قوله تعالى : اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين     . 
ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن المنافقين اتخذوا أيمانهم جنة ، والأيمان جمع يمين ، وهي الحلف ، والجنة هي الترس الذي يتقي به المقاتل وقع السلاح . والمعنى أنهم جعلوا الأيمان الكاذبة ، وهي حلفهم للمسلمين إنهم معهم وإنهم مخلصون في باطن الأمر - ترسا لهم يتقون به الشر الذي ينزل بهم لو صرحوا بكفرهم . وقوله تعالى : فصدوا عن سبيل الله  الظاهر أنه من " صد " المتعدية ، وأن المفعول محذوف ، أي : فصدوا غيرهم ممن أطاعهم لأن صدودهم في أنفسهم دل عليه قوله : اتخذوا أيمانهم جنة  والحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد ، كما أوضحناه مرارا . 
وهذان الأمران اللذان تضمنتهما هذه الآية الكريمة ، وهما كون المنافقين يحلفون الأيمان الكاذبة لتكون لهم جنة ، وأنهم يصدون غيرهم عن سبيل الله - جاءا موضحين في آيات أخر من كتاب الله ، أما أيمانهم الكاذبة فقد بينها الله - جل وعلا - في آيات كثيرة ، كقوله تعالى في هذه السورة ويحلفون على الكذب وهم يعلمون    [ 58 \ 14 ] ، وقوله تعالى : يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه  ، وقوله تعالى : سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم  الآية [ 9 \ 95 ] ،   [ ص: 554 ] وقوله تعالى : وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون    [ 9 \ 42 ] ، وقوله تعالى : اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون    [ 63 \ 2 ] . 
وأما صدهم من أطاعهم عن سبيل الله فقد بينه الله في آيات من كتابه كقوله تعالى : قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا    [ 33 \ 18 ] ، وقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا    [ 3 \ 156 ] ، وقوله تعالى : الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا    [ 3 \ 168 ] ، وقوله تعالى : وإن منكم لمن ليبطئن    [ 4 \ 72 ] . 
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة فلهم عذاب مهين  ، أي لأجل نفاقهم ، كما قال تعالى : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار  الآية [ 4 \ 145 ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					