[ ص: 75 ]    [  تعاليق الصحيحين      ] ( و ) كذا ( لهما ) في صحيحيهما ( بلا سند ) أصلا ، أو كامل ; حيث أضيف لبعض رواته إما الصحابي أو التابعي فمن دونه ، مع قطع السند مما يليهما ( أشيا ) بالقصر للضرورة ; كأن يقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو قال   ابن عباس  ، أو  عكرمة  ، أو   الزهري  والجمع بالنظر إليهما معا ; إذ ليس عند  مسلم  بعد المقدمة مما لم يوصله فيه سوى موضع واحد ، والحكم في ذلك مختلف .  
( فإن يجزم ) المعلق منهما بنسبته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو غيره ممن أضافه إليه ( فصحح ) أيها الطالب إضافته لمن نسب إليه ; فإنه لن يستجيز إطلاقه إلا وقد صح عنده عنه ، ولا التفات لمن نقض هذه القاعدة ، بل هي صحيحة مطردة ، لكن مع عدم التزام كونه على شرطه .  
( أو ) لم يأت المعلق بالجزم ، بل ( ورد ممرضا فلا ) تحكم له بالصحة عنده عن المضاف إليه ، بمجرد هذه الصيغة ; لعدم إفادتها ذلك ، وحينئذ فلا ينتقد بما وقع بها مع وصله له في موضع آخر من كتابه .  
على أن شيخنا - وهو من أئمة الاستقراء خصوصا في هذا النوع - أفاد أنه لا يتفق له مثل ذلك ، إلا حيث علقه بالمعنى ، أو اختصره ، وجزم بأن ما يأتي به بصيغة التمريض - أي : فيما عداه - مشعر بضعفه عنده إلى من علقه عنه ; لعلة خفية فيه ، وقد لا تكون قادحة ، ولذلك فيه ما هو حسن ، بل وصحيح عند بعض الأئمة ، بل رواه  مسلم  في صحيحه ، وما قاله هو التحقيق ، وإن أوهم صنيع  ابن كثير  خلافه .  
( ولكن ) حيث تجردت ، فإيراد صاحب الصحيح للمعلق الضعيف كذلك في أثناء صحيحه ( يشعر بصحة الأصل له ) إشعارا يؤنس به ، ويركن إليه .  
وألفاظ التمريض   كثيرة ( كيذكر ) ويروى وروي ، ويقال ، وقيل ، [ ونحوها ،      [ ص: 76 ] واستغنى بالإشارة إلى بعضها عن أمثلة الجزم ; كذكر ، وزاد ، وروى ، وقال ] وغيرها لوضوحه ، حتى نقل  النووي  اتفاق محققي المحدثين وغيرهم على اعتبارهما كذلك ، وأنه لا ينبغي الجزم بشيء ضعيف ; لأنها صيغة تقتضي صحته عن المضاف إليه ، فلا ينبغي أن تطلق إلا فيما صح .  
قال : " وقد أهمل ذلك كثير من المصنفين من الفقهاء وغيرهم ، واشتد إنكار  البيهقي  على من خالف ذلك ، وهو تساهل قبيح جدا من فاعله ; إذ يقول في الصحيح : يذكر ويروى ، وفي الضعيف قال : وروى ، وهذا قلب للمعاني ، وحيد عن الصواب .  
قال : وقد اعتنى   البخاري  ، رحمه الله ، باعتبار هاتين الصيغتين ، وإعطائهما حكمهما في صحيحه ; فيقول في الترجمة الواحدة بعض كلامه بتمريض ، وبعضه بجزم ، واعيا لما ذكرنا ، وهذا مشعر بتحريه وورعه " . انتهى . وسيأتي المسألة في التنبيهات التي بآخر المقلوب .  
والحاصل أن  المجزوم به يحكم بصحته ابتداء   ، وما لعله يكون كذلك من الممرض إنما يحكم عليه بها بعد النظر ; لوجود الأقسام الثلاثة فيه فافترقا ، وإذا حكمت للمجزوم به بالصحة ، فانظر فيمن أبرز من رجاله ، تجد مراتبه مختلفة ; فتارة تلتحق بشرطه ، وتارة تتقاعد عن ذلك .  
وهو إما أن يكون حسنا صالحا للحجة ; كالمعلق عن   بهز بن حكيم  عن أبيه عن جده ، رفعه :  الله أحق أن يستحيى منه من الناس  ، فهو حسن مشهور عن  بهز  ، أخرجه أصحاب السنن ، بل ويكون صحيحا عند غيره .  
