[ ص: 229 ] يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله  والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا    . 
تذييل عقب به أمر المؤمنين بأن يكونوا قوامين بالقسط شهداء لله  فأمرهم الله عقب ذلك بما هو جامع لمعاني القيام بالقسط والشهادة لله : بأن يؤمنوا بالله ورسله وكتبه ، ويدوموا على إيمانهم ، ويحذروا مسارب ما يخل بذلك . 
ووصف المخاطبين بأنهم آمنوا ، وإردافه بأمرهم بأن يؤمنوا بالله ورسله إلى آخره يرشد السامع إلى تأويل الكلام تأويلا يستقيم به الجمع بين كونهم آمنوا وكونهم مأمورين بإيمان . 
ويجوز في هذا التأويل خمسة مسالك : المسلك الأول : تأويل الإيمان في قوله يا أيها الذين آمنوا بأنه إيمان مختل منه بعض ما يحق الإيمان به ، فيكون فيها خطاب لنفر من اليهود  آمنوا ، وهم  عبد الله بن سلام ،  وأسد  وأسيد  ابنا كعب ،  وثعلبة بن قيس ،  وسلام  ابن أخت  عبد الله بن سلام ،  وسلمة  ابن أخيه ، ويامين بن يامين ،  سألوا النبيء صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به وبكتابه ، كما آمنوا بموسى  وبالتوراة ، وأن لا يؤمنوا بالإنجيل ، كما جاء في رواية الواحدي  عن الكلبي ،  ورواه غيره عن  ابن عباس    . 
المسلك الثاني : أن يكون التأويل في الإيمان المأمور به أنه إيمان كامل لا تشوبه كراهية بعض كتب الله ، تحذيرا من ذلك . فالخطاب للمسلمين لأن وصف الذين آمنوا صار كاللقب للمسلمين ، ولا شك أن المؤمنين قد آمنوا بالله وما عطف على اسمه هنا . 
فالظاهر أن المقصود بأمرهم بذلك : إما زيادة تقرير ما يجب الإيمان به ، وتكرير استحضارهم إياه حتى لا يذهلوا عن شيء منه اهتماما بجميعه; وإما النهي عن إنكار الكتاب المنزل على موسى  وإنكار نبوءته ، لئلا يدفعهم بغض اليهود  وما بينهم وبينهم من الشنآن إلى مقابلتهم بمثل ما يصرح به اليهود  من تكذيب محمد    - صلى الله عليه وسلم - وإنكار نزول القرآن; وإما أريد به التعريض بالذين يزعمون أنهم يؤمنون بالله ورسله   [ ص: 230 ] ثم ينكرون نبوءة محمد    - صلى الله عليه وسلم - وينكرون القرآن ، حسدا من عند أنفسهم ، ويكرهون بعض الملائكة لذلك ، وهم اليهود ،  والتنبيه على أن المسلمين أكمل الأمم إيمانا ، وأولى الناس برسل الله وكتبه  ، فهم أحرياء بأن يسودوا غيرهم لسلامة إيمانهم من إنكار فضائل أهل الفضائل ، ويدل لذلك قوله عقبه ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه  ، ويزيد ذلك تأييدا أنه قال واليوم الآخر فعطفه على الأشياء التي من يكفر بها فقد ضل ، مع أنه لم يأمر المؤمنين بالإيمان باليوم الآخر فيما أمرهم به ، لأن الإيمان به يشاركهم فيه اليهود  فلم يذكره فيما يجب الإيمان به ، وذكره بعد ذلك تعريضا بالمشركين . 
المسلك الثالث : أن يراد بالأمر بالإيمان الدوام عليه تثبيتا لهم على ذلك ، وتحذيرا لهم من الارتداد ، فيكون هذا الأمر تمهيدا وتوطئة لقوله ومن يكفر بالله وملائكته  ، ولقوله إن الذين آمنوا ثم كفروا  الآية . 
المسلك الرابع : أن الخطاب للمنافقين ، يعني : يا أيها الذين أظهروا الإيمان أخلصوا إيمانكم حقا . 
المسلك الخامس : روي عن الحسن  تأويل الأمر في قوله آمنوا بالله  بأنه طلب لثباتهم على الإيمان الذي هم عليه ، واختاره الجبائي    . وهو الجاري على ألسنة أهل العلم ، وبناء عليه جعلوا الآية شاهدا لاستعمال صيغة الأمر في طلب الدوام . 
والمراد بالكتاب الذي أنزل من قبل الجنس ، والتعريف للاستغراق يعني : والكتب التي أنزل الله من قبل القرآن ، ويؤيده قوله بعده " وكتبه ورسله    " . 
وقرأ نافع ،  وعاصم ،  وحمزة ،   والكسائي ،  وأبو جعفر ،  ويعقوب ،  وخلف    : ( نزل ) و ( أنزل ) كليهما بالبناء للفاعل وقرأه ابن كثير ،  وابن عامر ،  وأبو عمرو  بالبناء للنائب . 
وجاء في صلة وصف الكتاب الذي نزل على رسوله بصيغة التفعيل ، وفي صلة الكتاب الذي أنزل من قبل  بصيغة الإفعال تفننا ، أو لأن القرآن حينئذ بصدد النزول نجوما ، والتوراة يومئذ قد انقضى نزولها . ومن قال : لأن القرآن أنزل منجما بخلاف غيره من الكتب  فقد أخطأ إذ لا يعرف كتاب نزل دفعة واحدة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					