[ ص: 222 ] وإنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا   
هذا محكي عن كلام الجن ، قرأه الجمهور بكسر همزة ( إنه ) على اعتباره معطوفا على قولهم إنا سمعنا قرآنا عجبا  إذ يجب كسر همزة ( إن ) إذا حكيت بالقول . 
وقرأه ابن عامر  وحمزة   والكسائي  وحفص  وأبو جعفر  وخلف  بفتح الهمزة على أنه معطوف على الضمير المجرور بالباء في قوله فآمنا به  أي : وآمنا بأنه تعالى جد ربنا . وعدم إعادة الجار مع المعطوف على المجرور بالحرف مستعمل ، وجوزه الكوفيون ، على أن حرف الجر كثير حذفه مع ( أن ) فلا ينبغي أن يختلف في حذفه هنا على التأويل . 
قال في الكشاف : ( أنه استمع    ) بالفتح ، ؛ لأنه فاعل ( أوحي ) - أي : نائب الفاعل - ( وإنا سمعنا    ) بالكسر ، ؛ لأنه مبتدأ محكي بعد القول ثم تحمل عليهما البواقي فما كان من الوحي فتح ، وما كان من قول الجن كسر ، وكلهن من قولهم إلا الثنتين الأخريين : وأن المساجد لله  ، وأنه لما قام عبد الله  ومن فتح كلهن فعطفا على محل الجار والمجرور في آمنا به  كأنه قيل : صدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا ، وأنه كان يقول سفيهنا ، وكذلك البواقي اهـ . 
والتعالي : شدة العلو ، جعل شديد العلو كالمتكلف العلو لخروج علوه عن غالب ما تعارفه الناس فأشبه التكلف . 
والجد ، بفتح الجيم : العظمة والجلال ، وهذا تمهيد وتوطئة لقوله ما اتخذ صاحبة ولا ولدا  ؛ لأن اتخاذ الصاحبة للافتقار إليها لأنسها وعونها والالتذاذ بصحبتها ، وكل ذلك من آثار الاحتياج ، والله تعالى الغني المطلق ، وتعالى جده بغناه المطلق ، والولد يرغب فيه للاستعانة والأنس به ، مع ما يقتضيه من انفصاله من أجزاء والديه وكل ذلك من الافتقار والانتقاص . 
وضمير ( إنه ) ضمير شأن ، وخبره جملة تعالى جد ربنا    . 
وجملة ما اتخذ صاحبة  إلى آخرها بدل اشتمال من جملة تعالى جد ربنا    . 
 [ ص: 223 ] وتأكيد الخبر بـ ( إن ) سواء كانت مكسورة أو مفتوحة ؛ لأنه مسوق إلى فريق يعتقدون خلاف ذلك من الجن . 
والاقتصار في بيان تعالي جد الله على انتفاء الصاحبة عنه والولد ينبئ بأنه كان شائعا في علم الجن ما كان يعتقده المشركون أن الملائكة بنات الله من سروات الجن ، وما اعتقاد المشركين إلا ناشئ عن تلقين الشيطان وهو من الجن ، ولأن ذلك مما سمعوه من القرآن مثل قوله تعالى سبحانه أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة  في سورة الأنعام . 
وإعادة ( لا ) النافية مع المعطوف للتأكيد للدلالة على أن المعطوف منفي باستقلاله لدفع توهم نفي المجموع . 
وضمير الجماعة في قوله ( ربنا ) عائد إلى كل متكلم مع تشريك غيره ، فعلى تقدير أنه من كلام الجن فهو قول كل واحد منهم عن نفسه ومن معه من بقية النفر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					