( والله يعصمك من الناس     ) روى أهل التفسير المأثور ،  والترمذي  ، وأبو الشيخ  ، والحاكم  ، وأبو نعيم  ، والبيهقي  ،  والطبراني  عن بضعة رجال من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرس في مكة  قبل نزول هذه الآية ، فلما نزلت ترك الحرس ، وكان أبو طالب  أول الناس اهتماما بحراسته ، وحرسه العباس  أيضا ، ومما روي في ذلك عن جابر   وابن عباس    " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرس ، وكان يرسل معه عمه أبو طالب  كل يوم رجالا من بني هاشم  يحرسونه حتى نزلت الآية ، فقال : يا عم ، إن الله قد عصمني ، لا حاجة لي إلى من   [ ص: 392 ] تبعث " ، " ومعنى " يعصمك من الناس    " : يمنعك من فتكهم ، مأخوذ من عصام القربة ؛ وهو ما توكأ به ; أي ما يربط به فمها من سير جلد أو خيط . والمراد بالناس : الكفار الذين يتضمن تبليغ الوحي بيان كفرهم وضلالهم ، وفساد عقائدهم وأعمالهم ، والنعي عليهم وعلى سلفهم ، فإن ذلك يغيظهم ، ويحملهم على الإيذاء ; لذلك كان المشركون يتصدون لإيذائه صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل ، وائتمروا به بعد موت أبي طالب  ، وقرروا قتله في دار الندوة ، ولكن الله تعالى عصمه منهم . وكذلك فعل اليهود  بعد الهجرة ; ولذلك قيل : إن هذه الآية نزلت مرتين ، فإن لم تكن نزلت مرتين فقد وضعت في سياق تبليغأهل الكتاب    ; لتدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عرضة لإيذائهم ، وأن الله تعالى هو الذي عصمه من كيدهم ، ولتذكر بما كان من إيذاء مشركي قومه من قبلهم . 
أما قوله تعالى : ( إن الله لا يهدي القوم الكافرين    ) فهو تذييل تعليلي للعصمة ; أي إنه تعالى لا يهدي أولئك الناس ، الذين هم بصدد إيذائك على التبليغ ، وهم القوم الكافرون ، إلى ما يهمون به من ذلك ، بل يكونون خائبين ، وتتم كلمات الله تعالى حتى يكمل بها الدين . 
				
						
						
