[  المذهب الراجح في إصلاح اللحن      ] :  
( ومذهب المحصلين ) والعلماء من المحدثين ، كما صرح به  الخطيب  في ( جامعه ) ، ومنهم  همام  ،   وابن المبارك  ،  وابن   [ ص: 169 ] عيينة  ،   والنضر بن شميل  ،  وأبو عبيد  ،   وعفان  ،   وابن المديني  ،   وابن راهويه  ،   والحسن بن علي الحلواني  ،   والحسن بن محمد الزعفراني  ، وغيرهم ممن سأحكيه عنهم وغيرهم ، وصوبه من المتأخرين  ابن كثير  ، أنه ( يصلح ) فيغير ( ويقرأ الصواب ) من أول وهلة . قال   الأوزاعي     : أعربوا الحديث ، فإن القوم كانوا عربا .  
وعنه أيضا : لا بأس بإصلاح اللحن في الحديث . وممن حكي ذلك عنه   الشعبي  ،  وعطاء  ،   والقاسم بن محمد  ،   وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين  ، حيث سئلوا عن  الرجل يحدث بالحديث فيلحن ; أيرويه السامع له كذلك أم يعربه   ؟ فقالوا : بل يعربه . ذكره   ابن أبي خيثمة  في كتاب ( الإعراب ) له .  
وعن   الأعمش  قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلحن ، فقوموه . وروينا في " جزء   عبد الله بن أحمد الخرقي     " عن   علي بن الحسن  قال :  قلت   لابن المبارك     : يكون في الحديث لحن ، نقومه ؟ قال : نعم ، القوم لم يكونوا يلحنون ، اللحن منا     . وعن   عباس الدوري  أنه قيل   لابن معين     : ما تقول في الرجل يقوم للرجل حديثه ، يعني ينزع منه اللحن ، فقال : لا بأس به .  
وقال  أبو داود     : كان  أحمد بن صالح  يقوم كل لحن في الحديث . قال  الخطيب     : وهذا إجماع منهم على أن إصلاح اللحن جائز .  
وقال في ( الجامع ) : إن الذي نذهب إليه  رواية الحديث على الصواب ، وترك اللحن فيه وإن كان قد سمع ملحونا      ; لأن من اللحن ما يحيل الأحكام ، ويصير الحرام حلالا ، والحلال حراما ، فلا يلزم اتباع السماع فيما هذه سبيله . ومقتضاه أنه لا فرق في ذلك بين المغير للمعنى وغيره .  
( وهو ) أي الإصلاح ( الأرجح في  اللحن ) الذي ( لا يختلف المعنى به      ) وفي أمثاله ، أما الذي يختلف المعنى به فيصلح عند المحصلين جزما . وعبارة بعض المتأخرين في المغير للمعنى : لا تجوز الرواية له اتفاقا . قال  عبد الله بن   [ ص: 170 ] أحمد     : ما زال القلم في يد أبي حتى مات ، وكان يقول : إذا لم يتصرف الشيء في معنى فلا بأس أن يصلح . أو كما قال .  
واحتج  ابن المنير  لهذا المذهب بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث : ( نضر الله ) : (  فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه     ) . يعني لما فيه من الإشارة إلى عدم تقليد الراوي في كل ما يجيء به .  
وكذا احتج له  ابن فارس  بقوله في الحديث المشار إليه : ( فبلغها كما سمع ) لكون المراد به : كما سمع من صحة المعنى واستقامته من غير زيادة ولا نقص .  
وقد قال بعضهم كما روينا في ( جامع  الخطيب     ) : إذا كتب لحان ، وعن اللحان آخر مثله .  
وعن الثاني ثالث مثله صار الحديث بالفارسية . ونحوه ما قيل في ترك المقابلة كما تقدم .  
