فروع تتعلق بهذه المسألة 
الفرع الأول : اعلم أن صفة الطواف بالبيت  هي أن يبتدئ طوافه من الركن الذي فيه الحجر الأسود ، فيستقبله ، ويستلمه ، ويقبله إن لم يؤذ الناس بالمزاحمة ، فيحاذي بجميع بدنه جميع الحجر فيمر جميع بدنه على جميع الحجر ، وذلك بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه ويصير منكبه الأيمن عند طرف الحجر ، ويتحقق أنه لم يبق وراءه جزء من الحجر ، ثم يبتدئ طوافه مارا بجميع بدنه على جميع الحجر ، جاعلا يساره إلى جهة البيت ، ثم يمشي طائفا بالبيت ، ثم يمر وراء الحجر بكسر الحاء ، ويدور بالبيت . فيمر على الركن اليماني  ، ثم ينتهي إلى ركن الحجر الأسود ، وهو المحل الذي بدأ منه طوافه ، فتتم له بهذا طوافة واحدة ، ثم   [ ص: 389 ] يفعل كذلك ، حتى يتمم سبعا . 
وأصح أقوال أهل العلم فيما يظهر لنا والله أعلم : أنه لا بد من أن يكون خارجا جميع بدنه ، حال طوافه عن شاذروان الكعبة    ; لأنه منها ، وكذلك لا بد أن يكون خارجا جميع بدنه حال طوافه عن جدار الحجر ; لأن أصله من البيت ، ولكن لم تبنه قريش  على قواعد إبراهيم  ، ولأجل ذلك لم يشرع استلام الركنين الشاميين ; لأن أصلهما من وسط البيت ; لأن قريشا  لم تبن ما كان عن شمالهما من البيت ، وهو الحجر الذي عليه الجدار ، وأصله من البيت كما بينا ، ومما يدل على ذلك ما رواه الشيخان في صحيحيهما ، عن عائشة  رضي الله عنها . 
قال  البخاري  في صحيحه : حدثنا  عبد الله بن مسلمة  ، عن مالك  ، عن  ابن شهاب  ، عن  سالم بن عبد الله  ، أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر  أخبر عبد الله بن عمر  ، عن عائشة  رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها :   " ألم تري قومك لما بنوا الكعبة  اقتصروا عن قواعد إبراهيم  ؟ فقلت : يا رسول الله ، ألا تردها على قواعد إبراهيم  ؟ قال : لولا حدثان قومك بالكفر ، لفعلت "   . قال عبد الله  رضي الله عنه : لئن كانت عائشة  رضي الله عنها سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم    . وفي رواية عنها في صحيح  البخاري  قالت :   " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدر ، أمن البيت هو ؟ قال : نعم ، قلت : فما لهم لم يدخلوه في البيت ؟ قال : ألم تري قومك قصرت بهم النفقة ، قلت : فما شأن بابه مرتفعا ؟ قال : فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ، ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية ، فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت ، وأن ألصق بابه بالأرض " اهـ . والمراد بالجدر بفتح الجيم ، وسكون الدال المهملة هنا : الحجر . وفي رواية عنها رضي الله عنها في صحيح البخاري  أيضا قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا حداثة قومك بالكفر ، لنقضت البيت ، ثم لبنيته على أساس إبراهيم  عليه السلام ، فإن قريشا  استقصرت بناءه ، وجعلت له خلفا " قال أبو معاوية    : حدثنا هشام  خلفا يعني : بابا . وفي رواية عنها فيه أيضا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها :   " يا عائشة  ، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم ، فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض ، وجعلت له بابين ، بابا شرقيا ، وبابا غربيا فبلغت به أساس إبراهيم    " فذلك الذي حمل ابن الزبير  رضي الله عنهما على هدمه قال يزيد    : وشهدت ابن الزبير  حين هدمه وبناه ، وأدخل فيه من الحجر ، وقد رأيت أساس إبراهيم  حجارة كأسنمة الإبل قال جرير    : فقلت له : أين   [ ص: 390 ] موضعه ؟ قال : أريكه الآن . فدخلت معه الحجر ، فأشار إلى مكان ، فقال : ههنا ، قال جرير    : فحزرت من الحجر ستة أذرع أو نحوها . انتهى من صحيح  البخاري  ، وزيد المذكور هو ابن رومان  ،  وجرير هو ابن حازم  ، وهما مذكوران في سند الحديث المذكور . وقال مسلم  في صحيحه : حدثنا يحيى بن يحيى  ، أخبرنا أبو معاوية  ، عن  هشام بن عروة    . عن أبيه ، عن عائشة  رضي الله عنها ، قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم   " لولا حداثة عهد قومك بالكفر ، لنقضت الكعبة  ، ولجعلتها على أساس إبراهيم  ، فإن قريشا  حين بنت البيت استقصرت ولجعلت لها خلفا "   . ا هـ وقال النووي  خلفا ؛ أي : بابا من خلفها ، وفي رواية عنها فيه أيضا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال   " ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة  اقتصروا عن قواعد إبراهيم  ؟ " قالت : فقلت : يا رسول الله ، أفلا تردها على قواعد إبراهيم  ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت " فقال عبد الله بن عمر    : لئن كانت عائشة  سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر ، إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم    . وفي رواية عنها فيه أيضا قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول   " لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية ، أو قال : بكفر لأنفقت كنز الكعبة  في سبيل الله ، ولجعلت بابها بالأرض ، ولأدخلت فيها من الحجر "   . وفي رواية عنها فيه قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم   " يا عائشة  لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة  فألزقتها بالأرض ، وجعلت لها بابين ، بابا شرقيا ، وبابا غربيا وستة فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشا  اقتصرتها حين بنت الكعبة    " انتهى من صحيح مسلم    . وحديثها هذا المتفق عليه الذي ذكرنا بعض رواياته في الصحيحين ، نص صريح فيما ذكرنا وبه تعلم أن قول من زعم من أهل العلم أن من سلك نفس الحجر في طوافه ، ثم رجع إلى بلده ، لزمه دم مع صحة طوافه غير صحيح لما رأيت من أن الحجر من البيت ، وأن الطواف فيه ليس طوافا بالبيت . والعلم عند الله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					