فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله  قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون  ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين    . 
آذن شرط " لما " بجمل محذوفة ، تقديرها : فولد عيسى ،  وكلم الناس في المهد بما أخبرت به الملائكة مريم ،  وكلم الناس بالرسالة . وأراهم الآيات الموعود بها ، ودعاهم إلى التصديق به وطاعته ، فكفروا به ، فلما أحس منهم الكفر قال . إلى آخره . أي أحس الكفر من جماعة من الذين خاطبهم بدعوته في قوله وأطيعون أي   [ ص: 255 ] سمع تكذيبهم إياه وأخبر بتمالئهم عليه . و " منهم " متعلق بـ " أحس " . وضمير " منهم " عائد إلى معلوم من المقام يفسره وصف الكفر . 
وطلب النصر لإظهار الدعوة لله  ، موقف من مواقف الرسل ، فقد أخبر الله عن نوح  فدعا ربه أني مغلوب فانتصر  وقال موسى    : واجعل لي وزيرا من أهلي  وقد عرض النبيء - صلى الله عليه وسلم - نفسه على قبائل العرب لينصروه حتى يبلغ دعوة ربه . 
وقوله : قال من أنصاري إلى الله  لعله قاله في ملإ بني إسرائيل  إبلاغا للدعوة ، وقطعا للمعذرة . والنصر يشمل إعلان الدين والدعوة إليه . ووصل وصف أنصاري بـ " إلى " إما على تضمين صفة أنصار معنى الضم أي من ضامون نصرهم إياي إلى نصر الله إياي ، الذي وعدني به ; إذ لابد لحصول النصر من تحصيل سببه كما هي سنة الله : قال تعالى : إن تنصروا الله ينصركم  على نحو قوله تعالى : ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم  أي ضاميها فهو ظرف لغو ، وإما على جعله حالا من ياء المتكلم والمعنى : في حال ذهابي إلى الله ، أي إلى تبليغ شريعته ، فيكون المجرور ظرفا مستقرا . وعلى كلا الوجهين فالكون الذي اقتضاه المجرور هو كون من أحوال عيسى    - عليه السلام - ولذلك لم يأت الحواريون بمثله في قولهم : نحن أنصار الله    . والحواريون : لقب لأصحاب عيسى ،  عليه السلام : الذين آمنوا به ولازموه ، وهو اسم معرب من النبطية ومفرده حواري قاله في الإتقان عن ابن حاتم  عن الضحاك  ولكنه ادعى أن معناه الغسال أي غسال الثياب . وفسره علماء العربية بأنه من يكون من خاصة من يضاف هو إليه ومن قرابته . 
وغلب على أصحاب عيسى  وفي الحديث قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - لكل نبيء حواري وحواري  الزبير بن العوام    . وقد أكثر المفسرون وأهل اللغة في احتمالات اشتقاقه واختلاف معناه وكل ذلك إلصاق بالكلمات التي فيها حروف الحاء والواو والراء لا يصح منه شيء . 
 [ ص: 256 ] والحواريون اثنا عشر رجلا وهم : سمعان بطرس ،  وأخوه أندراوس  ، ويوحنا بن زبدي  ، وأخوه يعقوب  وهؤلاء كلهم - صيادو سمك - ومتى العشار  ، وتوما  وفيليبس  ، وبرثولماوس  ، ويعقوب بن حلفي  ، ولباوس  ، وسمعان القانوي  ، ويهوذا الأسخريوطي    . 
وكان جواب الحواريين دالا على أنهم علموا أن نصر عيسى  ليس لذاته بل هو نصر لدين الله ، وليس في قولهم : نحن أنصار الله  ما يفيد حصرا لأن الإضافة اللفظية لا تفيد تعريفا ، فلم يحصل تعريف الجزأين ، ولكن الحواريين بادروا إلى هذا الانتداب . 
وقد آمن مع الحواريين أفراد متفرقون من اليهود ،  مثل الذين شفى المسيح مرضاهم ، وآمن به من النساء أمه عليها السلام ، ومريم المجدلية ،  وأم يوحنا ،  وحماة سمعان ،  ويوثا امرأة حوزي  وكيل هيرودس  ، وسوسة  ، ونساء أخر ولكن النساء لا تطلب منهن نصرة . 
وقوله ربنا آمنا من كلام الحواريين بقية قولهم ، وفرعوا على ذلك الدعاء دعاء بأن يجعلهم الله مع الشاهدين أي مع الذين شهدوا لرسل الله بالتبليغ ، وبالصدق ، وهذا مؤذن بأنهم تلقوا من عيسى    - فيما علمهم إياه - فضائل من يشهد للرسل بالصدق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					