[  مدرج السند وأمثلته      ] ( ومنه ) أي : المدرج - وهو الأول من ثلاثة أقسام ذكرها   ابن الصلاح  في السند - ( جمع ما أتى كل طرف منه ) عن راويه ( بإسناد ) غير إسناد الطرف الآخر ( بواحد سلف ) من السندين .  
( كـ ) حديث (   وائل ) هو ابن حجر     ( في صفة الصلاة ) النبوية الذي رواه  زائدة   وابن عيينة  ،  وشريك  جميعا عن  عاصم بن كليب  ، عن أبيه عنه ( قد أدرج ) من بعض رواته في آخره بهذا السند .  
( ثم جئتهم ) بعد ذلك بزمان فيه برد شديد ، فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب ( وما اتحد ) شيخ  عاصم  في الجملتين ، بل الذي عنده بهذا السند صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة .  
وأما الجملة الثانية فإنما رواها عن  عبد الجبار بن وائل  عن بعض أهله عن  وائل  ، فبينهما واسطتان ، بخلاف الأول ، كذلك فصلهما   زهير بن معاوية  ،  وأبو   [ ص: 305 ] بدر شجاع بن الوليد  ، ورجح روايتهما   موسى بن هارون البغدادي  الفقيه الحافظ ، عرف بالحمال ، وقضى على الأول - وهو جمعهما بسند واحد - بالوهم .  
وقال   ابن الصلاح     : إنه الصواب ، ونحو هذا القسم - وأفرده شيخنا عنه - أن يكون المتن عند راويه عن شيخ له إلا بعضه ، فإنما هو عنده بواسطة بينه وبين ذاك الشيخ ، فيدرجه بعض الرواة عنه بلا تفصيل ; كحديث   إسماعيل بن جعفر  عن  حميد  عن  أنس  في قصة العرنيين ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم :  لو خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها     ; فإن لفظة " وأبوالها " إنما سمعها  حميد  من  قتادة  عن  أنس  ، كما بينه   محمد بن أبي عدي  ،   ومروان بن معاوية  ،   ويزيد بن هارون  وآخرون ; إذ رووه عن  حميد  عن  أنس  بلفظ  فشربتم من ألبانها  فعندهم : قال  حميد     : قال  قتادة  عن  أنس     : " وأبوالها " ; فرواية  إسماعيل  على هذا فيها إدراج يتضمن تدليسا .  
( ومنه )  وهو ثاني الثلاثة      ( أن يدرج ) من الراوي ( بعض ) حديث ( مسند في ) حديث ( غيره ) وهما عند راو واحد أيضا ، لكن ( مع اختلاف السند ) جميعه فيهما .  
( نحو ) حديث : ( ولا تنافسوا ) حيث أدخل ( في متن لا تباغضوا ) المرفوع الثابت عن  مالك  عن   الزهري  عن  أنس  بلفظ :  لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا  فقط .  
فـ ( لفظ ) : " ولا تنافسوا " ( مدرج ) فيه ( قد نقلا ) من راويه ( من متن لا تجسسوا ) بالجيم أو الحاء ، المرفوع الثابت عن  مالك  أيضا ، لكن عن  أبي   [ ص: 306 ] الزناد  عن   الأعرج  عن   أبي هريرة  بلفظ :  إياكم والظن ; فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ، ولا تنافسوا ولا تحاسدوا     ( أدرجه ) أي : " ولا تنافسوا " في السند الأولى من الثاني .  
(  ابن أبي مريم ) هو الحافظ أبو محمد سعيد بن محمد الحكم الجمحي المصري  شيخ   البخاري     ( إذ أخرجه ) أي رواه عن  مالك  ، وصيرهما بإسناد واحد ، وهو وهم منه كما جزم به  الخطيب  ، وصرح هو   وابن عبد البر  معا بأنه خالف بذلك جميع الرواة عن  مالك  في الموطأ وغيره .  
وكذا قال  حمزة الكناني     : لا أعلم أحدا قالها عن  مالك  في حديث  أنس  وغيره .  
قلت : وكذا أدرجها  عبد الرحمن بن إسحاق  عن   الزهري  ، وخالف الحفاظ من أصحاب   الزهري  ، ولكن إنما يتم التمثيل في هذا القسم بحديث مالك ( ومنه ) وهو ثالث الثلاثة ( متن ) أي حديث ( عن جماعة ) من الرواة ( ورد وبعضهم ) أي : والحال أن بعضهم ( خالف بعضا ) بالزيادة أو النقص ( في السند فيجمع ) بعض الرواة ( الكل بإسناد ) واحد ( ذكر ) من غير بيان الاختلاف ، بل يدرج روايتهم على الاتفاق .  
