتي تفصيله في تفسير قوله تعالى : واذكروا الله في أيام معدودات    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					