[  طريق معرفة الوضع      ] ( ويعرف الوضع ) للحديث ( بالإقرار ) بنقل الهمزة ، من واضعه كما وقع  لأبي عصمة  وغيره مما تقدم ( و ) كذا بـ ( ما نزل منزلته ) كما اتفق أنهم اختلفوا بحضرة  أحمد بن عبد الله الجوباري  في سماع  الحسن  من   أبي هريرة  ، [ فروى لهم بسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : سمع  الحسن  من   أبي هريرة     ] . رواه  البيهقي  في المدخل .  
 [ ص: 331 ] ونحوه أن  عبد العزيز بن الحارث التميمي  جد   رزق الله بن عبد الوهاب الحنبلي  سئل عن فتح  مكة   ، فقال : عنوة ، فطولب بالحجة ، فقال : ثنا  ابن الصواف  ، ثنا  عبد الله بن أحمد  ، ثنا أبي ، ثنا  عبد الرزاق  عن  معمر  ، عن   الزهري  عن  أنس  ،  أن الصحابة اختلفوا في فتح  مكة      ; أكان صلحا أو عنوة ؟ فسألوا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : كان عنوة  ، هذا مع أنه اعترف أنه صنعه في الحال ، ليندفع به الخصم .  
( وربما يعرف بالركة ) أي : الضعف عن قوة فصاحته - صلى الله عليه وسلم - في اللفظ والمعنى معا ، مثل ما يروى في وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذا في أحدهما ، لكنه في اللفظ وحده مقيد بما إذا صرح بأنه لفظ الشارع ، ولم يحصل التصرف بالمعنى في نقله ، لا سيما إن كان لا وجه له في الإعراب .  
وقد روى  الخطيب  وغيره  من طريق   الربيع بن خثيم  التابعي الجليل قال : إن للحديث ضوءا كضوء النهار يعرف ، وظلمة كظلمة الليل تنكر     .  
ونحوه قول   ابن الجوزي     : الحديث المنكر يقشعر منه جلد طالب العلم ، وينفر منه قلبه في الغالب ، وعنى بذلك الممارس لألفاظ الشارع ، الخبير بها وبرونقها وبهجتها ; ولذا قال  ابن دقيق العيد     : وكثيرا ما يحكمون بذلك - أي بالوضع - باعتبار أمور ترجع إلى المروي وألفاظ الحديث ، وحاصله يرجع إلى أنه حصلت لهم - لكثرة محاولة ألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - هيئة نفسانية ، وملكة قوية يعرفون بها      [ ص: 332 ] ما يجوز أن يكون من ألفاظ النبوة ، وما لا يجوز . انتهى .  
والركة في المعنى كأن يكون مخالفا للعقل ضرورة أو استدلالا ، ولا يقبل تأويلا بحال ، نحو الإخبار عن الجمع بين الضدين ، وعن نفي الصانع ، وقدم الأجسام ، وما أشبه ذلك ; لأنه لا يجوز أن يرد الشرع بما ينافي مقتضى العقل .  
قال   ابن الجوزي     :  وكل حديث رأيته يخالف العقول ، أو يناقض الأصول ، فاعلم أنه موضوع   ، فلا تتكلف اعتباره ، أي : لا تعتبر رواته ، ولا تنظر في جرحهم .  
أو يكون مما يدفعه الحس والمشاهدة ، أو مباينا لنص الكتاب ، أو السنة المتواترة ، أو الإجماع القطعي ; حيث لا يقبل شيء من ذلك التأويل .  
أو يتضمن الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر اليسير ، أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير ، وهذا الأخير كثير موجود في حديث القصاص والطرقية ، ومن ركة المعنى : " لا تأكلوا الفرعة حتى تذبحوها " ، ولذا جعل بعضهم ذلك دليلا على كذب راويه . وكل هذا من القرائن في المروي .  
وقد تكون في الراوي ; كقصة  غياث  مع  المهدي  ، وحكاية  سعد بن طريف  الماضي ذكرهما ، واختلاق  المأمون بن أحمد الهروي     - حين قيل له : ألا ترى   الشافعي  ومن تبعه  بخراسان      - ذاك الكلام القبيح ، حكاه  الحاكم  في المدخل .  
 [ ص: 333 ] قال بعض المتأخرين : وقد رأيت رجلا قام يوم جمعة قبل الصلاة فابتدأ ليورده ، فسقط من قامته مغشيا عليه .  
أو انفراده عمن لم يدركه بما لم يوجد عند غيرهما ، أو انفراده بشيء من كونه فيما يلزم المكلفين علمه ، وقطع العذر فيه ; كما قرره  الخطيب  في أول ( الكفاية ) ، أو بأمر جسيم تتوفر الدواعي على نقله ; كحصر العدو للحاج عن البيت ، أو بما صرح بتكذيبه فيه جمع كثير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب ، أو تقليد بعضهم بعضا .  