كمتن  أي الذنب أعظم ؟ " قال : " أن تجعل لله ندا     ( الخبر ) المروي عن   ابن مسعود  قال : قلت : يا رسول الله ، . . . وذكره ، ( فإن  عمرا ) هو ابن شرحبيل أبو ميسرة  أحد الكبار من التابعين ( عند  واصل ) هو ابن حيان الأسدي الكوفي     ( فقط بين ) شيخه (   شقيق ) هو ابن سلمة أبو وائل  أحد كبار التابعين أيضا ، بل هو ممن أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكن لم يره .  
( و ) بين (   ابن مسعود  سقط ، وزاد   الأعمش     ) بنقل الهمزة ( كذا   منصور ) بن المعتمر     ; حيث روياه عن  شقيق  ، فلما رواه   الثوري  حسبما      [ ص: 307 ] وقع من حديث   ابن مهدي  ،  ومحمد بن كثير  عنه عن الثلاثة ، أعني واصلا   والأعمش  ومنصورا ، أثبته في روايتهم ، وصارت رواية واصل مدرجة على رواية الآخرين .  
وممن رواه عن واصل بحذفه   سعيد بن مسروق  ،  وشعبة  ،   ومالك بن مغول  ،   ومهدي بن ميمون  ، بل رواه   عمرو بن علي الفلاس  عن   يحيى بن سعيد القطان  ، عن   الثوري  نفسه بالتفصيل المذكور .  
قال   الفلاس     : فذكرت ذلك  لابن مهدي     - يعني لكونه خلاف ما كان حدثه ، بل وحدث غيره به - فقال : دعه دعه فقوله : " دعه " يحتمل أنه أمر بالتمسك بما حدثه به ، وعدم الالتفات لخلافه .  
ويحتمل أنه أمر بترك عمرو من حديث واصل لكونه تذكر أنه هو الصواب ، أو لكونه كان عنده محمولا على رفيقيه ، فلما سأله عنه بانفراده أخبره بالواقع ، لكن يعكر عليه رواية بندار عن  ابن المهدي  ، عن   الثوري  ، عن واصل وحده بإثباته .  
وإن أمكن الجواب عنه بأن ذلك من تصرف بعض الرواة ; حيث ظن من رواية   ابن مهدي  حديث الثلاثة بالإثبات اتفاق طرقهم ، ولزم من ذلك أنه لما رواه من طريق واصل خاصة أثبته بناء على ما ظنه ، وذلك غير لازم .  
ولهذا لا ينبغي - كما سيأتي التنبيه عليه في اختلاف ألفاظ الشيوخ - لمن يروي حديثا من طريق جماعة عن شيخ أن يحذف بعضهم ، بل يأتي به عن جميعهم لاحتمال أن يكون اللفظ سندا أو متنا لأحدهم الذي ربما يكون هو المحذوف ، ورواية من عداه محمولة عليه ،      [ ص: 308 ] على أنه قد اختلف على   الأعمش  أيضا في إثبات عمرو وحذفه .  
وبالجملة فهو في هذا المثال من المزيد في متصل الأسانيد ; لكون شقيق روى عن كل من عمرو   وابن مسعود  ، لكن قد يتضمن ارتكاب مثل هذا الصنيع إيهام وصل مرسل ، أو اتصال منقطع ، وما أحسن محافظة الإمام  مسلم  على التحري في ذلك ، وكذا شيخه   الإمام أحمد     .  
ومن أقسام مدرج الإسناد   أيضا وهو رابع أو خامس ألا يذكر المحدث متن الحديث ، بل يسوق إسناده فقط ، ثم يقطعه قاطع فيذكر كلاما فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد .  
وله أمثلة ، منهما قصة  ثابت بن موسى  الزاهد مع   شريك القاضي  ، فقد جزم   ابن حبان  بأنه من المدرج ، ومثل بها   ابن الصلاح  لشبه الوضع كما سيأتي ( وعمد ) أي :  تعمد ( الإدراج   لها ) أي : لكل الأقسام المتعلقة بالمتن والسند ( محظور ) أي : حرام ; لما يتضمن من عزو الشيء لغير قائله ، وأسوأه ما كان في المرفوع مما لا دخل له في الغريب المتسامح في خلطه ، أو الاستنباط .  
وقد صنف  الخطيب  في هذا النوع كتابا سماه ( الفصل للوصل المدرج في النقل ) ولخصه شيخنا مع ترتيبه له على الأبواب ، وزيادة لعلل وعزو ، وسماه ( تقريب المنهج بترتيب المدرج ) ، وقال فيه : إنه وقعت له جملة أحاديث على شرط  الخطيب  ، وإنه عزم على جمعها وتحريرها وإلحاقها بهذا المختصر أو في آخره مفردة كالذيل . وكأنه لم يبيضها فما رأيتها بعد .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					