( ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون    ) الإشارة بذلك إلى أقرب مذكور دل عليه الكلام ، وهو إتيان الرسل قاصين الآيات ومنذرين بالحشر والحساب والجزاء بسبب انتفاء إهلاك القرى بظلم وأهلها لم ينتهوا ببعثة الرسل إليهم ، والإعذار إليهم ، والتقدم بالإخبار بما يحل بهم إذا لم يتبعوا الرسل ، وفي الحديث :   " ليس أحد أحب إليه العذر من الله " ، فمن أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل . وقال  الزجاج  قريبا من هذا ، أي : ذلك الذي قصصنا عليك من أمر الرسل وأمر عذاب من كذب لأنه لم يكن كذا ، أي : لا يهلكهم حتى يبعث إليهم رسولا . وقيل : الإشارة بذلك إلى السؤال وهو ( ألم يأتكم    ) أن لم يكن ، أي : لبيان أن لم يكن ، حكاه التبريزي    . وقال الماتريدي    : الإشارة إلى ما وجد منهم من التكذيب والمعاصي ، ويحتمل أن يشار به إلى الهلاك الذي كان بالأمم الخالية . انتهى . ولا يستقيم هذان القولان مع قوله ( أن لم يكن    ) ; لأن المعاصي أو الإهلاك ليس معللا بأن لم يكن ، وجوزوا في ذلك الرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر ، أي : ذلك الأمر ، وخبر محذوف المبتدأ ، أي : الأمر ذلك ، والنصب على فعلنا ذلك ، و ( أن لم يكن    ) تعليل ، ويحتمل أن تكون أن الناصبة للمضارع والمخففة من الثقيلة ، أي : لأن الشأن لم يكن ربك ، وأجاز  الزمخشري  أن لا يكون ( أن لم يكن    ) تعليلا فأجاز فيه أن يكون بدلا من ذلك كقوله : ( وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع    ) ، فإذا كان تعليلا فهو على إسقاط حرف العلة على الخلاف أموضعه نصب أو جر ، وإن كان بدلا فهو في موضع رفع ; لأن  الزمخشري  لم يذكر في ذلك إلا أنه مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر ذلك ، و " بظلم " يحتمل أن يكون مضافا إلى الله ، أي : ظالما لهم ، كقوله : ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون    ) ، ومعنى ( وأهلها غافلون    ) أي : دون أن يتقدم إليهم بالنذارة ( وما ربك بظلام للعبيد    ) ، ويحتمل أن يكون مضافا إلى القرى ، أي : ظالمة دون أن ينذرهم ، وهذا معنى قول القشيري    : أي لا يهلكهم بذنوبهم ما لم يبعث إليهم الرسل ، وهذا الوجه أليق ; لأن الأول يوهم أنه تعالى لو آخذهم قبل بعثة الرسل كان ظالما ، وليس الأمر كذلك عندنا ; لأنه تعالى يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد ، وعند المعتزلة : لو أهلكهم وهم غافلون لم ينتهوا بكتاب ولا رسول لكان ظالما ، وهو متعال عن الظلم وعن كل قبيح . وقيل : ( بظلم ) بشرك من أشرك منهم ، فهو مثل ( ولا تزر وازرة وزر أخرى    ) . وقال الماتريدي    : أي لم يكن يهلكهم بظلم أنفسهم إهلاك استئصال وتعذيب إلا بعد تقدم وعيد أو سؤالهم العذاب ، ولا يهلكهم مع الغفلة عن الظلم والعصيان ; لأنه يجوز له ذلك ، بل سنته هكذا ، لئلا يقولوا : لولا أرسلت إلينا ، وكل ذلك فضل منه ورحمة . وقال مجاهد    : لا يهلكهم بظلم بعضهم بعضا . وقيل : بظلم واحد منهم . وقيل : بجنس الظلم ، حتى يرتكبوا مع الظلم غيره مما لا يرضاه الله من سائر القبائح ، ذكره التبريزي    . ومعنى ( وأهلها غافلون    ) أي : لا يبين لهم كيفية الحال ولا يزيل عددهم ، وليس المعنى أنهم غافلون عما يوعظون به . 
				
						
						