( قلت ) وقد ( استشكلا )  التقي ابن دقيق العيد     ( الثبجي ) بمثلثة ثم موحدة مفتوحتين وجيم ; لأنه ولد بثبج البحر  بساحل ينبع   من  الحجاز   ، في كتابه ( الاقتراح ) مما تقدم  من أدلة الوضع      ( القطع بالوضع على ما ) أي : المروي الذي ( اعترف الواضع ) فيه على نفسه بالوضع بمجرد الاعتراف من غير قرينة معه ( إذ قد يكذب ) في خصوص اعترافه ; إما لقصد التنفير عن هذا المروي ، أو لغير ذلك مما يورث الريبة والشك ، وإذا كان كذلك ، فالاحتياط عدم التصريح بالوضع .  
( بلى نرده ) أي : المروي ; لاعتراف راويه بما يوجب فسقه ( وعنه نضرب ) أي نعرض عنه فلا نحتج به ، بل ولا نعمل به ، ولا في الفضائل مؤاخذة له بإقراره .  
ونص ( الاقتراح ) : " وقد ذكر فيه - أي في هذا النوع - إقرار الراوي بالوضع ، وهذا كاف في رده ، لكنه ليس بقاطع في كونه موضوعا ; لجواز أن يكذب في هذا الإقرار بعينه " .  
والظاهر أنه لم يرد بقاطع هنا القطع المطابق للواقع ; لما تقرر في كون الحكم بالصحة وغيرها إنما هو بحسب الظاهر ، لا ما في نفس الأمر ، وإنما أراد مجرد      [ ص: 334 ] المنع من تسميته موضوعا ، ولكن الذي قرره شيخنا خلافه ، فإنه قال : وقد يعرف الوضع بإقرار واضعه .  
قال  ابن دقيق العيد     : لكن لا يقطع بذلك ; لاحتمال أن يكون كذب في ذلك الإقرار ، قال : وفهم منه بعضهم - أي  كابن الجزري     - ، أنه لا يعمل بذلك الإقرار أصلا ، وليس ذلك مراده ، وإنما نفى القطع بذلك ; ولا يلزم من نفي القطع نفي الحكم ; لأن الحكم يقع بالظن الغالب ، وهو هنا كذلك ، ولولا ذلك لما ساغ قتل المقر بالقتل ، ولا رجم المعترف بالزنا ; لاحتمال أن يكونا كاذبين فيما اعترفا به .  
زاد في موضع آخر : وكذا حكم الفقهاء على من أقر بأنه شهد بالزور بمقتضى اعترافه ، وقال أيضا ردا على من توقف في كلام  ابن دقيق العيد  فقال : فيه بعض ما فيه ، ونحن لو فتحنا باب التجويز والاحتمال ، لوقعنا في الوسوسة وغيرها - ما نصه : ليس في هذا وسوسة ، بل هو في غاية التحقيق .  
وابن دقيق العيد  نفى القطع بكونه موضوعا بمجرد ذلك ، لا الحكم بكونه موضوعا ; لأنه إذا أقر يؤاخذ بإقراره ، فيحكم بكون الحديث موضوعا ، أما إنه يقطع بذلك فلا .  
قلت : وفيه نظر ، والظاهر ما قررته ، ولا ينازع فيه الفروع المذكورة .  
وكذا تعقب شيخنا شيخه الشارح ; حيث مثل في النكت لقول   ابن الصلاح     : أو ما يتنزل منزلة إقراره ، بما إذا حدث عن شيخ ، ثم ذكر أن مولده في تأريخ يعلم تأخره عن وفاة ذاك الشيخ ; لجريان الاحتمال المذكور أيضا ، فيجوز أن يكذب في تأريخ مولده ، بل يجوز أن يغلط في التأريخ ، ويكون في نفس      [ ص: 335 ] الأمر صادقا ، ويمكن أن يقال : إن تنزيله منزلته يقتضي ذلك فاكتفى به عن التصريح ، وعلى كل حال فما مثلت به أولى ، فإنه لم يصدر منه قول أصلا .  
تتمة : يقع في كلامهم " المطروح " وهو غير الموضوع جزما ، وقد أثبته الذهبي نوعا مستقلا ، وعرفه بأنه ما نزل عن الضعيف وارتفع عن الموضوع ، ومثل له بحديث  عمرو بن شمر  ، عن  جابر الجعفي  ، عن  الحسن  عن  علي  ،  وبجويبر  عن  الضحاك  عن   ابن عباس     .  
قال شيخنا : وهو المتروك في التحقيق ، يعني الذي زاده في نخبته وتوضيحها ، وعرفه بالمتهم راويه بالكذب .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					