قال   ابن الصلاح     : والقول به ، أي بالرواية على الصواب مع الإصلاح ، لازم على مذهب الأكثرين في تجويز الرواية بالمعنى . فقوله : لازم . يحتمل الوجوب ; لأنه إذا جاز التغيير في صواب اللفظ فلا يمتنع أن يجب في خطئه ، ولكن الظاهر أنه إنما أراد مجرد إلزامهم القول به لكونه هنا آكد ، لا سيما وقد صرح  الخطيب  بالجواز فقال : وقد أجاز بعض العلماء ألا يذكر  الخطأ الحاصل في الكتاب إذا كان متيقنا   ، بل يروى على الصواب .  
بل كلامه في ( الكفاية ) قد يشير إلى الاتفاق عليها ، فإنه قال : إذا كان اللحن يحيل المعنى فلا بد من تغييره ، وكثير من الرواة يحرفون الكلام عن وجهه ، ويزيلون الخطاب عن موضعه ، وليس يلزم من أخذ عمن هذه سبيله أن يحكي لفظه إذا عرف وجه      [ ص: 171 ] الصواب ، وخاصة إذا كان الحديث معروفا ، ولفظ العرب به ظاهرا معلوما ، ألا ترى أن المحدث لو قال : لا يؤم المسافر المقيم . بنصب المسافر ورفع المقيم ، كان قد أحال المعنى ؟ فلا يلزم اتباع لفظه .  
ونحوه قول  عبد الله بن أحمد     : كان إذا مر بأبي لحن فاحش غيره ، وإن كان سهلا تركه وقال : كذا قال الشيخ .  
وكذا يشبه أن يكون محل الخلاف فيما لم يكن مجمعا على الخطأ فيه ، إما بالاستقراء التام للسان العرب ، أو بوضوح الأمر فيه ، وقد صرح   ابن حزم  في ( الإحكام ) له فيما يكون كذلك بالتحريم ، فإنه قال : إن الواقع في الرواية إن كان لا وجه له في الكلام ألبتة حرم عليه تأديته ملحونا ، لتيقننا أنه صلى الله عليه وسلم لم يلحن قط ، وإن جاز ولو على لغة بعض العرب أداه كما سمعه .  
ونحوه قول  أبي عمران الفسوي  فيما حكاه عنه  القابسي     : إن كان مما لا يوجد في كلام أحد من العرب قرئ على الصواب وأصلح ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن ، وإن كان مما يقوله بعض العرب ولم يكن في لغة  قريش   ، فلا ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكلم الناس بلغتهم . يعني كقوله على لغة  الأشعريين   في قلب اللام ميما : (  ليس من امبر امصيام في امسفر     ) .  
ومن ثم أشار  ابن فارس  إلى  التروي في الحكم على الرواية بالخطأ   ، والبحث الشديد ، فإن اللغة واسعة ، بل قال   ابن الصلاح     : إن كثيرا ما نرى ما يتوهمه كثير من أهل العلم خطأ ، وربما غيروه ، صوابا ذا وجه صحيح ، وإن خفي واستغرب ، لا سيما فيما يعدونه خطأ من جهة العربية .  
وذلك لكثرة لغات العرب      [ ص: 172 ] وتشعبها ، هذا   أبو الوليد الوقشي  مع تقدمه في اللغة وكثرة مطالعته وافتنانه وثقوب فهمه وحدة ذهنه ، كان يبادر إلى الإصلاح ، ثم يتبين الصواب فيما كان في الرواية ، كما قدمته في التصحيح والتمريض ، وكذلك غيره ممن سلك مسلكه ، لا سيما وقد  قال   أبو عبيد القاسم بن سلام     : لأهل العربية لغة ، ولأهل الحديث لغة ، ولغة أهل العربية أقيس ، ولا نجد بدا من اتباع لغة أهل الحديث من أجل السماع     .  
ورئي بعض أهل الحديث في المنام وكأنه قد مر من شفته أو لسانه شيء فقيل له في ذلك ، فقال : لفظة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرتها برأيي ، ففعل بي هذا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					