[ ص: 145 ]   ( الفصل الثاني ) 
( في النزاع في الوديعة    ) 
وفيه خمس وعشرون مسألة 
الأولى ، في الكتاب : يصدق في رد الوديعة والقراض إليك ، إلا أن يقبض ذلك ببينة فلا يبرأ إلا ببينة ، ولو قبض ببينة صدق في الضياع والسرقة ، لأن الإشهاد عليه متعذر ، وقال الأئمة : يصدق وإن قبض ببينة . 
لنا : أنه لما أشهد عليه فقد جعله أمينا في الحفظ دون الرد ، فقد ادعى ما ليس أمينا فيه فيضمن ، ولأن الغالب ممن شهد عليه بشيء أنه يجتهد في دفع تلك الشهادة عنه بما يدفعها ، بحيث لم يفعل ذلك تعينت التهمة الموجبة للضمان ، ولأن أصل اليد : الضمان ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - ( على اليد ما أخذت حتى ترده   ) خالفناه في موانع الإجماع ، فيبقى على مقتضاه في صور النزاع ، ولأنه لولا الضمان حينئذ لانتفت فائدة الإشهاد ، ولا يقال : فائدته تعذر الجحود عليه ، لأنا نقول : دعوى الرد يقوم مقامه . احتجوا بالقياس على صورة القبض بغير بينة ، ولأنه غير ضامن ابتداء عند القبض ، فلا يضمن انتهاء عملا بالاستصحاب . 
والجواب عن الأول : أن القبض بالبينة حاث على الإشهاد عند الدفع في مجرى العادة ، فلما خولفت العادة اتهم ، بخلاف القبض بغير بينة لا ضرورة تدعوه للإشهاد ، وعن الثاني : إن الاستصحاب معارض بما ذكرنا من التهمة الناشئة عن مخالفة العادة . 
 [ ص: 146 ] تفريع 
قال صاحب النكت : إذا قبض بغير بينة واتهم  حلف ، قاله  ابن القاسم  ، فإن نكل : قال   ابن عبد الحكم     : يضمن ، ولا ترد اليمين على المالك ، لأنه إنما اتهمه ولم يحقق ما يحلف عليه ، وقال بعض الشيوخ : يحلف على الرد كان متهما أم لا ، بخلاف الضياع ، والفرق : أنه في الرد يدعي تيقن كذب المالك ، وفي الضياع لا علم عنده ، ولو أخذها بحضرة قوم لم يقصد شهادتهم عليه  صدق في الرد بخلاف الأخذ ببينة ، وكذلك إذا أقر بها عند بينة بخلاف من قصد الإشهاد عليه فإنه هو الذي تنبعث داعيته للإشهاد عند الرد ، قال  ابن يونس  في الموازية : إذا قبض بغير بينة يصدق في الرد مع يمينه ، وقاله  عبد الملك  ، وقوله في الكتاب : يصدق في الضياع والسرقة ، يريد : ولا يمين عليه إلا أن يتهم ، قاله أصحاب  مالك  ، قال  اللخمي     : قيل : لا يمين عليه ، لأنها تهمة وهو أمين ، وقيل : يحلف إلا أن يكون عدلا يحلف متهما كان أم لا ، لأن الناس قد استخفوا التهم وتغير حالهم فيحلفون سدا للذريعة ، إلا المبرز في الخير ، ويحلف مدعي الرد وقد قبض بغير بينة ، كان مأمونا أو غيره ، والفرق : أن هذا يدعي عليه التحقيق بخلاف الأول ، لأنه يتهمه ، إلا أن تطول المدة بحيث يعلم أنه لا يستغنى عن مالك في تلك المدة لقلة ذات يدك أو لغير ذلك ، والقابض ببينة لا يبرأ إلا ببينة ، إلا أن يكون الإشهاد خوف الموت ليأخذها من تركته ، أو قال المودع : أخاف أن يقول : هي سلف فأشهد أنها وديعة ، أو نحو ذلك مما يعلم أن المقصود بأن غير التوثق من القابض فيصدق في الرد بغير بينة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					