وإن يدعون إلا شيطانا مريدا   ، أي : وما يدعون بدعوتها إلا شيطانا مريدا ، قالوا : الشيطان يطلق على العارم الخبيث من الجن والإنس والمريد والمارد المتعري من الخيرات من قولهم : شجر أمرد إذا تعرى من الورق ، ومنه رملة مرداء لم تنبت شيئا ،   [ ص: 348 ] أو هو من مرد على الشيء إذا مرن عليه حتى صار يأتيه بغير تكلف ، ومنه قوله - تعالى - : ومن أهل المدينة مردوا على النفاق    ( 9 : 101 ) ، أي : شيطانا مرد على الإغواء والإضلال ، أو تمرد واستكبر عن الطاعة ، ثم وصفه وصفا آخر فقال : لعنه الله  ، واللعن عبارة عن الطرد والإبعاد مع السخط والإهانة والخزي  ، أي : أبعده الله عن مواقع فضله وتوفيقه وموجبات رحمته ، أي : أنهم ما يدعون إلا ذلك الشيطان المريد الملعون الذي هو داعية الباطل والشر في نفس الإنسان بما يوسوس في صدره ويعده ويمنيه كما بينه قوله - تعالى - : وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا  إلخ ، النصيب : الحصة والسهم من الشيء ، وهو ليس نصا في قلة ولا كثرة ، وقد يتبادر منه القلة ، والمفروض : المعين وأصله من الفرض والحز في الخشبة كما بيناه في أوائل السورة ، ومنه الفرض في العطاء ويحتمل أن يكون هذا النصيب طائفة الذين يضلهم ويغويهم ويزين لهم الشرك والمعاصي ، وأن يكون حظه من نفس كل فرد من أفراد الناس ، وهو الاستعداد الفطري للباطل والشر المقابل للاستعداد الفطري للحق والخير وهو المختار ، قال الأستاذ الإمام : النصيب المفروض هو ما للشيطان في نفس كل أحد من الاستعداد للشر الذي هو أحد النجدين في قوله - تعالى - : وهديناه النجدين    ( 90 : 10 ) ، فهذا هو عون الشيطان على الإنسان ، وهو عام في الناس حتى المعصومين ، ولكن أخبرنا الله - تعالى - أنه ليس له سلطان على عباده المخلصين ، فإذا هو زين لهم شيئا لا يغلبهم على عمله ، فما من إنسان إلا ويشعر من نفسه بوسوسة الشيطان ، فإن لم يكن بالشرك فبالمعصية والإصرار عليها أو الرياء في العبادة اهـ ، أقول : وقد ورد في القرآن والحديث الصحيح ما يؤيد هذا ، وسنذكره إن شاء الله - تعالى - في موضع آخر من التفسير . 
وهذا القول وأمثاله في القرآن المجيد في مخاطبة إبليس مع البارئ - جل وعلا - هو من الأقوال التكوينية أي التي يعبر بها عن تكوين العالم وما خلقه الله عليه كقوله - تعالى - : ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين    ( 41 : 11 ) ، فقوله - تعالى - هذا للسماء والأرض قول تكويني لا تكليفي فهو من قبيل قوله للشيء كن فيكون    ( 36 : 82 ) ، وقولهما أتينا طائعين  ، تكويني أيضا فهو عبارة عن كونهما وجدتا كما أراد الله - تعالى - أن توجدا عليه ، كما يجيب العبد العاقل نداء مولاه ، والمعنى أن الشيطان خلق هكذا فدعاؤه دعاء متمرد على الحق بعيد عن الخير ، مغرى بإغواء البشر وإضلالهم كما عبر عن طبعه وسجيته بصيغة القسم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					