وقد يكون ضعيفا ، لكن لا من جهة قدح في رجاله ، بل من جهة انقطاع يسير في إسناده ; كالمعلق عن   طاوس     : قال : قال  معاذ     : فإن إسناده      [ ص: 77 ] إلى   طاوس  صحيح ، إلا أنه لم يسمعه من  معاذ  ، وحينئذ فإطلاق الحكم بصحتها ممن يفعله من الفقهاء ليس بجيد .  
والأسباب في تعليق ما هو ملتحق بشرطه : إما التكرار ، أو أنه أسند معناه في الباب ، ولو من طريق آخر ، فنبه عليه بالتعليق اختصارا ، أو أنه لم يسمعه ممن يثق به بقيد العلو ، أو مطلقا ، وهو معروف من جهة الثقات عن المضاف إليه ، أو سمعه لكن في حالة المذاكرة ، فقصد بذلك الفرق بين ما يأخذه عن مشائخه في حالة التحديث أو المذاكرة احتياطا .  
وفي المتقاعد عن شرطه : إما كونه في معرض المتابعة ، أو الاستشهاد المتسامح في إيراده مطلقا ، فضلا عن التعليق ، أو أنه نبه به على موضع يوهم تعليل الرواية التي على شرطه ، أو غير ذلك في الطرفين .  
وبما تقدم تأيد حمل  قول   البخاري     : " ما أدخلت في كتابي إلا ما صح "   على مقصوده به ، وهو الأحاديث الصحيحة المسندة ، دون التعاليق والآثار الموقوفة على الصحابة فمن بعدهم ، والأحاديث المترجم بها ونحو ذلك .  
وظهر افتراق ما لم يكن بطريق القصد في الحكم عن غيره واستثنائه من إفادة العلم ( وإن يكن أول الإسناد ) - بوصل الهمزة - من جهة صاحب الصحيح مثلا كشيخه فمن فوقه ( حذف ) وأضيف لمن بعد المحذوف مما هو في   البخاري  كثير ، كما تقدم ( مع صيغة الجزم ) أي : مع الإتيان بها ، بل والتمريض عند جماعة ممن تأخر عن   ابن الصلاح     ;  كالنووي  والمزي  في أطرافه مما تقدم حكمه في كليهما .  
( فتعليقا عرف ) أي : عرف بالتعليق بين أئمة هذا الشأن ;  كالحميدي  ،   والدارقطني  ، بل كان      [ ص: 78 ] أول من وجد في كلامه ، وهو مأخوذ من تعليق الجدار ، والطلاق ونحوه ، لما يشترك فيه الجميع من قطع الاتصال .  
واستبعد شيخنا أخذه من تعليق الجدار ، وأنه من الطلاق وغيره أقرب ، وشيخه  البلقيني  على خلافه ، ولا يشترط في تسميته تعليقا بقاء أحد من رجال السند ، بل ( ولو ) حذف من أوله ( إلى آخره ) واقتصر على الرسول في المرفوع ، أو على الصحابي في الموقوف - كان تعليقا ، حكاه   ابن الصلاح  عن بعضهم وأقره .  
ولم يذكره  المزي  في أطرافه ، بل ولا ما اقتصر فيه على الصحابي مع كونه مرفوعا ، وكان يلزمه بخلاف ما لو سقط البعض من أثنائه أو من آخره ، لاختصاصه بألقاب غيره ; كالعضل والقطع والإرسال .  
وهل يلتحق بذلك ما يحذف فيه جميع الإسناد ، مع عدم الإضافة لقائل ; كقول   البخاري  في صحيحه : " وكانت   أم الدرداء  تجلس في الصلاة جلسة الرجل ، وكانت فقيهة " وهو عنده في تأريخه الصغير ، وعند غيره عن  مكحول  ؟ الظاهر نعم ، وحكمه من غير ملتزمي الصحة الانقطاع ، ولذا ذكره   ابن الصلاح  رابع التفريعات التالية للمنقطع ، ومن ملتزميها ما تقدم قريبا .  
[  ما رواه المحدث عن شيخه بـ " قال      " ] ( أما ) المصنف ( الذي لشيخه عزا ) ما أورده ( بـ " قال " ) وزاد ونحوهما ( فكـ ) إسناد ( ذي عنعنة )  فيشترط للحكم باتصاله شيئان      : لقي الراوي لمن عنعن عنه ، وسلامته من التدليس ، كما سيأتي في بابه .  
وأمثلة هذه الصيغة كثيرة ( كخبر المعازف ) بالمهملة والزاء والفاء ; وهي آلات      [ ص: 79 ] الملاهي ، المروي عن  أبي عامر  ، أو  أبي مالك الأشعري  مرفوعا في الإعلام بمن يكون في أمته يستحلها ، ويستحل الحر - بالمهملتين وكسر الأولى مع التخفيف - يعني الزنا ، فإنه اسم لفرج المرأة ، والحرير .  
