وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون   والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون    . 
عطف على جملة انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون    . والمناسبة أن صدوفهم وإعراضهم كانوا يتعللون له بأنهم يرومون آيات على وفق مقترحهم وأنهم لا يقنعون بآيات الوحدانية ، ألا ترى إلى قولهم لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا  إلى آخر ما حكي عنهم في تلك الآية ، فأنبأهم الله بأن إرسال الرسل للتبليغ والتبشير والنذارة  لا للتلهي بهم باقتراح الآيات . 
وعبر بـ ( نرسل ) دون أرسلنا للدلالة على تجدد الإرسال مقارنا لهذين الحالين ، أي ما أرسلنا وما نرسل . فقوله مبشرين ومنذرين  حالان مقدرتان باعتبار المستقبل ومحققتان باعتبار الماضي . 
والاستثناء من أحوال محذوفة ، أي ما أرسلناهم إلا في حالة كونهم مبشرين ومنذرين . 
والقصر إضافي للرد على من زعموا أنه إن لم يأتهم بآية كما اقترحوا فليس برسول من عند الله ، فهو قصر قلب ؛ أي لم نرسل الرسول للإعجاب بإظهار خوارق العادات . وكنى بالتبشير والإنذار عن التبليغ لأن التبليغ يستلزم الأمرين وهما الترغيب والترهيب ، فحصل بهذه الكناية إيجاز إذ استغنى بذكر اللازم عن الجمع بينه وبين الملزوم . 
والفاء في قوله فمن آمن للتفريع ، أي فمن آمن من المرسل إليهم فلا خوف إلخ . 
 [ ص: 239 ] و ( من ) الأظهر أنها موصولة كما يرجحه عطف والذين كذبوا عليه . ويجوز أن تكون شرطية لا سيما وهي في معنى التفصيل لقوله مبشرين ومنذرين    . فإن كانت شرطية فاقتران فلا خوف بالفاء بين ، وإن جعلت موصولة فالفاء لمعاملة الموصول معاملة الشرط ، والاستعمالان متقاربان . 
ومعنى ( أصلح ) فعل الصلاح ، وهو الطاعة لله فيما أمر ونهى ، لأن الله ما أراد بشرعه إلا إصلاح الناس كما حكى عن شعيب  إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت    . 
والمس حقيقته مباشرة الجسم باليد وهو مرادف اللمس والجس ، ويستعار لإصابة جسم جسما آخر كما في هذه الآية . وقد تقدم في قوله تعالى ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم  في سورة المائدة . ويستعار أيضا للتكيف بالأحوال كما يقال : به مس من الجنون . قال تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون    . 
وجمع الضمائر العائدة إلى ( من ) مراعاة لمعناها ، وأما إفراد فعل ( آمن ) و ( أصلح ) فلرعي لفظها . 
والباء للسببية ، و ( ما ) مصدرية ، أي بسبب فسقهم . والفسق حقيقته الخروج عن حد الخير . وشاع استعماله في القرآن في معنى الكفر وتجاوز حدود الله تعالى . وتقدم تفصيله عند قوله تعالى وما يضل به إلا الفاسقين  في سورة البقرة . 
وجيء بخبر ( كان ) جملة مضارعة للإشارة إلى أن فسقهم كان متجددا متكررا ، على أن الإتيان بـ ( كان ) أيضا للدلالة على الاستمرار لأن ( كان ) إذا لم يقصد بها انقضاء خبرها فيما مضى دلت على استمرار الخبر بالقرينة ، كقوله تعالى وكان الله غفورا رحيما . 
				
						
						
