الفرع الثالث : أجمع العلماء على أن الزاني ذكرا كان أو أنثى ، إذا قامت عليه البينة   [ ص: 373 ] أنهم رأوه أدخل فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة ، أنه يجب رجمه إذا كان محصنا ، وأجمع العلماء أن بينة الزنى  ، لا يقبل فيها أقل من أربعة عدول ذكور ، فإن شهد ثلاثة عدول ، لم تقبل شهادتهم وحدوا ; لأنهم قذفة كاذبون ; لأن الله تعالى يقول : والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة    [ 24 \ 4 ] ، ويقول - جل وعلا - : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم  الآية [ 4 \ 15 ] ، وكلتا الآيتين المذكورتين صريحة في أن الشهود في الزنى  ، لا يجوز أن يكونوا أقل من أربعة ، وقد قال - جل وعلا - : لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون    [ 24 \ 13 ] ، وقد بينت هذه الآية اشتراط الأربعة كما في الآيتين المذكورتين قبلها ، وزادت أن القاذفين إذ لم يأتوا بالشهداء الأربعة هم الكاذبون عند الله . 
ومن كذب في دعواه الزنى على محصن أو محصنة  وجب عليه حد القذف ; كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله . 
وما ذكره أبو الخطاب  من الحنابلة عن أحمد   والشافعي  من أن شهود الزنى ، إذا لم يكملوا  لا حد قذف عليهم ; لأنهم شهود لا قذفة ، لا يعول عليه ، والصواب إن شاء الله هو ما ذكرنا . 
ومما يؤيده قصة عمر  مع الذين شهدوا على  المغيرة بن شعبة  فإن رابعهم لما لم يصرح بالشهادة على المغيرة  بالزنى ، جلد عمر  الشهود الثلاثة جلد القذف ثمانين ، وفيهم أبو بكرة    - رضي الله عنه - ، والقصة معروفة مشهورة ، وقد أوضحناها في غير هذا الموضع . 
وجمهور أهل العلم أن العبيد لا تقبل شهادتهم في الزنى ، ولا نعلم خلافا عن أحد من أهل العلم ، في عدم قبول شهادة العبيد في الزنى  ، إلا رواية عن أحمد  ليست هي مذهبه وإلا قول  أبي ثور    . 
ويشترط في شهود الزنى  أن يكونوا ذكورا ولا تصح فيه شهادة النساء بحال ، ولا نعلم أحدا من أهل العلم خالف في ذلك ، إلا شيئا يروى عن عطاء  ، وحماد  أنه يقبل فيه ثلاثة رجال وامرأتان . 
وقال  ابن قدامة  في " المغني " : وهو شذوذ لا يعول عليه ; لأن لفظ الأربعة اسم لعدد   [ ص: 374 ] المذكورين ، ويقتضي أن يكتفى فيه بأربعة ، ولا خلاف أن الأربعة إذا كان بعضهم نساء لا يكتفى بهم ، وأن أقل ما يجزئ خمسة ، وهذا خلاف النص ; ولأن في شهادتهن شبهة لتطرق الضلال إليهن ، قال الله تعالى : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى    [ 2 \ 282 ] ، والحدود تدرأ بالشبهات  ، انتهى منه . 
ولا خلاف بين أهل العلم أن شهادة الكفار  كالذميين لا تقبل على المسلم بالزنى . 
واختلف هل تقبل على كافر مثله ؟  فقيل : لا ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رجم اليهوديين باعترافهما بالزنى ، لا بشهادة شهود من اليهود  عليهم بالزنى ، والذين قالوا هذا القول زعموا أن شهادة الشهود في حديث جابر  أنها شهادة شهود مسلمين ، يشهدون على اعتراف اليهوديين المذكورين بالزنى ، وممن قال هذا القول :  ابن العربي المالكي    . 
وقال بعض أهل العلم : تقبل شهادة الكفار بعضهم على بعض إن تحاكموا إلينا    . 
وقال القرطبي    : الجمهور على أن الكافر لا تقبل شهادته على مسلم ، ولا على كافر لا في حد ولا في غيره ، ولا فرق بين السفر والحضر في ذلك ، وقبل شهادتهم جماعة من التابعين ، وبعض الفقهاء إذا لم يوجد مسلم ، واستثنى أحمد  حالة السفر إذا لم يوجد مسلم . 
وأجاب القرطبي  عن الجمهور عن واقعة اليهوديين بأنه - صلى الله عليه وسلم - نفذ عليهم ما علم أنه حكم التوراة ، وألزمهم العمل به ظاهرا لتحريفهم كتابهم ، وتغييرهم حكمه أو كان ذلك خاصا بهذه الواقعة . 
وقال ابن حجر  بعد نقله كلام القرطبي  المذكور ، كذا قال : والثاني مردود ، ثم قال : وقال النووي    : الظاهر أنه رجمهما بالاعتراف ، فإن ثبت حديث جابر  فلعل الشهود كانوا مسلمين وإلا فلا عبرة بشهادتهم ، ويتعين أنهما أقرا بالزنى . 
