[ ص: 5 ] النوع الثامن والأربعون في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض      .  
أفرده بالتصنيف  قطرب     .  
والمراد به ما يوهم التعارض بين الآيات .  
وكلامه تعالى منزه عن ذلك كما قال :  ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا      [ النساء : 82 ] ، ولكن قد يقع للمبتدئ ما يوهم اختلافا وليس به في الحقيقة ، فاحتيج لإزالته ، كما صنف في مختلف الحديث وبيان الجمع بين الأحاديث المتعارضة ، وقد تكلم في ذلك   ابن عباس  وحكي عنه التوقف في بعضها .  
قال  عبد الرزاق  في تفسيره : أنبأنا  معمر ،  عن رجل عن   المنهال بن عمرو ،  عن   سعيد بن جبير  قال :  جاء رجل إلى   ابن عباس  فقال : رأيت أشياء تختلف علي من القرآن ، فقال   ابن عباس     : ما هو ؟ أشك ؟ قال : ليس بشك ولكنه اختلاف ، قال : هات ما اختلف عليك من ذلك . قال : أسمع الله يقول :  ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين      [ الأنعام : 23 ] ، وقال :  ولا يكتمون الله حديثا      [ النساء : 42 ] ، فقد كتموا وأسمعه يقول :  فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون      [ المؤمنون : 101 ] ، ثم قال :  وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون      [ الطور : 25 ] ، وقال :  أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين      [ فصلت : 9 - 11 ] ، حتى بلغ طائعين [ فصلت : 11 ] ، ثم قال في الآية الأخرى :      [ ص: 6 ] أم السماء بناها      [ النازعات : 27 ] ، ثم قال :  والأرض بعد ذلك دحاها      [ النازعات : 30 ] ، وأسمعه يقول : وكان الله ، ما شأنه يقول : وكان الله ؟  
فقال   ابن عباس     : أما قوله  ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين      [ الأنعام : 23 ] ، فإنهم لما رأوا يوم القيامة ، وأن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره ، جحده المشركون رجاء أن يغفر لهم ، فقالوا : والله ربنا ما كنا مشركين فختم الله على أفواههم فتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فعند ذلك يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا .  
وأما قوله :  فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون      [ المؤمنون : 101 ] ، فإنه إذا نفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون .  
وأما قوله :  خلق الأرض في يومين      [ فصلت : 9 ] ، فإن الأرض خلقت قبل السماء وكانت السماء دخانا فسواهن سبع سماوات في يومين بعد خلق الأرض .  
وأما قوله  والأرض بعد ذلك دحاها      [ النازعات : 30 ] ، يقول : جعل فيها جبلا وجعل فيها نهرا ، وجعل فيها شجرا ، وجعل فيها بحورا .  
وأما قوله :  وكان الله   فإن الله كان ولم يزل كذلك ، وهو كذلك عزيز حكيم عليم قدير ، لم يزل كذلك .  
فما اختلف عليك من القرآن فهو يشبه ما ذكرت لك ، وإن الله لم ينزل شيئا إلا وقد أصاب الذي أراد ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .  
أخرجه بطوله  الحاكم  في المستدرك وصححه ، وأصله في الصحيح .  
قال  ابن حجر  في شرحه : حاصل فيه السؤال عن أربعة مواضع .  
الأول : نفي المسألة يوم القيامة وإثباتها .  
 [ ص: 7 ] الثاني : كتمان المشركين حالهم وإفشاؤه .  
الثالث : خلق الأرض أو السماء أيهما تقدم .  
الرابع : الإتيان بحرف ( كان ) الدالة على المضي مع أن الصفة لازمة .  
وحاصل جواب   ابن عباس  عن الأول : أن نفي المساءلة فيما قبل النفخة الثانية وإثباتها فيما بعد ذلك .  
وعن الثاني : أنهم يكتمون بألسنتهم فتنطق أيديهم وجوارحهم .  
وعن الثالث : أنه بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوة ، ثم خلق السماوات فسواهن في يومين ثم دحا الأرض بعد ذلك ، وجعل فيها الرواسي وغيرها في يومين ، فتلك أربعة أيام للأرض .  
وعن الرابع : بأن ( كان ) وإن كانت للماضي لكنها لا تستلزم الانقطاع بل المراد أنه لم يزل كذلك .  
فأما الأول : فقد جاء فيه تفسير آخر : أن نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباتها فيما عدا ذلك وهذا منقول عن   السدي ،  أخرجه   ابن جرير  من طريق  علي بن أبي طلحة ،  عن   ابن عباس     : أن نفي المساءلة عند النفخة الأولى وإثباتها بعد النفخة الثانية .  
وقد تأول   ابن مسعود  نفي المساءلة على معنى آخر : وهو طلب بعضهم من بعض العفو فأخرج   ابن جرير  من طريق  زاذان  قال :  أتيت   ابن مسعود  فقال : يؤخذ بيد العبد يوم القيامة فينادى : ألا إن هذا فلان بن فلان ، فمن كان له حق قبله فليأت ، قال : فتود المرأة يومئذ أن يثبت لها حق على أبيها أو ابنها أو أخيها أو زوجها  فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون      [ المؤمنون : 101 ] .  
ومن طريق أخرى قال : لا يسأل أحد يومئذ بنسب شيئا ولا يتساءلون به ، ولا يمت برحم .  
