قوله تعالى : لا تدركه الأبصار   الآية . 
هذه الآية الكريمة توهم أن الله تعالى لا يرى بالأبصار ، وقد جاءت آيات أخر تدل على أنه يرى بالأبصار ، كقوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة  إلى ربها ناظرة    [ 75 \ 22 - 23 ] ، وكقوله : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة    [ 10 \ 26 ] ، فالحسنى : الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجه الله الكريم . 
وكذلك قوله : لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد    [ 50 \ 35 ] ، على أحد القولين ، وكقوله تعالى في الكفار : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون   [ ص: 280 ]   [ 83 \ 15 ] ، يفهم من دليل خطابه أن المؤمنين ليسوا محجوبين عن ربهم . 
والجواب من ثلاثة أوجه : 
الأول : أن المعنى لا تدركه الأبصار  أي في الدنيا فلا ينافي الرؤية في الآخرة . 
الثاني : أنه عام مخصوص برؤية المؤمنين له في الآخرة ، وهذا قريب في المعنى من الأول . 
الثالث : وهو الحق ، أن المنفي في هذه الآية الإدراك المشعر بالإحاطة بالكنه ، أما مطلق الرؤية فلا تدل الآية على نفيه بل هو ثابت بهذه الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة واتفاق أهل السنة  والجماعة على ذلك . 
وحاصل هذا الجواب : أن الإدراك أخص من مطلق الرؤية لأن الإدراك المراد به الإحاطة ، والعرب تقول : رأيت الشيء وما أدركته ، فمعنى : لا تدركه الأبصار  لا تحيط به ، كما أنه تعالى يعلمه الخلق ولا يحيطون به علما . 
وقد اتفق العقلاء على أن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ، فانتفاء الإدراك لا يلزم منه انتفاء مطلق الرؤية ، مع أن الله تعالى لا يدرك كنهه على الحقيقة أحد من الخلق . 
والدليل على صحة هذا الوجه ما أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى  مرفوعا : حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه   . 
فالحديث صريح في عدم الرؤية في الدنيا ، ويفهم منه عدم إمكان الإحاطة مطلقا . 
والحاصل : أن رؤيته تعالى بالأبصار جائزة عقلا في الدنيا والآخرة لأن كل موجود يجوز أن يرى عقلا ، ويدل لجوازها عقلا قول موسى    : رب أرني أنظر إليك    [ 7 \ 143 ] ، لأنه لا يجهل الجائز في حق الله تعالى عقلا . 
وأما في الشرع فهي جائزة وواقعة في الآخرة ممتنعة في الدنيا ومن أصرح الأدلة في ذلك ما رواه مسلم   وابن خزيمة  مرفوعا : إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا والأحاديث برؤية المؤمنين له يوم القيامة متواترة ، والعلم عند الله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					