ثم قال ابن حجر    : قلت : لم يثبت أنهما كانوا مسلمين ، ويحتمل أن يكون الشهود أخبروا بذلك بقية اليهود  ، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - كلامهم ، ولم يحكم فيهما إلا مستندا لما أطلعه الله تعالى عليه ، فحكم بالوحي ، وألزمهم الحجة بينهم ; كما قال تعالى : وشهد شاهد من أهلها    [ 12 \ 26 ] ، وأن شهودهم شهدوا عليهما عند إخبارهم بما ذكر ، فلما رفعوا الأمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - استعلم القصة على وجهها فذكر كل من حضره من الرواة ما حفظه في   [ ص: 375 ] ذلك ، ولم يكن مستند حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما أطلعه الله عليه ، انتهى محل الغرض من كلام ابن حجر  في " فتح الباري " . 
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي رجحانه بالدليل ، هو مذهب الجمهور من عدم قبول شهادة الكفار مطلقا ; لأن الله يقول في المسلمين الفاسقين : ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون    [ 24 \ 4 ] ، وإذا نص الله - جل وعلا - في محكم كتابه على عدم قبول شهادة الفاسق  ، فالكافر أولى بذلك ، كما لا يخفى ، وقد قال - جل وعلا - في شهود الزنا ، أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منه : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم    [ 4 \ 15 ] ، فخص الأربعة بكونهم منا ، ويمكن أن يجيب المانع بأن أول الآية فيه من نسائكم  ، فلا نتناول نساء أهل الذمة  ونحوهم من الكفار ، وأنه لا تقبل شهادة كافر في شيء إلا بدليل خاص كالوصية في السفر ، إذا لم يوجد مسلم ; لأن الله نص على ذلك بقوله : أو آخران من غيركم  الآية [ 5 \ 106 ] . 
والتحقيق أن حكمها غير منسوخ ; لأن القرآن لا يثبت نسخ حكمه ، إلا بدليل يجب الرجوع إليه ، والآيات التي زعم من ادعى النسخ أنها ناسخة لها ; كقوله : ذوي عدل منكم    [ 65 \ 2 ] ، وقوله : ممن ترضون من الشهداء    [ 4 \ 282 ] ، وقوله : ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا    [ 24 \ 4 ] . 
والجمهور على أن الأعم لا ينسخ الأخص ، خلافا لأبي حنيفة    . 
أما حديث جابر  المشار إليه الذي يفهم منه قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض في حد الزنى ، فقد قال فيه أبو داود    - رحمه الله - في سننه : حدثنا يحيى بن موسى البلخي  ، ثنا أبو أسامة  ، قال مجالد    : أخبرنا عن عامر  ، عن  جابر بن عبد الله  ، قال : جاءت اليهود  برجل وامرأة منهم زنيا ، فقال : " ائتوني بأعلم رجلين منكم " ، الحديث ، وفيه : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشهود ، فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجمهما ، انتهى محل الغرض منه . 
وظاهر المتبادر منه : أن الشهود الذين شهدوا من اليهود  كما لا يخفى ، فظاهر الحديث دال دلالة واضحة على قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض ، في حد الزنى ، إن كان صحيحا ، والسند المذكور الذي أخرجه به أبو داود  لا يصح ; لأن فيه مجالدا وهو   [ ص: 376 ] مجالد بن سعيد بن عمير بن بسطام بن ذي مران بن شرحبيل الهمداني أبو عمرو ، ويقال أبو سعيد الكوفي  ، وأكثر أهل العلم على ضعفه ، وعدم الاحتجاج به ، والإمام مسلم بن الحجاج  ، إنما أخرج حديثه مقرونا بغيره ، فلا عبرة بقول  يعقوب بن سفيان  ، إنه صدوق ، ولا بتوثيق  النسائي  له مرة ; لأنه ضعفه مرة أخرى ، ولا بقول  ابن عدي    : أن له عن  الشعبي  ، عن جابر  أحاديث صالحة ; لأن أكثر أهل العلم بالرجال على تضعيفه ، وعدم الاحتجاج به ، أما غير مجالد  من رجال سند أبي داود  فهم ثقات معروفون ; لأن يحيى بن موسى البلخي  ثقة ،  وأبو أسامة المذكور فيه هو حماد بن أسامة القرشي  مولاهم ، وهو ثقة ثبت ، ربما دلس وكان بآخرة يحدث من كتب غيره ، وعامر  الذي روى عن مجالد  هو الإمام  الشعبي  ، وجلالته معروفة . 
والحاصل : أن مثل هذا السند الذي فيه مجالد  المذكور ، لا يجب الرجوع إليه عن عموم النصوص الصحيحة المقتضية ، أن الكفار لا تقبل شهادتهم مطلقا ، والله تعالى أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					