 [ ص: 8 ] وأما الثاني فقد ورد بأبسط منه فيما أخرجه   ابن جرير ،  عن   الضحاك بن مزاحم  أن  نافع بن الأزرق  أتى   ابن عباس  فقال : قول الله :  ولا يكتمون الله حديثا      [ النساء : 42 ] ، وقوله :  والله ربنا ما كنا مشركين      [ الأنعام : 23 ] ، فقال : إني أحسبك قمت من عند أصحابك ، فقلت لهم : آتي   ابن عباس ،  ألقي عليه متشابه القرآن ؟ فأخبرهم : أن الله إذا جمع الناس يوم القيامة قال المشركون : إن الله لا يقبل إلا ممن وحده فيسألهم فيقولون :  والله ربنا ما كنا مشركين      [ الأنعام : 23 ] ، قال : فيختم على أفواههم وتستنطق جوارحهم     .  
ويؤيده ما أخرجه  مسلم  من حديث   أبي هريرة  في أثناء حديث ، وفيه :  ثم يلقى الثالث فيقول : رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك . ويثني ما استطاع فيقول : الآن نبعث شاهدا عليك ، فيفكر في نفسه : من الذي يشهد علي فيختم على فيه وتنطق جوارحه     .  
وأما الثالث ففيه أجوبة أخرى : منها أن ( ثم ) بمعنى الواو ، فلا إيراد .  
وقيل : المراد ترتيب الخبر لا المخبر به كقوله :  ثم كان من الذين آمنوا      [ البلد : 17 ] .  
وقيل : على بابها وهي لتفاوت ما بين الخلقين لا للتراخي في الزمان .  
وقيل : خلق بمعنى قدر .  
وأما الرابع : وجواب   ابن عباس  عنه ، فيحتمل كلامه أنه أراد أنه سمى نفسه غفورا رحيما وهذه التسمية مضت لأن التعلق انقضى ، وأما الصفتان فلا تزالان كذلك لا ينقطعان; لأنه تعالى إذا أراد المغفرة أو الرحمة في الحال أو الاستقبال وقع مراده . قاله  الشمس الكرماني ،  قال : ويحتمل أن يكون   ابن عباس  أجاب بجوابين :  
أحدهما : أن التسمية هي التي كانت وانتهت والصفة لا نهاية لها .  
والآخر أن معنى ( كان ) الدوام ، فإنه لا يزال كذلك .  
ويحتمل أن يحمل السؤال على مسلكين ، والجواب على دفعهما كأن يقال : هذا      [ ص: 9 ] اللفظ مشعر بأنه في الزمان الماضي كان غفورا رحيما ، مع أنه لم يكن هناك من يغفر له أو يرحم ، وبأنه ليس في الحال كذلك كما يشعر به لفظ كان .  
والجواب عن الأول : بأن كان في الماضي تسمى به .  
وعن الثاني بأن كان تعطي معنى الدوام .  
وقد قال النحاة : كان لثبوت خبرها ماضيا دائما أو منقطعا .  
وقد أخرج   ابن أبي حاتم  من وجه آخر  عن   ابن عباس  أن يهوديا قال له : إنكم تزعمون أن الله كان عزيزا حكيما ، فكيف هو اليوم ؟ فقال : إنه كان في نفسه عزيزا حكيما     .  
موضع آخر توقف فيه   ابن عباس  قال  أبو عبيد     : حدثنا  إسماعيل بن إبراهيم ،  عن  أيوب ،  عن  أبي مليكة  قال :  سأل رجل   ابن عباس  عن  في يوم كان مقداره ألف سنة      [ السجدة : 5 ] ، وقوله :  في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة      [ المعارج : 4 ] ، فقال   ابن عباس     : هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه ، الله أعلم بهما     .  
وأخرجه   ابن أبي حاتم  من هذا الوجه وزاد :  ما أدري ما هما ، وأكره أن أقول فيهما ما لا أعلم     .  
قال   ابن أبي مليكة     : فضربت البعير حتى دخلت على   سعيد بن المسيب  فسئل عن ذلك فلم يدر ما يقول ، فقلت له : ألا أخبرك بما حضرت من  ابن عباس ؟  فأخبرته ، فقال   ابن المسيب  للسائل : هذا   ابن عباس  قد اتقى أن يقول فيهما ، وهو أعلم مني .  
وروي عن   ابن عباس  أيضا ،  أن يوم الألف هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه ، ويوم الألف في سورة الحج هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات ، ويوم الخمسين ألفا هو يوم القيامة     .  
فأخرج   ابن أبي حاتم  من طريق  سماك ،  عن  عكرمة ،  عن   ابن عباس  أن رجلا قال له : حدثني ما هؤلاء الآيات  في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة      [ المعارج : 4 ] ، و  يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة      [ السجدة : 5 ] ،  وإن يوما عند ربك كألف سنة      [ الحج : 47 ] ، فقال : يوم القيامة حساب خمسين ألف سنة والسماوات في ستة أيام كل يوم يكون ألف سنة ، و  يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة   ، قال : ذلك مقدار المسير     .  
 [ ص: 10 ] وذهب بعضهم إلى أن المراد بها يوم القيامة ، وأنه باعتبار حال المؤمن والكافر بدليل قوله :  يوم عسير على الكافرين غير يسير      [ المدثر : 9 - 10 ] .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					