تنبيه 
قال في المغني : وقال طائفة من أهل الحديث : إذا كان مؤذنان يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر بعده ، فلا بأس أي : ليعرف الأول منهما من الثاني ويلتزما بذلك ; ليعلم الناس الفرق بين الأذانين كما كان زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى ملخصا . 
أما تعدد المؤذنين لبقية الأوقات الخمسة  فكالآتي : 
أولا : فإن الأصل في ذلك عند العلماء هو حديث بلال   وابن أم مكتوم  المتقدم ذكره في صلاح الفجر ، ثم قاسوا عليه للحاجة بقية الصلوات ، كما استأنسوا لزيادة عمر  وعثمان  في الجمعة للجماعة لزيادة الإعلام كما تقدم . 
ثانيا : نسوق موجز الأقوال في ذلك عند الشافعية : 
قال النووي  في شرح مسلم : باب استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد  ، وساق كلامه على حديث عبد الله بن عمر    - رضي الله عنهما - قال : كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذنان : بلال   وابن أم مكتوم    . 
ثم قال ما نصه : وفي الحديث استحباب مؤذنين للمسجد الواحد ، يؤذن أحدهما قبل الفجر والآخر عند طلوعه . 
قال أصحابنا : فإذا احتاج إلى أكثر من مؤذنين اتخذ ثلاثة ، وأربعة فأكثر بحسب الحاجة . 
 [ ص: 145 ] وقد اتخذ عثمان    - رضي الله عنه - أربعة للحاجة عند كثرة الناس . 
قال أصحابنا : وإذا ترتب للأذان اثنان فصاعدا ، فالمستحب ألا يؤذنوا دفعة واحدة ، بل إن اتسع الوقت ترتبوا فيه ، فإن تنازعوا في الابتداء أقرع بينهم ، وإن ضاق الوقت ، فإن كان المسجد كبيرا أذنوا متفرقين في أقطاره ، وإن كان ضيقا وقفوا معا وأذنوا ، وهذا إذا لم يؤد اختلاف الأصوات إلى تشويش ، فإن أدى إلى ذلك لم يؤذن إلا واحد ، اهـ . 
فهذا نص النووي  على قول أصحابه أي : الشافعية في المسألة ساقه في شرح مسلم ، وقال في المجموع شرح المهذب على نص المتن إذ قال الماتن : والمستحب أن يكون المؤذن للجماعة اثنين ، وذكر حديث بلال   وابن أم مكتوم  ، فإن احتاج إلى الزيادة جعلهم أربعة ; لأنه كان لعثمان  أربعة ، والمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد ; لأن ذلك أبلغ في الإعلام . 
قال النووي  في الشرح : قال  أبو علي الطبري    : تجوز الزيادة إلى أربعة ، ثم ناقش المسألة مع من خالفه في العدد ثم قال : العبرة بالمصلحة ، فكما زاد عثمان  إلى أربعة للمصلحة جاز لغيره الزيادة . 
وذكر عن صاحب الحاوي إلى ثمانية ، ثم قال : فرع ، وساق فيه ما نصه : 
فإن كان للمسجد مؤذنان أذن واحد بعد واحد ، كما كان بلال   وابن أم مكتوم  ، فإن تنازعوا في الابتداء أقرع بينهم ، فإن ضاق الوقت والمسجد كبير أذنوا في أقطاره كل واحد في قطر ; ليسمع أهل تلك الناحية ، وإن كان صغيرا أذنوا معا وإذا لم يؤد إلى تهويش . 
قال صاحب الحاوي وغيره : ويقفون جميعا عليه كلمة كلمة فإن أدى إلى تهويش أذن واحد . إلخ . 
وفي صحيح  البخاري  ، باب من قال : ليؤذن في السفر مؤذن واحد ، وساق بسنده عن مالك بن الحويرث    : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من قومي ، فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيما ورفيقا ، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا ، قال : " ارجعوا فكونوا فيهم ، وعلموهم وصلوا إذا حضرت الصلاة ، فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكبركم   " . 
قال في الفتح أثناء الشرح : وعلى هذا فلا مفهوم لقوله : مؤذن واحد في السفر لأن   [ ص: 146 ] الحضر أيضا لا يؤذن فيه إلا واحد ، ولو احتيج إلى تعددهم لتباعد أقطار البلد أذن كل واحد في جهة ولا يؤذنون جميعا . 
