(  139  ) حدثنا أحمد بن محمد الشافعي  ، ثنا أبي إبراهيم بن محمد الشافعي  ، عن  مسلم بن خالد الزنجي  ، عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق  ، عن  ابن شهاب  ، قال : حدثني  عروة بن الزبير  ،  وسعيد بن المسيب  ،  وعلقمة بن وقاص  ،  وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة  ، عن عائشة  ، حين قال لها أهل  [ ص: 70 ] الإفك  ما قالوا ، فبرأها الله ، وكل حدثني طائفة من الحديث الذي حدثني عن عائشة  ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى لحديثها من بعض ، فذكروا أن عائشة   - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج إلى سفر أقرع بين أزواجه  ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، قالت عائشة   : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة  آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني وأقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع ، فرجعت في التماس عقدي فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني ، فاحتملوا هودجي على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه ، وكنا إذ ذاك خفافا لم يهبلنا اللحم ، إنما تأكل إحدانا العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منزلهم وليس به داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أنهم سيفقدوني ويرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت ، وكان  صفوان بن المعطل السلمي  من وراء الجيش ، فأدلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، فوالله ما كلمني كلاما ولا سمعت منه كلمة ، حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى  [ ص: 71 ] أتى الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك من أهل الإفك   ، وكان الذي تولى كبر الإثم عبد الله بن أبي بن سلول   ، ففقدمنا المدينة  فاشتكيت حين قدمنا المدينة  شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك  ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لم أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل علي فيقول : " كيف تيكم ؟ " ، ثم ينصرف ، فذلك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجنا بعدما نقهت أنا وأم مسطح  قبل المناصع ، وهو متبرزنا ، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط ، وكنا نتأذى في الكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح  قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح  في مرطها ، فقالت : تعس مسطح  ، فقلت : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا قد شهد بدرا ؟ ، قالت : أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال ؟ ، قلت : وما قال ؟ ، فأخبرتني بقول أهل الإفك  ، فازددت مرضا على مرضي  ، فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " كيف تيكم ؟ " ، قلت : أتأذن لي إلى أبوي ؟ ، قالت : وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي ، فجئت أمي وأبي ، فقلت : يا أمتاه ما يتحدث الناس ؟ ، قالت : يا بنية هوني عليك فوالله لقلما رأيت امرأة وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا أكثرن عليها ، فقلت : سبحان الله ولقد تحدث الناس بذلك ؟ ، قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، قالت : ثم أصبحت أبكي ، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  علي بن أبي طالب   وأسامة بن زيد  حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله ، فأما أسامة  فأشار على  [ ص: 72 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلم من براءة أهله  ، والذي في نفسه لهم من الود ، فقال أسامة   : يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيرا ، وأما  علي بن أبي طالب  فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير  ، وإن تسأل الجارية تصدقك ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  بريرة  ، فقال لها : " يا  بريرة  هل رأيت من شيء يريبك ؟ " ، قالت  بريرة   : لا ، والذي بعثك بالحق ، إن رأيت عليها قط أمرا أغمصه عليها  أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ فاستعذر من عبد الله بن أبي ، قالت : فقال وهو على المنبر : " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي  ، فوالله ما علمت في أهل بيتي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " ، فقام  سعد بن معاذ  ، فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس  ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج  أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام  سعد بن عبادة  وهو سيد الخزرج  ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن أخذته الحمية ، فقال  لسعد بن معاذ   : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام  أسيد بن حضير  وهو ابن عم  سعد بن معاذ  ، فقال  لسعد بن عبادة   : كذبت لعمر الله ليقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، قالت : فثار الحيان الأوس  والخزرج  حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر ، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت ، قالت : ومكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، وأبواي عندي ، وقد مكثت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع  [ ص: 73 ] أظن أن البكاء فالق كبدي ، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار  ، فأذنت لها فجعلت تبكي معي ، فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلس ، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها ، ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني ، قالت : فتشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جلس ، ثم قال : " أما بعد يا عائشة  فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب إلى الله تاب الله عليه " ، قالت : فلما قضى مقالته قلص دمعي ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب رسول الله فيما قال ، قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، فقلت لأمي : أجيبي رسول الله ، قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إنكم والله لقد سمعتم بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني بذلك ، ولئن اعترفت بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقنني ، والله ما أجد لي ولكم مثلا ، إلا أبا يوسف  ، قال : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون  ، ثم تحولت واضطجعت على فراشي ، قالت : وأنا حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله عز وجل ينزل في شأني وحيا يتلى ، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يري الله رسوله في النوم رؤيا يبرئني بها ، قالت : فوالله ما رام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في  [ ص: 74 ] اليوم الشاتي من ثقل القرآن الذي ينزل عليه ، فلما سري عن رسول الله سري عنه وهو يضحك ، وكان أول كلمة تكلم بها أن قال : " يا عائشة  أما الله فقد برأك " ، فقالت أمي : قومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله ، فأنزل الله : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم   - العشر الآيات  كلها - ، فلما أنزل الله هذا في براءتي ، قال أبو بكر   : - وكان ينفق على مسطح  لقرابته منه وفقره : لا أنفق عليه شيئا أبدا للذي قال لعائشة   - ، فأنزل الله : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة  الآية  ، قال أبو بكر   : بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح  بالنفقة التي كان ينفق عليه ، فقال : والله لا أنزعها منه أبدا ، فقالت عائشة   : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل  زينب بنت جحش  ، عن أمري ، فقال : " يا زينب  ماذا علمت أو رأيت ؟ " ، قالت زينب   : أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت إلا خيرا  ، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة  تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك  . قال  ابن شهاب   : فهذا ما انتهى إلينا من حديث هؤلاء الرهط . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					