وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين     . 
جملة ( وقاتلوا ) معطوفة على جملة وليس البر  إلخ ، وهو استطراد دعا إليه استعداد   [ ص: 200 ] النبيء صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء سنة ست ، وتوقع المسلمين غدر المشركين بالعهد ، وهو قتال متوقع لقصد الدفاع لقوله : الذين يقاتلونكم  وهذه الآية أول آية نزلت في القتال  ، وعن  أبي بكر الصديق  أول آية نزلت في الأمر بالقتال قوله تعالى : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا  في سورة الحج ورجحه ابن العربي  بأنها مكية وآية سورة البقرة مدنية ، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله أرسل  عثمان بن عفان  إلى أهل مكة   ، فأرجف بأنهم قتلوه ، فبايع الناس الرسول على الموت في قتال العدو ثم انكشف الأمر عن سلامة عثمان    . 
ونزول هذه الآيات عقب الآيات التي أشارت إلى الإحرام بالعمرة والتي نراها نزلت في شأن الخروج إلى الحديبية ،  ينبئ بأن المشركين كانوا قد أضمروا صد النبيء صلى الله عليه وسلم والمسلمين ثم أعرضوا عن ذلك لما رأوا تهيؤ المسلمين لقتالهم ، فقوله تعالى : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام  إرشاد للمسلمين بما فيه صلاح لهم يومئذ ، ألا ترى أنه لما انقضت الآيات المتكلمة عن القتال عاد الكلام إلى الغرض الذي فارقته ، وذلك قوله : وأتموا الحج والعمرة لله  الآيات ، على أنه قد وقع في صلح الحديبية  ضرب مدة بين المسلمين والمشركين لا يقاتل فريق منهم الآخر ، فخاف المسلمون عام عمرة القضاء أن يغدر بهم المشركون إذا حلوا ببلدهم وألا يفوا لهم فيصدوهم عن العمرة ، فأمروا بقتالهم إن هم فعلوا ذلك . 
وهذا إذن في قتال الدفاع لدفع هجوم العدو ثم نزلت بعدها آية " براءة " وقاتلوا المشركين كافة  ناسخة لمفهوم هذه الآية عند من يرى نسخ المفهوم ولا يرى الزيادة على النص نسخا ، وهي أيضا ناسخة لها عند من يرى الزيادة على النص نسخا ولا يرى نسخ المفهوم ، وهي وإن نزلت لسبب خاص فهي عامة في كل حال يبادئ المشركون فيه المسلمين بالقتال ؛ لأن السبب لا يخصص ، وعن  ابن عباس   وعمر بن عبد العزيز  ومجاهد  أن هاته الآية محكمة لم تنسخ ؛ لأن المراد بالذين يقاتلونكم الذين هم متهيئون لقتالكم ؛ أي : لا تقاتلوا الشيوخ والنساء والصبيان ؛ أي : القيد لإخراج طائفة من المقاتلين لا لإخراج المحاجزين ، وقيل : المراد الكفار كلهم ، فإنهم بصدد أن يقاتلوا . ذكره في الكشاف ؛ أي : ففعل " يقاتلونكم " مستعمل في مقارفة الفعل والتهيؤ له كما تقدم في قوله تعالى : إن ترك خيرا  
والمقاتلة مفاعلة وهي حصول الفعل من جانبين ، ولما كان فعلها وهو القتل لا يمكن حصوله من جانبين ؛ لأن أحد الجانبين إذا قتل لم يستطع أن يقتل كانت المفاعلة في هذه المادة   [ ص: 201 ] بمعنى مفاعلة أسباب القتل ؛ أي : المحاربة ، فقوله : ( وقاتلوا ) بمعنى وحاربوا ، والقتال الحرب بجميع أحوالها من هجوم ومنع سبل وحصار وإغارة واستيلاء على بلاد أو حصون . 
وإذا أسندت المفاعلة إلى أحد فاعليها فالمقصود أنه هو المبتدئ بالفعل ، ولهذا قال تعالى : وقاتلوا في سبيل الله  فجعل فاعل المفاعلة المسلمين ، ثم قال الذين يقاتلونكم  فجعل فاعله ضمير عدوهم ، فلزم أن يكون المراد دافعوا الذين يبتدئونكم . 
والمراد بالمبادأة دلائل القصد للحرب بحيث يتبين المسلمون أن الأعداء خرجوا لحربهم ، وليس المراد حتى يضربوا ويهجموا ؛ لأن تلك الحالة قد يفوت على المسلمين تداركها ، وهذا الحكم عام في الأشخاص لا محالة ، وعموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأمكنة والأزمنة على رأي المحققين ، أو هو مطلق في الأحوال والأزمنة والبقاع ، ولهذا قال تعالى بعد ذلك : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه  تخصيصا أو تقييدا ببعض البقاع . 
فقوله : ( ولا تعتدوا ) أي : لا تبتدئوا بالقتال ، وقوله : إن الله لا يحب المعتدين   تحذير من الاعتداء ؛ وذلك مسالمة للعدو واستبقاء لهم وإمهال حتى يجيئوا مؤمنين ، وقيل : أراد ولا تعتدوا في القتال إن قاتلتم ، ففسر الاعتداء بوجوه كثيرة ترجع إلى تجاوز أحكام الحرب ، والاعتداء الابتداء بالظلم ، وتقدم عند قوله تعالى : فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم  آنفا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					