الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم   
صدر التحريض على القتال  بتوطئة لبيان غضب الله على الكافرين لكفرهم وصدهم الناس عن دين الله وتحقير أمرهم عند الله ؛ ليكون ذلك مثيرا في نفوس المسلمين حنقا عليهم وكراهية فتثور فيهم همة الإقدام على قتال الكافرين ، وعدم الاكتراث بما هم فيه من قوة ، حين يعلمون أن الله يخذل المشركين وينصر المؤمنين ، فهذا تمهيد لقوله فإذا لقيتم الذين كفروا    . 
 [ ص: 73 ] وفي الابتداء بالموصول والصلة المتضمنة كفر الذين كفروا ومناوأتهم لدين الله - تشويق لما يرد بعده من الحكم المناسب للصلة ، وإيماء بالموصول وصلته إلى علة الحكم عليه بالخبر ، أي لأجل كفرهم وصدهم ، وبراعة استهلال للغرض المقصود . 
والكفر : الإشراك بالله كما هو مصطلح القرآن حيثما أطلق الكفر مجردا عن قرينة إرادة غير المشركين . 
وقد اشتملت هذه الجملة على ثلاثة أوصاف للمشركين . وهي : الكفر ، والصد عن سبيل الله ، وضلال الأعمال الناشئ عن إضلال الله إياهم . 
والصد عن السبيل : هو صرف الناس عن متابعة دين الإسلام ، وصرفهم أنفسهم عن سماع دعوة الإسلام بطريق الأولى . 
وأضيف السبيل إلى الله لأنه الدين الذي ارتضاه الله لعباده إن الدين عند الله الإسلام    . واستعير اسم السبيل للدين لأن الدين يوصل إلى رضا الله كما يوصل السبيل السائر فيه إلى بغيته . 
ومن الصد عن سبيل الله  صدهم المسلمين عن المسجد الحرام  قال تعالى ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام    . 
ومن الصد عن المسجد الحرام    : إخراجهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين من مكة ،  وصدهم عن العمرة عام الحديبية    . 
ومن الصد عن سبيل الله : إطعامهم الناس يوم بدر  ليثبتوا معهم ويكثروا حولهم ، فلذلك قيل : إن الآية نزلت في المطعمين يوم بدر  وكانوا اثني عشر رجلا من سادة المشركين من قريش    . وهم : أبو جهل ،  وعتبة بن ربيعة ،  وشيبة بن ربيعة ،  وأبي بن خلف ،  وأمية بن خلف ،  ونبيه بن الحجاج ،  ومنبه بن الحجاج ،  وأبو البختري بن هشام ،   والحارث بن هشام ،  وزمعة بن الأسود ،   والحارث بن عامر بن نوفل ،   وحكيم بن حزام ،  وهذا الأخير أسلم من بعد ، وصار من خيرة الصحابة . 
وعد منهم  صفوان بن أمية ،  وسهل بن عمرو ،  ومقيس الجمحي ،  والعباس بن   [ ص: 74 ] عبد المطلب ،   وأبو سفيان بن حرب ،  وهذان أسلما وحسن إسلامهما وفي الثلاثة الآخرين خلاف . 
ومن الصد عن سبيل الله صدهم الناس عن سماع القرآن وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون    . 
والإضلال : الإبطال والإضاعة ، وهو يرجع إلى الضلال . وأصله الخطأ للطريق المسلوك للوصول إلى مكان يراد وهو يستلزم المعاني الأخر . 
وهذا اللفظ رشيق الموقع هنا لأن الله أبطل أعمالهم التي تبدو حسنة ، فلم يثبهم عليها من صلة رحم ، وإطعام جائع ، ونحوهما ، ولأن من إضلال أعمالهم أن كان غالب أعمالهم عبثا وسيئا ولأن من إضلال أعمالهم أن الله خيب سعيهم فلم يحصلوا منه على طائل فانهزموا يوم بدر  وذهب إطعامهم الجيش باطلا ، وأفسد تدبيرهم وكيدهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم يشفوا غليلهم يوم أحد ،  ثم توالت انهزاماتهم في المواقع كلها قال - تعالى - إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					