قوله - تعالى - : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم    . 
  [ ص: 217 ] التحقيق - إن شاء الله - أن معنى الآية الكريمة : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في دار الدنيا ، فما أدري أأخرج من مسقط رأسي ، أو أقتل كما فعل ببعض الأنبياء . 
وما أدري ما ينالني من الحوادث والأمور في تحمل أعباء الرسالة . 
وما أدري ما يفعل بكم : أيخسف بكم ، أو تنزل عليكم حجارة من السماء ، ونحو ذلك . 
وهذا هو اختيار  ابن جرير  وغير واحد من المحققين . 
وهذا المعنى في هذه الآية دلت عليه آيات من كتاب الله ، كقوله - تعالى - : ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء  الآية [ 7 \ 188 ] . وقوله - تعالى - آمرا له - صلى الله عليه وسلم - : قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب  الآية [ 6 \ 50 ] . 
وبهذا تعلم أن ما يروى عن  ابن عباس  وأنس  وغيرهما من أن المراد : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم  أي في الآخرة - فهو خلاف التحقيق ، كما سترى إيضاحه - إن شاء الله - . 
فقد روي عن  ابن عباس  وأنس  وقتادة  والضحاك  وعكرمة  والحسن    - في أحد قوليه - أنه لما نزل قوله - تعالى - : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم     - فرح المشركون واليهود  والمنافقون ، وقالوا : كيف نتبع نبيا لا يدري ما يفعل به ولا بنا ، وأنه لا فضل له علينا ، ولولا أنه ابتدع الذي يقوله من عند نفسه ، لأخبره الذي بعثه بما يفعل به . 
فنزلت ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر    [ 48 \ 2 ] فنسخت هذه الآية . 
وقالت الصحابة : هنيئا لك يا رسول الله ، لقد بين لك الله ما يفعل بك ، فليت شعرنا ما هو ما فاعل بنا   . 
فنزلت ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار  الآية [ 48 \ 5 ] . ونزلت : وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا    [ 33 \ 47 ] . 
فالظاهر أن هذا كله خلاف التحقيق ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجهل مصيره يوم القيامة لعصمته - صلوات الله وسلامه عليه - وقد قال له الله - تعالى - : وللآخرة خير لك من الأولى  ولسوف يعطيك ربك فترضى    [ 93 \ 4 - 5 ] وأن قوله : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم   [ ص: 218 ] في أمور الدنيا ، كما قدمنا . فإن قيل : قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أم العلاء الأنصارية  ما يدل على أن قوله : ما يفعل بي  أي في الآخرة ، فإن حديثها في قصة وفاة  عثمان بن مظعون    - رضي الله عنه - عندهم ، ودخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ، أنها قالت : رحمة الله عليك أبا السائب  ، شهادتي عليك ; لقد أكرمك الله - عز وجل - تعني  عثمان بن مظعون  ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وما يدريك أن الله أكرمه ؟ " فقلت : لا أدري ، بأبي أنت وأمي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي " الحديث . 
فالجواب هو ما ذكره الحافظ ابن كثير    - رحمه الله - فقد قال في تفسير هذه الآية الكريمة ، بعد أن ساق حديث أم العلاء  المذكور بالسند الذي رواه به أحمد    - رحمه الله - انفرد به  البخاري  دون مسلم  ، وفي لفظ له   " ما أدري وأنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يفعل به " ، وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ ; بدليل قولها : فأحزنني ذلك . ا هـ محل الغرض منه . وهو الصواب - إن شاء الله - والعلم عند الله - تعالى - . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					