المسألة الثالثة : اختلف في وقت وجوب الزكاة فيما تنبته الأرض من ثمر وحب  ، فقال جمهور العلماء : تجب في الحب إذا اشتد ، وفي الثمر إذا بدا صلاحه ، فتعلق الوجوب عند طيب التمر ، ووجوب الإخراج بعد الجذاذ . 
وفائدة الخلاف أنه لو تصرف في الثمر والحب قبل الوجوب لم يكن عليه شيء ، وإن تصرف في ذلك بعد وجوب الزكاة لم تسقط الزكاة عنه . 
ومن فوائده أيضا : أنه إذا مات بعد وقت الوجوب زكيت على ملكه ، وإن مات قبل الوجوب زكيت على ملك الورثة ، وقال القرطبي  في تفسير هذه الآية : واختلف العلماء في وقت الوجوب على ثلاثة أقوال : 
الأول : أنه وقت الجذاذ ، قاله محمد بن مسلمة    ; لقوله تعالى : يوم حصاده    . 
الثاني : يوم الطيب ; لأن ما قبل الطيب يكون علفا ، لا قوتا ولا طعاما ، فإذا طاب وحان الأكل الذي أنعم الله به ، وجب الحق الذي أمر الله به ، إذ بتمام النعمة يجب شكر النعمة ، ويكون الإيتاء وقت الحصاد لما قد وجب يوم الطيب . 
الثالث : أنه يكون بعد تمام الخرص ; لأنه حينئذ يتحقق الواجب فيه من الزكاة ، فيكون شرطا لوجوبها ، كمجيء الساعي في الغنم ، وبه قال المغيرة  ، والصحيح الأول ; لنص التنزيل ، والمشهور في المذهب الثاني ، وبه قال  الشافعي    . اهـ منه . 
وقد قدمنا أن مالكا    - رحمه الله - يقول : بأن كل ما أكله المالك أو تصدق به يحسب عليه ، وجمهور العلماء يخالفونه - رحمه الله - في ذلك ، واحتجوا لأن ما يأكله لا يحسب عليه بقوله تعالى : كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده    . وبالحديث المتقدم : أن على الخارص أن يدع الثلث أو الربع ، وقوله تعالى : يوم حصاده  ، قرأه ابن عامر ، وأبو عمرو  ، وعاصم  بفتح الحاء ، والباقون بكسرها ، وهما لغتان مشهورتان   [ ص: 520 ] كالصرام والصرام ، والجذاذ والجذاذ ، والقطاف والقطاف . 
فائدة : ينبغي لصاحب الحائط إذا أراد الجذاذ ألا يمنع المساكين من الدخول ، وأن يتصدق عليهم    ; لقوله تعالى في ذم أصحاب الجنة المذكورة في سورة القلم : إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين  الآيات [ \ 17 ] ، والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا   الآية [ 6 \ 145 ] . هذه الآية الكريمة صريحة في أنه لم يحرم من المطعومات إلا هذه الأربعة المذكورة فيها ، التي هي : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل به لغير الله ، ولكنه تعالى بين في بعض المواضع تحريم غير المذكورات ، كتصريحه بتحريم الخمر في سورة المائدة بقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون    . 
وقال بعض العلماء لا يحرم مطعوم إلا هذه الأربعة المذكورة ، وهو قول يروى عن  ابن عمر  ،  وابن عباس  ، وعائشة  ، قال القرطبي    : ويروى عنهم أيضا خلافه ، وقال  البخاري  في " صحيحه " : حدثنا علي بن عبد الله  ، حدثنا سفيان  ، قال عمرو    : قلت  لجابر بن زيد    : يزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم " نهى عن لحوم الحمر الأهلية    " ، فقال : " قد كان يقول ذلك  الحكم ابن عمرو الغفاري  عندنا بالبصرة  ، ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس  ، وقرأ : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما    . اهـ . وقال ابن خويز منداد  من المالكية : تضمنت هذه الآية تحليل كل شيء من الحيوان وغيره ، إلا ما استثني في الآية من الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير . 
ولهذا قلنا : إن لحوم السباع وسائر الحيوان ما سوى الإنسان ، والخنزير مباحة . 
وقال القرطبي    : روي عن عائشة  ،  وابن عباس  ،  وابن عمر  إباحة أكل لحوم السباع ، والحمر ، والبغال  ، وذكر حديث  البخاري  الذي قدمنا آنفا . 
ثم قال : وروي عن  ابن عمر  أنه سئل عن لحوم السباع ، فقال : لا بأس بها ، فقيل له حديث  أبي ثعلبة الخشني  ، فقال : لا ندع كتاب ربنا لحديث أعرابي يبول على ساقيه   . 
وسئل  الشعبي  عن لحم الفيل ، والأسد ، فتلا هذه الآية . 
وقال القاسم    : كانت عائشة  تقول - لما سمعت الناس يقولون : حرم كل ذي ناب من السباع - ذلك حلال ، وتتلو هذه الآية : قل لا أجد في ما أوحي إلي  الآية . 
 [ ص: 521 ] قال مقيده - عفا الله عنه : اعلم أنا نريد في هذا المبحث أن نبين حجة من قال بعدم تحريم لحوم السباع ، والحمير ، ونحوها ، وحجة من قال بمنعها ، ثم نذكر الراجح بدليله . 
واعلم أولا : أن دعوى أنه لا يحرم مطعوم غير الأربعة المذكورة في هذه الآية باطلة ، بإجماع المسلمين ; لإجماع جميع المسلمين ; ودلالة الكتاب والسنة على تحريم الخمر ، فهو دليل قاطع على تحريم غير الأربعة . 
ومن زعم أن الخمر حلال  لهذه الآية ، فهو كافر بلا نزاع بين العلماء ، وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذين استدلوا بهذه الآية على عدم تحريم ما ذكر ، قالوا : إن الله حصر المحرمات فيها في الأربعة المذكورة ، وحصرها أيضا في النحل فيها في قوله : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به    [ 2 \ 173 ] ; لأن إنما أداة حصر عند الجمهور ، والنحل بعد الأنعام ; بدليل قوله في النحل : وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل  الآية [ 16 \ 118 ] ، والمقصوص المحال عليه هو المذكور في الأنعام ، في قوله : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر  الآية [ 6 \ 146 ] ; ولأنه تعالى قال في الأنعام : سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا  الآية [ 6 \ 148 ] ، ثم صرح في النحل بأنهم قالوا ذلك بالفعل ، في قوله : وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء  الآية [ 16 \ 135 ] ; فدل ذلك على أن النحل بعد الأنعام ، وحصر التحريم أيضا في الأربعة المذكورة في سورة البقرة ، في قوله : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله  ، فقالوا : هذا الحصر السماوي الذي ينزل به الملك مرة بعد مرة في مكة  في الأنعام ، والنحل ، وفي المدينة  عند تشريع الأحكام في البقرة لا يمكننا معارضته ، ولا إخراج شيء منه إلا بدليل قطعي المتن ، متواتر كتواتر القرآن العظيم . 
فالخمر مثلا دل القرآن على أنها محرمة فحرمناها ; لأن دليلها قطعي ، أما غيرها كالسباع ، والحمر ، والبغال : فأدلة تحريمها أخبار آحاد يقدم عليها القاطع ، وهى الآيات المذكورة آنفا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					