قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين   أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين  
فصلت جملة قال لأنها على طريقة المحاورة ، وقد تقدم القول فيها آنفا وفيما مضى . 
وتفسير الآية تقدم في نظيرها آنفا في قصة نوح ،  إلا أنه قال في قصة نوح  وأنصح لكم  وقال في هذه وأنا لكم ناصح أمين  فنوح قال ما يدل على أنه غير مقلع عن النصح للوجه الذي تقدم ، وهود  قال ما يدل على أن نصحه لهم وصف ثابت فيه متمكن منه ، وأن ما زعموه سفاهة هو نصح . 
وأتبع ناصح بـ أمين وهو الموصوف بالأمانة لرد قولهم له لنظنك من الكاذبين  لأن الأمين هو الموصوف بالأمانة ، والأمانة حالة في الإنسان تبعثه على حفظ ما يجب عليه من حق لغيره ، وتمنعه من إضاعته ، أو جعله لنفع نفسه ، وضدها الخيانة . 
والأمانة من أعز أوصاف البشر ، وهي من أخلاق المسلمين ، وفي الحديث : لا إيمان لمن لا أمان له وفي الحديث : إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة ثم قال : ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه إلى أن قال فيقال : إن في بني فلان رجلا أمينا ، ويقال للرجل : ما أعقله وما أظرفه وما أجلده ! ! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فذكر الإيمان في موضع الأمانة . والكذب من الخيانة ،   [ ص: 204 ] والصدق من الأمانة ، لأن الكذب الخبر بأمر غير واقع في صورة توهم السامع أنه واقع ، فذلك خيانة للسامع ، والصدق إبلاغ الأمر الواقع كما هو فهو أداء لأمانة ما علمه المخبر ، فقوله في الآية أمين وصف يجمع الصفات التي تجعله بمحل الثقة من قومه ، ومن ذلك إبطال كونه من الكاذبين . 
وتقديم لكم على عامله للإيذان باهتمامه بما ينفعهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					