أم   
حرف عطف نائب عن تكرير الاسم والفعل ، نحو : أزيد عندك أم عمرو ؟ وقيل :      [ ص: 158 ] إنما تشرك بين المتعاطفين كما تشرك بينها " أو " . وقيل : فيها معنى العطف . وهي استفهام كالألف ، إلا أنها لا تكون في أول الكلام لأجل معنى العطف . وقيل : هي " أو " أبدلت من الواو ، ليحول إلى معنى . يريد إلى معنى " أو " .  
وهي قسمان : متصلة ومنفصلة . فالمتصلة هي الواقعة في العطف ، والوارد بعدها وقبلها كلام واحد ، والمراد بها الاستفهام عن التعيين ، فلهذا يقدر بأي ، وشرطها أن تتقدمها همزة الاستفهام ، ويكون ما بعدها مفردا أو في تقديره .  
والمنفصلة ما فقد فيها الشرطان ، أو أحدهما ، وتقدر بل والهمزة . ثم اختلف النحاة في كيفية تقدير المنفصلة في ثلاثة مذاهب حكاها  الصفار     .  
- ( أحدها ) : أنها تقدر بهما وهي بمعناهما ، فتفيد الإضراب عما قبلها على سبيل التحول والانتقال كـ ( بل ) ، والاستفهام عما بعدها ، ومن ثم لا يجوز أن تستفهم مبتدئا كلامك بـ " أم " . ولا تكون إلا بعد كلام لإفادتها الإضراب كما تقدم . قال  أبو الفتح     : والفارق بينها وبين " بل " أن ما بعد " بل " منفي ، وما بعد " أم " مشكوك فيه .  
( والثاني ) أنها بمنزلة " بل " خاصة ، والاستفهام محذوف بعدها ، وليست هي مفيدة الاستفهام ، وهو قول  الفراء  في معاني القرآن .  
( والثالث ) أنها بمعنى الهمزة والإضراب مفهوم من أخذك في كلام آخر وترك الأول .  
قال  الصفار     : فأما الأول فباطل ، لأن الحرف لا يعطي في حيز واحد أكثر من معنى واحد ، فيبقى الترجيح بين المذهبين ، وينبغي أن يرجح الأخير ، لأنه ثبت من كلامهم إنها      [ ص: 159 ] لإبل أم شاء . ويلزم على القول الثاني حذف همزة الاستفهام في الكلام ، وهو من مواضع الضرورة ، قال : والصحيح أنها لا تخلو عن الاستفهام ، وكذلك قال   سيبويه  انتهى .  
واعلم أن المتصلة يصير معها الاسمان بمنزلة أي ، ويكون ما ذكر خبرا عن أي ، فإذا قلت : أزيد عندك أم عمرو ؟ فالمعنى : أيهما عندك ؟ والظرف خبر لهما . ثم المتصلة تكون في عطف المفرد على مثله ، نحو : أزيد عندك أم عمرو ؟ كقوله تعالى : (  أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار      ) ( يوسف : 39 ) أي : أي المعبودين خير ؟ وفي عطف الجملة على الجملة المتأولتين بالمفرد ، نحو : (  أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون      ) ( الواقعة : 72 ) أي الحال هذه أم هذه ؟ والمنقطعة إنما تكون على عطف الجمل ، وهي في الخبر والاستفهام بمثابة " بل " والهمزة ، ومعناها في القرآن التوبيخ كما كان في الهمزة كقوله تعالى : (  أم اتخذ مما يخلق بنات      ) ( الزخرف : 16 ) أي بل أتخذ ؟ لأن الذي قبلها خبر ، والمراد بها التوبيخ لمن قال ذلك وجرى على كلام العباد . وقوله : (  الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه      ) ( السجدة : 1 - 2 ) ثم قال : (  أم يقولون افتراه      ) ( السجدة : 3 ) تقديره : بل أيقولون ؟ كذا جعلها   سيبويه  منقطعة لأنها بعد الخبر .  
ثم وجه اعتراضا كيف يستفهم الله سبحانه وتعالى عن قولهم هذا ؟ وأجيب بأنه جاء في كلام العرب ، يريد أن في كلامهم يكون المستفهم محققا للشيء ، لكن يورده بالنظر إلى المخاطب كقوله : (  فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى      ) ( طه : 44 ) وقد علم الله أنه لا يتذكر ولا يخشى ، لكنه أراد لعله يفعل ذلك في      [ ص: 160 ] رجائكما . وقوله : (  أم اتخذ مما يخلق بنات      ) ( الزخرف : 16 ) تقديره بل أتخذ ؟ بهمزة منقطعة للإنكار .  
وقد تكون بمعنى " بل " من غير استفهام ، كقوله تعالى : (  أمن خلق السماوات والأرض      ) ( النمل : 60 ) وما بعدها في سورة النمل .  
قال   ابن طاهر     : ولا يمتنع عندي إذا كانت بمعنى " بل " أن تكون عاطفة ، كقوله تعالى : (  أم يقولون شاعر      ) ( الطور : 30 ) وقوله : (  أم كان من الغائبين      ) ( النمل : 20 ) .  
