[  تعريف التواتر لغة واصطلاحا      ] ( ومنه ذو تواتر ) ، بل قال شيخنا : إن كل متواتر مشهور ، ولا ينعكس . يعني فإنه لا يرتقي للتواتر إلا بعد الشهرة ، فهو لغة : ترادف الأشياء المتعاقبة واحدا بعد واحد ، بينهما فترة ، ومنه قوله تعالى : (  ثم أرسلنا رسلنا تترى      ) ; أي : رسولا بعد رسول ، بينهما فترة . واصطلاحا : هو ما يكون ( مستقرا في ) جميع ( طبقاته ) ، أنه من الابتداء إلى الانتهاء ورد عن جماعة غير محصورين في عدد معين ، ولا صفة مخصوصة ، بل بحيث يرتقون إلى حد تحيل العادة معه تواطؤهم على الكذب ، أو وقوع الغلط منهم اتفاقا من غير قصد . وبالنظر لهذا خاصة يكون العدد في طبقة كثيرا ، وفي أخرى قليلا ; إذ الصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه .  
هذا كله مع كون مستند انتهائه الحس ; من مشاهدة أو سماع ; لأن ما لا يكون كذلك يحتمل دخول الغلط فيه ، ونحوه كما اتفق أن سائلا سأل  مولى أبي   [ ص: 16 ] عوانة  بمنى   ، فلم يعطه شيئا ، فلما ولى لحقه  أبو عوانة  فأعطاه دينارا ، فقال له السائل : والله لأنفعنك بها يا  أبا عوانة     . فلما أصبحوا وأرادوا الدفع من  المزدلفة   ، وقف ذلك السائل على طريق الناس وجعل ينادي إذا رأى رفقة من  أهل  العراق       : يا أيها الناس ، اشكروا  يزيد بن عطاء الليثي ، يعني مولى أبي عوانة     ; فإنه تقرب إلى الله عز وجل اليوم  بأبي عوانة  فأعتقه . فجعل الناس يمرون فوجا فوجا إلى  يزيد  ، يشكرون له ذلك وهو ينكره ، فلما كثر هذا الصنيع منهم قال : ومن يقدر على رد هؤلاء كلهم ؟ ! اذهب فأنت حر .  
وأن لا يكون مستنده ما ثبت بقضية العقل الصرف ; كـ : الواحد نصف الاثنين ، والأمور النظريات ; إذ كل واحد منهم يخبر عن نظره ، وكله مقبول ; لإفادته القطع بصدق مخبره ، بخلاف غيره من أخبار الآحاد كما سلف ، وليس من مباحث هذا الفن ; فإنه لا يبحث عن رجاله ; لكونه لا دخل لصفات المخبرين فيه ; ولذلك لم يذكره من المحدثين إلا القليل ;  كالحاكم  ،  والخطيب  في أوائل ( الكفاية ) ،   وابن عبد البر  ،   وابن حزم     .  
وقال   ابن الصلاح     : إن أهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص .  
وإن كان  الخطيب  قد ذكره ، ففي كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث ، ولعل ذلك لكونه لا يشمله صناعتهم ، ولا يكاد يوجد في رواياتهم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					