وقد اختلف الناس بعد ذلك في مسألتين :  
إحداهما : جواز نسخ الكتاب بالسنة .  
والثانية : جواز نسخ السنة بالكتاب .  
واتفقوا على مسألتين :  
إحداهما :  نسخ الكتاب بالكتاب      .  
الثانية : جواز  نسخ السنة بالسنة      .  
أما المسألة الأولى : في  نسخ الكتاب بالسنة ،   فأكثر المتأخرين ذهبوا إلى الجواز وقالوا : لا استحالة في وقوعه عقلا ، وقد دل السمع على وقوعه ، فيجب المصير إليه .  
أخبرني  أبو موسى الحافظ ،  أخبرنا  أبو علي ،  أخبرنا  أبو نعيم الحافظ ،  أخبرنا   أبو أحمد الغطريفي ،  حدثنا  أحمد بن موسى العدوي ،  حدثنا  سهيل بن سعيد ،  حدثنا   عيسى بن يونس ،  عن   الأوزاعي ،  عن   يحيى بن أبي كثير  قال : السنة قاضية على الكتاب ، وليس الكتاب بقاض على السنة     .  
 [ ص: 100 ] أخبرني  محمد بن إبراهيم بن علي الفارسي ،  أخبرنا  أبو زكريا العبدي ،  أخبرنا  محمد بن أحمد الكاتب ،  أخبرنا  عبد الله بن محمد ،  حدثنا  الحسن بن محمد ،  حدثنا  أبو زرعة ،  حدثنا   عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ،  حدثنا   الأوزاعي  عن  يحيى ،  قال : السنة قاضية على القرآن ، أي : تفسره     .  
أخبرني  محمد بن عمر بن أحمد المديني ،  أخبرنا  الحسن بن أحمد ،  أخبرنا  أحمد بن عبد الله ،  أخبرنا   محمد بن أحمد الجرجاني ،  حدثنا  أحمد بن موسى بن العباس ،  حدثنا  أبو إسحاق الكسائي ،  حدثنا   عيسى بن يونس ،  عن   الأوزاعي ،  عن  مكحول  قال : القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن     .  
أخبرني  محمد بن إبراهيم بن علي ،  أخبرنا  يحيى بن عبد الوهاب ،  أخبرنا  أبو طاهر بن عبد الرحيم ،  حدثنا   أبو الشيخ الحافظ  قال :  ذكر ما نسخ من القرآن بالسنة ،   قول الله عز وجل :  يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين      .  
 [ ص: 101 ] وقال : إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين .  
فنسخ الميراث قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :  لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم     .  
ونسخ  الوصية للوالدين والأقربين   بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :  لا وصية لوارث     .      [ ص: 102 ] قال : وأجمعوا أن  العبد لا يرث الحر ، ولا الحر يرث العبد ،   وقال تعالى :  وأحل لكم ما وراء ذلكم   ونسخ ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :  لا تنكح الصغرى على الكبرى ، ولا الكبرى على الصغرى     .  
ونسخ أيضا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :  يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب      .  
 [ ص: 103 ] وقال تعالى :  وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا      . فنسخ الله ذلك بسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - :  إن كل امرأة ارتدت فلحقت بالمشركين فقد بانت من زوجها     .  
وإن من صار من نساء المشركين إلى المسلمين مسلمات أو مستأمنات بغير أسر ولا قهر أنهن حرائر ، وحل للمسلمين أن ينكحوهن إذا آتوهن أجورهن ، ولا عوض على أحد لأحد في ذلك ، وسقط حكم القرآن .  
 [ ص: 104 ] وقال تعالى :  والسارق والسارقة   فعم به كل سارق ، ثم نسخ من ذلك سارق الغنم ، بقوله - عليه السلام - :  لا قطع على سارق الغنم ، وإن كثرت وكثرت قيمتها إذا لم يأوها المراح ، ولا قطع على سارق التمر إذا لم يأوه الجرين     .  
وقال - عليه السلام - :  لا قطع في ثمر ولا كثر ، وقطع في قيمته معلومة     .  
وقال تعالى :  من بعد وصية يوصي بها أو دين   ، فأطلق  قليل الوصية وكثيرها ،   ثم نسخ ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -  لسعد     :  الثلث ، والثلث كثير   [ ص: 105 ] وقال تعالى :  قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا   الآية ، ثم  حرم النبي - صلى الله عليه وسلم -  كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير      .  
وقال - عز وجل - :  فول وجهك شطر المسجد الحرام   الآية ،  وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم -  في السفر حيث توجهت به راحلته      .  
 [ ص: 106 ] وقال عز وجل :  فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم      - الآية ، وإنما أباح القصر مع الخوف ثم سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  القصر في السفر   بكل حال .  
هذه آخر كلام  أبي الشيخ ،  وسيأتي ذكر حديث يحقق فيه شرط النسخ في بابه إن شاء الله تعالى .  
وذهب جماعة من المتقدمين ، ونفر من المتأخرين إلى منع ذلك ، وقالوا : كما  خبر الواحد لا ينسخ المتواتر   مع اشتراكهما في اللوازم والتوابع ، كذلك  السنة لا تنسخ القرآن ،   لتباينهما في الحقائق واللواحق ، وروينا معنى ذلك عن   الشافعي     - رضي الله عنه - .  
أخبرني الأمير  أبو المحاسن محمد بن علي الفارسي ،  أخبرنا  زاهر بن   [ ص: 107 ] طاهر النيسابوري ،  أخبرنا   أبو بكر البيهقي ،  أخبرنا   الحاكم أبو عبد الله ،  أخبرنا  أبو العباس ،  أخبرنا  الربيع  قال : قال   الشافعي     - رضي الله عنه - :  والناسخ من القرآن   الأمر ينزله الله بعد الأمر يخالفه ، كما  حول القبلة من  بيت المقدس   إلى  الكعبة ،    وكل منسوخ يكون حقا ما لم ينسخ ، فإذا نسخ كان الحق في ناسخه ، ولا ينسخ كتاب الله إلا كتابه ، وهكذا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينسخها إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .  
أخبرني   أبو بكر الخطيب ،  أخبرنا  أبو زكريا العبدي ،  أخبرنا  محمد بن أحمد الكاتب ،  أخبرنا  عبد الله بن محمد الحافظ ،  حدثنا  عبد الله بن   [ ص: 108 ] محمد بن يعقوب ،  حدثنا   أبو داود السجستاني  قال : سمعت   أحمد بن حنبل     - وسئل عن حديث السنة قاضية على الكتاب - قال : لا أجترئ أن أقول فيه ، ولكن  السنة تفسر القرآن ،   ولا ينسخ القرآن إلا بالقرآن .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					