قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين     . 
نزلت هذه الآية الكريمة في  الوليد بن عقبة بن أبي معيط  ، وقد أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بني المصطلق  ليأتيهم بصدقات أموالهم فلما سمعوا به تلقوه فرحا به ، فخاف منهم وظن أنهم يريدون قتله ، فرجع إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وزعم له أنهم منعوا الصدقة وأرادوا قتله ، فقدم وفد منهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه بكذب الوليد  ، فأنزل الله هذه الآية ، وهي تدل على عدم تصديق الفاسق في خبره . 
 [ ص: 411 ] وصرح تعالى في موضع آخر بالنهي عن قبول شهادة الفاسق ، وذلك في قوله : ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون    [ 24 \ 4 ] ، ولا خلاف بين العلماء في رد شهادة الفاسق  وعدم قبول خبره . 
وقد دلت هذه الآية من سورة الحجرات على أمرين : 
الأول منهما : أن الفاسق إن جاء بنبأ ممكن معرفة حقيقته ، وهل ما قاله فيه الفاسق حق أو كذب - فإنه يجب فيه التثبت . 
والثاني : هو ما استدل عليه بها أهل الأصول من قبول خبر العدل  لأن قوله تعالى : إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا  بدل بدليل خطابه ، أعني مفهوم مخالفته أن الجائي بنبأ إن كان غير فاسق بل عدلا لا يلزم التبين في نبئه على قراءة : فتبينوا . ولا التثبت على قراءة : فتثبتوا ، وهو كذلك . 
وأما شهادة الفاسق فهي مردودة كما دلت عليه آية النور المذكورة آنفا . 
وقد قدمنا معنى الفسق وأنواعه في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك . 
وقوله : أن تصيبوا قوما  أي لئلا تصيبوا قوما ، أو كراهة أن تصيبوا قوما بجهالة ، أي لظنكم النبأ الذي جاء به الفاسق حقا فتصبحوا على ما فعلتم من إصابتكم للقوم المذكورين نادمين لظهور كذب الفاسق فيما أنبأ به عنهم ; لأنهم لو لم يتبينوا في نبأ الوليد  عن بني المصطلق  لعاملوهم معاملة المرتدين ؟ ولو فعلوا ذلك لندموا . 
وقرأ هذا الحرف عامة السبعة غير حمزة   والكسائي    : فتبينوا بالباء التحتية الموحدة بعدها مثناة تحتية مشددة ثم نون ، وقرأه حمزة   والكسائي    : " فتثبتوا " بالثاء المثلثة بعدها ياء تحتية موحدة مشددة ، ثم تاء مثناة فوقية . 
والأول من التبين ، والثاني من التثبت . 
ومعنى القراءتين واحد ، وهو الأمر بالتأني وعدم العجلة حتى تظهر الحقيقة فيما أنبأ به الفاسق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					