[ ص: 122 ] ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور   
عطف على جملة ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل  ، وموقع هذه الجملة موقع الاعتراض بين جملة إنما السبيل على الذين يظلمون الناس  وجملة ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده    . 
وهذه الجملة تفيد بيان مزية المؤمنين الذين تحملوا الأذى من المشركين وصبروا عليه ولم يؤاخذوا به من آمن ممن آذوهم مثل أخت  عمر بن الخطاب  قبل إسلامه ، ومثل صهره  سعيد بن زيد  فقد قال لقد رأيتني وإن عمر  لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر  ، فكان في صبر سعيد  خير دخل به عمر  في الإسلام ، ومزية المؤمنين الذين يصبرون على ظلم إخوانهم ويغفرون لهم فلا ينتصفون منهم ولا يستعدون عليهم على نحو ما تقدم في مسألة التحلل عند قوله تعالى : فمن عفا وأصلح فأجره على الله    . 
واللام الداخلة على ( من ) لام ابتداء و ( من ) موصولة . وجملة إن ذلك لمن عزم الأمور  خبر عن ( من ) الموصولة ، ولام لمن عزم الأمور  لام الابتداء التي تدخل على خبر ( إن ) وهي من لامات الابتداء . 
وقد اشتمل هذا الخبر على أربعة مؤكدات هي : اللام ، وإن ، ولام الابتداء ، والوصف بالمصدر في قوله : عزم الأمور  تنويها بمضمونه ، وزيد تنويها باسم الإشارة في قوله : ( إن ذلك ) فصار فيه خمسة اهتمامات . 
والعزم : عقد النية على العمل والثبات على ذلك ، والوصف بالعزم مشعر بمدح الموصوف لأن شأن الفضائل أن يكون عملها عسيرا على النفوس لأنها تعاكس الشهوات ، ومن ثم وصف أفضل الرسل بأولي العزم . 
والأمور : جمع أمر . والمراد به هنا : الخلال والصفات ، وإضافة عزم إلى الأمور من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي من الأمور العزم . 
ووصف الأمور بـ ( العزم ) من الوصف بالمصدر للمبالغة في تحقق المعنى فيها ،   [ ص: 123 ] وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل ، أي الأمور العازمة العازم أصحابها مجازا عقليا . 
والإشارة بـ ( ذلك ) إلى الصبر والغفران المأخوذين من صبر وغفر والمتحملين لضمير ( من ) الموصولة فيكون صوغ المصدر مناسبا لما معه من ضمير ، والتقدير : إن صبره وغفره لمن عزم الأمور . 
وهذا ترغيب في العفو والصبر على الأذى وذلك بين الأمة الإسلامية ظاهر ، وأما مع الكافرين فتعتريه أحوال تختلف بها أحكام الغفران ، وملاكها أن تترجح المصلحة في العفو أو في المؤاخذة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					