فإن   البخاري  أورده في الأشربة من صحيحه بقوله : " قال   هشام بن عمار     : ثنا  صدقة بن خالد  ، ثنا   عبد الرحمن بن يزيد بن جابر     " وساقه سندا ومتنا ،  فهشام  أحد شيوخ   البخاري  ، حدث عنه بأحاديث حصرها صاحب ( الزهرة ) في أربعة ، ولم يصف   البخاري  أحد بالتدليس ، وحينئذ فلا يكون تعليقا ، خلافا  للحميدي  في مثله ، وإن صوبه  ابن دقيق العيد  مع حكمه بصحته عن قائله .  
وعلى الحكم بكونه تعليقا مشى  المزي  في أطرافه ، ولم يقل : إن حكمه الانقطاع ، ولكن قد حكم  عبد الحق  وابن العربي السني  بعدم اتصاله .  
وقال  الذهبي     : ( حكمه الانقطاع ) ، ونحوه قول  أبي نعيم     : ( أخرجه   البخاري  بلا رواية ) ، وهو مقتضى كلام  ابن منده     ; حيث صرح بأن " قال " تدليس ، فالصواب الاتصال عند   ابن الصلاح  ومن تبعه ، فلا تعول على خلافه .  
( ولا تصغ   لابن حزم ) الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد  ، المنسوب هنا لجد أبيه  الأندلسي   القرطبي   الظاهري ( المخالف ) في أمور كثيرة ، نشأت عن غلطه      [ ص: 80 ] وجموده على الظاهر ، مع سعة حفظه وسيلان ذهنه ، كما وصفه حجة الإسلام الغزالي .  
وقول  العز بن عبد السلام     : " ما رأيت في كتب الإسلام مثل كتابه " المحلى " ، و " المغني "   لابن قدامة     "  إلى غير ذلك ، وكانت وفاته في شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة ( 456هـ ) عن اثنتين وسبعين سنة .  
حيث حكم بعدم اتصاله أيضا ، مع تصريحه في موضع آخر ; بأن  العدل الراوي إذا روى عمن أدركه من العدول ، فهو على اللقاء والسماع   ، سواء قال : أنا أو ثنا أو عن فلان ، أو قال فلان ، فكل ذلك محمول منه على السماع وهو تناقض ، بل وما اكتفى حتى صرح لأجل تقرير مذهبه الفاسد في إباحة الملاهي بوضعه مع كل ما في الباب ، وأخطأ فقد صححه   ابن حبان  وغيره من الأئمة .  
وقد وقع لي من حديث عشرة من أصحاب  هشام  عنه ، بل ولم ينفرد به كل من  هشام  وصدقة  وابن جابر     .  
ثم إنه كان الحامل لهم على الحكم بالانقطاع ما يوجد   للبخاري  من ذلك مرويا في موضع آخر من ذلك الشيخ بعينه بالواسطة مرة ، وتصريحه بعدم سماعه له منه أخرى ، ولا حجة لهم فيه ، فقد وقع له إيراد بعض الأحاديث عن بعض شيوخه بـ " قال " في موضع ، وبالتصريح في آخر .  
وحينئذ فكل ما يجيء عنه بهذه الصيغة محتمل للسماع وعدمه ، بل وسماعه محتمل لأن يكون في حالة المذاكرة أو غيرها ، ولا يسوغ مع الاحتمال الجزم بالانقطاع ، بل ولا الاتصال أيضا ; لتصريح الخطيب - كما سيأتي - بأنها لا تحمل      [ ص: 81 ] على السماع إلا ممن عرف من عادته أنه لا يطلقها إلا فيما سمعه ، نعم قال ما حاصله : إن من سلك الاحتياط في رواية ما لم يسمعه بالإجازة أو غيرها من الجهات الموثوق بها - يعني كالمناولة - فحديثه محتج به ، وإن لم يصرح بالسماع ، بناء على الأصل في تصحيح الإجازة . انتهى .  
وهذا يقتضي أن يكون في حكم الموصول ، لكن قال  أبو نعيم  في المستخرج عقب حديث قال فيه   البخاري     : " كتب إلي   محمد بن بشار     " : إنه لا يعلم له في كتابه حديثا بالإجازة ، يعني عن شيوخه غيره .  
وتوسط بعض متأخري المغاربة ، فوسم الوارد بـ " قال " بالتعليق المتصل من حيث الظاهر المنفصل من حيث المعنى ، لكنه أدرج معها " قال لي " ونحوها مما هو متصل جزما ، ونوزع فيه ، كما سيأتي في أول أقسام التحمل إن شاء الله .  
وبالجملة فالمختار الذي لا محيد عنه - كما قاله شيخنا - أن حكم " قال " في الشيوخ مثل غيرها من التعاليق المجزومة .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					