فصل :  
في أنواع مختلف في عدها من المجاز   وهي ستة :  
أحدها : الحذف ، فالمشهور أنه من المجاز ، وأنكره بعضهم لأن المجاز استعمال      [ ص: 42 ] اللفظ في غير موضوعه ، والحذف ليس كذلك . وقال  ابن عطية     : حذف المضاف هو عين المجاز ومعظمه ، وليس كل حذف مجازا .  
وقال  القرافي     : الحذف أربعة أقسام :  
قسم يتوقف عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد ، نحو :  واسأل القرية      [ يوسف : 82 ] ؛ أي : أهلها ؛ إذ لا يصح إسناد السؤال إليها .  
وقسم يصح بدونه لكن يتوقف عليه شرعا كقوله :  فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر      [ البقرة : 184 ] ؛ أي : فأفطر فعدة .  
وقسم يتوقف عليه عادة لا شرعا ، نحو :  أن اضرب بعصاك البحر فانفلق      [ الشعراء : 63 ] ؛ أي : فضربه .  
وقسم يدل عليه دليل غير شرعي ولا هو عادة ، نحو :  فقبضت قبضة من أثر الرسول      [ طه : 96 ] ، دل الدليل على أنه إنما قبض من أثر حافر فرس الرسول ، وليس في هذه الأقسام مجاز إلا الأول .  
وقال  الزنجاني  في المعيار : إنما يكون مجازا إذا تغير حكم ، فأما إذا لم يتغير كحذف خبر المبتدإ المعطوف على جملة فليس مجازا ، إذ لم يتغير حكم ما بقي من الكلام .  
وقال  القزويني  في الإيضاح : متى تغير إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فهي مجاز ، نحو :  واسأل القرية      [ يوسف : 82 ] ،  ليس كمثله شيء      [ الشورى : 110 ] ، فإن كان الحذف أو الزيادة لا يوجب تغير الإعراب ، نحو :  أو كصيب      [ البقرة : 19 ] ،  فبما رحمة      [ آل عمران : 159 ] ، فلا توصف الكلمة بالمجاز .  
الثاني : التأكيد ، زعم قوم أنه مجاز لأنه لا يفيد إلا ما أفاده الأول ، والصحيح أنه حقيقة .  
قال   الطرطوشي  في العمدة : ومن سماه مجازا قلنا له : إذا كان التأكيد بلفظ الأول ، نحو : ( عجل عجل ) ونحوه ، فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول ؛ لأنهما في لفظ واحد . وإذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه لأنه مثل الأول .  
 [ ص: 43 ] الثالث : التشبيه ، زعم قوم أنه مجاز والصحيح أنه حقيقة .  
قال  الزنجاني  في المعيار : لأنه معنى من المعاني ، وله ألفاظ تدل عليه وضعا فليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه .  
وقال  الشيخ عز الدين     : إن كان بحرف فهو حقيقة أو بحذفه فمجاز بناء على أن الحذف من باب المجاز .  
الرابع : الكناية ، وفيها أربعة مذاهب .  
أحدها : أنها حقيقة ، قال  ابن عبد السلام     : وهو الظاهر لأنها استعملت فيما وضعت له ، وأريد بها الدلالة على غيره .  
الثاني : أنها مجاز .  
الثالث : أنها لا حقيقة ولا مجاز ، وإليه ذهب صاحب التلخيص لمنعه في المجاز أن يراد المعنى الحقيقي مع المجازي وتجويزه ذلك فيها .  
الرابع : وهو اختيار  الشيخ تقي الدين السبكي  أنها تنقسم إلى حقيقة ومجاز ، فإن استعملت اللفظ في معناه مرادا منه لازم المعنى أيضا فهو حقيقة ، وإن لم يرد المعنى بل عبر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز لاستعماله في غير ما وضع له .  
والحاصل أن الحقيقة منها أن يستعمل اللفظ فيما وضع له ليفيد غير ما وضع له ، والمجاز منها : أن يريد به غير موضوعه استعمالا وإفادة .  
الخامس : التقديم والتأخير ، عده قوم من المجاز; لأن تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول وتأخير ما رتبته التقديم كالفاعل نقل لكل واحد منهما عن مرتبته وحقه .  
قال في البرهان : والصحيح أنه ليس منه ، فإن المجاز نقل ما وضع إلى ما لم يوضع له .  
 [ ص: 44 ] السادس : الالتفات : قال  الشيخ بهاء الدين السبكي     : لم أر من ذكر هل هو حقيقة أو مجاز ؟ قال : وهو حقيقة حيث لم يكن معه تجريد .  
فصل فيما يوصف بأنه حقيقة ومجاز باعتبارين .  
هو الموضوعات الشرعية كالصلاة والزكاة والصوم والحج ، فإنها حقائق بالنظر إلى الشرع مجازات بالنظر إلى اللغة .  
فصل في  الواسطة بين الحقيقة والمجاز      .  
قيل بها في ثلاثة أشياء :  
أحدها : اللفظ قبل الاستعمال ، وهذا القسم مفقود في القرآن ، ويمكن أن يكون منه أوائل السور على القول بأنها للإشارة إلى الحروف التي يتركب منها الكلام .  
ثانيا : الأعلام .  
ثالثها : اللفظ المستعمل في المشاكلة ، نحو :  ومكروا ومكر الله      [ آل عمران : 54 ] ،  وجزاء سيئة سيئة مثلها      [ الشورى : 40 ] ، ذكر بعضهم أنه واسطة بين الحقيقة والمجاز .  
قال : لأنه لم يوضع لما استعمل فيه ، فليس حقيقة ، ولا علاقة معتبرة فليس مجازا ، كذا في شرح بديعية  ابن جابر  لرفيقه .  
قلت : والذي يظهر أنها مجاز والعلاقة المصاحبة .  
خاتمة : لهم مجاز المجاز ، وهو أن يجعل المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر ، فيتجوز بالمجاز الأول عن الثاني لعلاقة بينهما كقوله تعالى :  ولكن لا تواعدوهن سرا      [ البقرة : 235 ] ، فإنه مجاز عن مجاز ، فإن الوطء تجوز عنه بالسر لكونه لا يقع غالبا إلا في السر ، وتجوز به عن العقد لأنه مسبب عنه ، فالمصحح للمجاز الأول الملازمة ، والثاني السببية ، والمعنى : لا تواعدوهن عقد نكاح .  
وكذا قوله  ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله      [ المائدة : 5 ] ، فإن قوله  لا إله إلا الله      [ الصافات : 35 ] مجاز عن تصديق القلب بمدلول هذا اللفظ ، والعلاقة السببية ؛ لأن توحيد اللسان مسبب عن توحيد الجنان ، والتعبير ب ( لا إله إلا الله ) عن الوحدانية من مجاز التعبير بالقول عن المقول فيه .  
وجعل منه  ابن السيد  قوله :  أنزلنا عليكم لباسا      [ الأعراف : 26 ] ، فإن المنزل عليهم ليس هو نفس اللباس ، بل الماء المنبت للزرع المتخذ منه الغزل المنسوج منه اللباس .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					