( وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم     ) . 
هذه الآية عطف على قوله تعالى : ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا    ) ( 102 ) وهؤلاء هم القسم الأخير من المتخلفين عن غزوة تبوك  ،  فقد علم مما تقدم أن المتخلفين منهم المنافقون وهم أكثرهم ، وقد تقدم بيان أقسامهم ومن اعتذر ومن لم يعتذر منهم ومنهم المؤمنون وهم قسمان ( أحدهما ) الذين اعترفوا بذنوبهم وتابوا وزكوا توبتهم بالصدقة وطلب دعاء الرسول واستغفاره فتاب الله عليهم ، و ( ثانيهما ) الذين حاروا في أمرهم ولم يعتذروا للرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنهم لا عذر لهم ، وأرجئوا توبتهم فأرجأ الله الحكم القطعي في أمرهم للحكمة التي يأتي بيانها قريبا . قال  ابن عباس  ومجاهد  وعكرمة  والضحاك  وغيرهم : وهم الثلاثة الذين خلفوا : أي عن التوبة ، وهم مرارة بن الربيع  ،  وكعب بن مالك  ، وهلال بن أمية  ، قعدوا عن غزوة تبوك  في جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والحظ وطيب الثمار والظلال لا شكا ونفاقا ، فكانت طائفة ربطوا أنفسهم بالسواري كما فعل أبو لبابة  وأصحابه ، وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم هؤلاء الثلاثة المذكورون فنزلت توبة أولئك قبل توبة هؤلاء ، وأرجئ هؤلاء عن التوبة حتى نزلت آيتا التوبة الآتيتين ( 117 ، 118 ) ( وآخرون مرجون لأمر الله    ) أي وثم أناس آخرون من المتخلفين مؤخرون لحكم الله في أمرهم ، أو لأمره لرسوله بما يعاملهم به . قرأ نافع  وحمزة   والكسائي  وحفص  عن عاصم    ( مرجون ) بحذف الهمزة للتخفيف ، والآخرون ( مرجئون ) بالهمزة على الأصل ، فهو اسم مفعول من أرجأه إذا أخره ، وقيل هما لغتان رجاه يرجوه وأرجأه يرجئه . وروي أن هذا الإرجاء كان يوما . 
 [ ص: 30 ]   ( إما يعذبهم وإما يتوب عليهم    ) أي أبهم الأمر عليهم وعلى الناس ، لا يدرون ما ينزل فيهم ، هل تنصح توبتهم فيتوب الله عليهم كما تاب على الذين اعترفوا بذنوبهم أم يحكم بعذابهم في الدنيا والآخرة كما حكم على الخالفين من المنافقين ؟ فالترديد بين الأمرين هو بالنسبة إلى الناس لا إلى الله عز وجل . وحكمة إبهام أمر هؤلاء عليهم إثارة للهم والخوف في قلوبهم لتصح توبتهم . وحكمة إبهامه على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين تركهم مكالمتهم ومخالطتهم - تربية للفريقين على ما يجب في أمثالهم من الذين يؤثرون الراحة ونعمة العيش على طاعة الله ورسوله والجهاد في سبيله ؛ لإعلاء كلمة الحق والعدل ودفع عدوان الكفار عن المؤمنين ، حتى كان من أمرهم ما بينه في الآية ( 118 ) ( والله عليم حكيم    ) عليم بحال عباده وما يربيهم ويزكيهم ويصلح حال أفرادهم ومجموعهم ، حكيم فيما يشرعه لهم من الأحكام المفيدة لهذا الصلاح ما عملوا بها . ومن آثار علمه وحكمته إرجاء النص على توبتهم في كتابه . ومن هذه الحكمة تكرار تأثير تلاوة المؤمنين للآيات في ذلك في الأوقات المتفرقة ، فإنها من أعظم آيات القرآن ترهيبا وتخويفا ، وعظة وتهذيبا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					