وقال  البغوي  في قوله : (  أم أنا خير من هذا الذي هو مهين      ) ( الزخرف : 52 ) بمعنى " بل " وليس بحرف عطف ، على قول أكثر المفسرين . وقال  الفراء     : وقوم من أهل المعاني : الوقف على قوله " أم " ، وحينئذ تم الكلام ، وفي الآية إضمار ، والأصل (  أفلا تبصرون      ) ( الزخرف : 51 ) أم تبصرون ؟ ثم ابتدأ فقال : (  أنا خير      ) ( الزخرف : 52 ) .  
قلت : فعلى الأول تكون منقطعة ، وعلى الثاني متصلة . وفيها قول ثالث ، قال  أبو زيد     : إنها زائدة ، وإن التقدير : أفلا تبصرون أنا خير منه !  
والمشهور أنها منقطعة ، لأنه لا يسألهم عن استواء علمه في الأول والثاني ، لأنه إنما أدركه الشك في تبصرهم بعد ما مضى كلامه على التقرير ، وهو مثبت ، وجواب السؤال " بلى " ، فلما أدركه الشك في تبصرهم قال : (  أم أنا خير      ) .  
 [ ص: 161 ] وسأل   ابن طاهر  شيخه   أبا القاسم بن الرماك     : لم لم يجعل   سيبويه  أم متصلة ؟ أي " أفلا تبصرون أم تبصرون " ؟ أي : أي هذين كان منكم ؟ فلم يحر جوابا ، وغضب وبقي جمعة لا يقرر حتى استعطفه .  
والجواب من وجهين : أحدهما : أنه ظن أنهم لا يبصرون ، فاستفهم عن ذلك ، ثم ظن أنهم يبصرون ؛ لأنه معنى قوله : (  أم أنا خير من      ) فأضرب عن الأول واستفهم ، كذلك : أزيد عندك أم لا ؟ . ( والثاني ) : أنه لو كان الإبصار وعدمه متعادلين لم يكن للبدء بالنفي معنى ، فلا يصح إلا أن تكون منقطعة .  
وقد تحتمل المتصلة والمنقطعة ، كما قال في قوله تعالى : (  أم تريدون      ) ( البقرة : 108 ) . قال  الواحدي     : إن شئت جعلت قبله استفهاما رد عليه ، وهو قوله : (  ألم تعلم      ) ( البقرة : 106 ) وإن شئت منقطعة عما قبلها مستأنفا بها الاستفهام ، فيكون استفهاما متوسطا في اللفظ ، مبتدأ في المعنى ، كقوله تعالى : (  أليس لي ملك مصر      ) ( الزخرف : 51 ) الآية ، ثم قال : (  أم أنا خير      ) ( الزخرف : 52 ) انتهى .  
والتحقيق ما قاله  أبو البقاء  إنها ههنا منقطعة إذ ليس في الكلام همزة تقع      [ ص: 162 ] موقعها ، وموقع " أم " " أيهما " والهمزة في قوله : ( ألم تعلم ) ليست من " أم " في شيء ، والتقدير : بل أتريدون أن تسألوا ؟ فخرج بـ " أم " من كلام إلى آخر .  
وقد تكون بمعنى " أو " كما في قوله تعالى : (  أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم      ) ( الملك : 16 - 17 ) . وقوله : (  أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا   أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى      ) ( الإسراء : 68 - 69 ) .  
ومعنى ألف الاستفهام عند  أبي عبيد  كقوله تعالى : (  أم تريدون أن تسألوا رسولكم      ) ( البقرة : 108 ) أي تريدون ؟ وقوله : (  أم حسبتم أن تدخلوا الجنة      ) ( البقرة : 211 ) . وقوله : (  أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله      ) ( النساء : 54 ) أي : أيحسدون ؟ وقوله : (  ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار   أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار      ) ( ص : 62 - 63 ) أي أزاغت عنهم الأبصار ؟ وقوله : (  أم له البنات ولكم البنون      ) ( الطور : 39 ) أي أله ؟ (  أم تسألهم أجرا      ) أي : أتسألهم أجرا ؟  
وقوله : (  أم حسبت أن أصحاب الكهف      ) ( الكهف : 9 ) قيل : أي أظننت هذا ؟ ومن عجائب ربك ما هو أعجب من قصة أصحاب الكهف . وقيل : بمعنى ألف الاستفهام ، كأنه قال : أحسبت ؟ وحسبت بمعنى الأمر ، كما تقول لمن تخاطبه : أعلمت أن زيدا خرج ، بمعنى الأمر ، أي اعلم أن زيدا خرج ، فعلى هذا التدريج يكون معنى الآية : اعلم يا  محمد   أن أصحاب الكهف والرقيم .  
 [ ص: 163 ] وقال  أبو البقاء  في قوله تعالى : (  أم اتخذ مما يخلق بنات      ) ( الزخرف : 16 ) تقديره : بل " أتخذ ! " بهمزة مقطوعة على الإنكار ، ولو جعلناه همزة وصل لصار إثباتا ، تعالى الله عز وجل عن ذلك ، ولو كانت " أم " المنقطعة بمعنى " بل " وحدها دون الهمزة ، وما بعد " بل " متحقق فيصير ذلك في الآية متحققا تعالى الله عن ذلك  
				
						
						