وقد قيل : إن أول من أحدث التأذين جميعا بنو أمية    . 
وقال  الشافعي  في الأم : وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن ، ولا يؤذنون جميعا ، وإن كان مسجد كبير فلا بأس أن يؤذن في كل جهة منه ، مؤذن ، يسمع من يليه في وقت واحد . اهـ . 
وهذا الذي حكاه الشارح عن  الشافعي  موجود في الأم ، ولكن بلفظ فلا بأس أن يؤذن في كل منارة له مؤذن فيسمع من يليه في وقت واحد . ا هـ . 
وهذا القدر كاف لبيان قول  الشافعي  وأصحابه ، من أن التعدد جائز بحسب المصلحة . 
وعند مالك  جاء في الموطأ حديث بلال   وابن أم مكتوم  أيضا . 
وقال الباجي  في شرحه : ويدل هذا الحديث على جواز اتخاذ مؤذنين في مسجد يؤذنان لصلاة واحدة . 
وروى علي بن زياد  عن مالك    : لا بأس أن يؤذن للقوم في السفر والحرس والمركب ثلاثة مؤذنين وأربعة ، ولا بأس أن يتخذ في المسجد أربعة مؤذنين وخمسة . 
قال ابن حبيب    : ولا بأس فيما اتسع وقته من الصلوات ، كالصبح والظهر والعشاء ، أن يؤذن خمسة إلى عشرة واحد بعد واحد ، وفي العصر من ثلاثة إلى خمسة ، ولا يؤذن في المغرب إلا واحد . 
فهذا نص مالك  والمالكية في جواز تعدد الأذان في المسجد الواحد ، يؤذنون واحدا بعد واحد . 
وفي متن خليل ما نصه : وتعدده وترتيبهم إلا المغرب ، وجمعهم كل على أذان . 
وذكر الشارح الخرشي    : من خمسة إلى عشرة في الصبح والظهر والعشاء ، وفي العصر من ثلاثة إلى خمسة ، وفي المغرب واحد أو جماعة . إلخ . 
وعند الحنابلة قال في المغني : فصل ، ولا يستحب الزيادة على مؤذنين لحديث   [ ص: 147 ] بلال   وابن أم مكتوم  أيضا ، ثم قال : إلا أن تدعو الحاجة إلى الزيادة عليهما فيجوز . 
فقد روي عن عثمان    - رضي الله عنه - أنه كان له أربعة مؤذنين ، وإن دعت الحاجة إلى أكثر منهم كان مشروعا ، وإذا كان أكثر من واحد وكان الواحد يسمع الناس ، فالمستعجب أن يؤذن واحد بعد واحد ; لأن مؤذني النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أحدهما يؤذن بعد الآخر ، وإن كان الإعلام لا يحصل بواحد أذنوا على حسب ما يحتاج إليه ، إما أن يؤذن كل واحد في منارة أو ناحية أو دفعة واحدة في موضع واحد . 
قال أحمد    : إن أذن عدة في منارة فلا بأس ، وإن خافوا من تأذين واحد بعد واحد فوات أول الوقت ، أذنوا جميعا دفعة واحدة . 
وعند الأحناف : جاء في فتح القدير شرح الهداية في سياق إجابة المؤذن وحكاية الأذان ما نصه : إذا كان في المسجد أكثر من مؤذن أذنوا واحدا بعد واحد ، فالحرمة للأول إلى أن قال : فإذا فرض أن سمعوه من غير مسجده تحقق في حقه السبب ، فيصير كتعددهم في المسجد الواحد ، فإن سمعهم معا أجاب معتبرا كون جوابه لمؤذن مسجده . 
هذه نصوص الأئمة - رحمهم الله - في جواز تعدد المؤذنين والأذان في المسجد الواحد للصلاة الواحدة متفرقين أو مجتمعين . 
وقال  ابن حزم    : ولا يجوز أن يؤذن اثنان فصاعدا معا ، فإن كان ذلك فالمؤذن هو المبتدئ إلى أن قال : 
وجائز أن يؤذن جماعة واحدا بعد واحد للمغرب وغيرها سواء في كل ذلك ، فلم يمنع تعدد الأذان من عدة مؤذنين في المسجد الواحد أحد من سلف الأمة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					