( فلنقصن عليهم بعلم     ) قال : يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون . وأصل القص تتبع الأثر ، فيكون بالعمل كقوله تعالى حكاية عن أم موسى    : ( وقالت لأخته قصيه    ) ( 28 : 11 ) وبالقول ، ومنه : ( نحن نقص عليك أحسن القصص    ) ( 12 : 3 ) وهي الأخبار المتتبعة كما حققه الراغب  فليس كل خبر قصصا ، أي فلنقصن على الرسل وعلى أقوامهم الذين أرسلوا إليهم كل ما وقع من الفريقين قصصا بعلم منا ، يحيط بكل ما كان منهم لا يعزب عنه مثقال ذرة ، أو عالمين بكل ما كان منهم وما كتبه الكرام الكاتبون عنهم ( وما كنا غائبين    ) عنهم في حال من الأحوال ولا وقت من الأوقات ، بل كنا معهم نسمع ما يقولون ونبصر ما يعملون ، ونحيط علما بما يسرون ويعلنون ، كما قال : ( وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا    ) ( 4 : 108 ) فالسؤال لأجل البيان والإعلام ، لا لأجل الاستبانة والاستعلام ، وهذا القصص هو الذي يكون به الحساب ويتلوه الجزاء ، والآيات والأحاديث في بيانه كثيرة . 
أما الآيات فتأتي في مواضعها ، وأما الأحاديث فمنها حديث  ابن عمر  المتفق عليه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته : فالإمام يسأل عن الناس ، والرجل يسأل عن أهله ، والمرأة تسأل عن بيت زوجها ، والعبد يسأل عن مال سيده   " وورد بألفاظ أخرى . وفي معناه ما رواه  الطبراني  في الأوسط بسند صحيح عن أنس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فأعدوا للمسائل جوابا " قالوا : وما جوابها ؟ قال : " أعمال البر " وفي معناه ما رواه من حديث  عبد الله بن مسعود    " إن الله سائل كل ذي رعية عما استرعاه أقام أمر الله   [ ص: 282 ] فيهم أم ضيعه . حتى إن الرجل ليسأل عن أهل بيته   " وما رواه في الكبير عن المقدام    : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يكون رجل على قوم إلا جاء يقدمهم يوم القيامة بين يديه راية يحملها وهم يتبعونه ، فيسأل عنهم ويسألون عنه   " ومنها ما رواه في الأوسط من حديث أنس    " أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ينظر في صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح وإن فسدت فقد خاب وخسر   " وما رواه هو  والبزار  والحاكم  من حديث  أبي هريرة  مرفوعا " ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا وأدخله الجنة برحمته - قالوا : وما هي قال - تعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ، وتعفو عمن ظلمك   " وروى أحمد   والنسائي  من حديث  أبي هريرة  مرفوعا " إن أول الناس يقضى يوم القيامة  عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت في سبيلك حتى استشهدت . قال : كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن . قال : كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار - ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار   " . 
وروى الترمذي  من حديث  أبي برزة الأسلمي  مرفوعا وقال حسن صحيح : " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيما عمل به ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه   " وروي نحوه عن  ابن مسعود  بلفظ " لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وماذا عمل فيما علم   " وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث  ابن مسعود  عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث حسين بن قيس  ، وحسين يضعف في الحديث اهـ . وهذه الرواية تذكر كثيرا في بعض خطب الجمعة وذكر السفاريني  في شرح عقيدته أن البزار   والطبراني  روياه به من حديث معاذ  بسند صحيح بلفظ " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال " إلخ . 
وروى أحمد   والترمذي   وابن ماجه  والحاكم  من حديث  شداد بن أوس  مرفوعا " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني   " علم عليه السيوطي  في الجامع الصغير بالصحة . وقال الترمذي  بعد ذكره - وآخره عنده   [ ص: 283 ]   " وتمنى على الله " - هذا حديث حسن ، ومعنى " دان نفسه " حاسب نفسه في الدنيا  قبل أن يحاسب يوم القيامة ، ويروى عن  عمر بن الخطاب  قال : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر وإنما يخفف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا اهـ . 
ولما كان الجزاء على حسب الأعمال وهي متفاوتة تنضبط وتقدر بالوزن وإقامة الميزان . قال عز وجل . 
				
						
						
