النظر الثاني : في الأحكام : 
في نفسه وولده وماله وجنايته والجناية عليه ، فهذه خمسة أحكام : الأول : نفسه ، ففي الجواهر يهدر دمه إن لم يتب ، فإن تاب عصمها ، وتوبته رجوعه ، وتغير حاله برجوع المتظاهر عن التظاهر ، بل يظهر ضده من الإيمان ، وأما الزنديق    ( وهو الذي يظهر الإيمان ويسر الكفر ) ، أو ظهرنا عليه في حال زندقته فأذعن ، فلا يرجع بمجرد دعواه حتى يظهر صدقه ; لأنه بدعواه لم يخرج عن عادته من التقية ، ولذلك نقول : لا تقبل توبته    ; لأنها لا تعرف ، ولا نقول لا تقبل فلو جاء تائبا قبل الظهور ، ولم نعلم كفره إلا من قوله   [ ص: 38 ] قبلناه ، وعدم قبولها شاذ في المذهب ، وكذلك الساحر . قال   الطرطوشي     : قال  ابن القاسم     : سواء في الزنديق ولد على ذلك أم لا ، وسواء الرجل والمرأة والعبد و ( ش ) ، ومن يزيد ، ومن في الذمة لا يقتل . قال  مالك     : لأنه خرج من كفر إلى كفر . وقال  عبد الملك     : يقتل ; لأنه دين لا يقر عليه بجزية ، وقال ( ش )   وابن حنبل     : نقبل توبته ظهرنا عليه أم لا ، وعند ( ح ) الروايتان . 
لنا : قوله - عليه السلام - : ( من بدل دينه فاقتلوه   ) و ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان   . . . . ) 
احتجوا بقوله تعالى : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف    ) ، ولم يخص المجاهر بقوله تعالى : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم    ) ، وبقوله - عليه السلام - : ( فإذا قالوا عصموا مني دماءهم   ) الحديث ، وقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إسلام  عبد الله بن أبي  مع علمه   [ ص: 39 ] بزندقته ، وكذلك غيره من المنافقين ، والقياس على غيره من الكفار . وفي  مسلم  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  لأسامة  في رجل قتله وهو يقول لا إله إلا الله : من لك بلا إله إلا الله ، قال : فقلت : يا رسول الله ، إنما قالها فرقا من السلاح ، فقال : ( هلا شققت عن قلبه   ) ، إشارة إلى تعلق الحكم بالظاهر دون الباطن . 
والجواب عن الأول : بحمله على المجاهر جمعا بينه وبين قوله تعالى : ( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا    ) ، أو على أحكام الآخرة ، وهو الجواب عن الثاني والثالث . 
وعن الرابع : انعقاد الإجماع اليوم على أن من علم نفاقه ; لا يقر ، فنقول : عندنا وعندهم يستتاب ، وإنما فعله - عليه السلام - لئلا يتحدث الناس أن محمدا  يقتل أصحابه ، ولو ثبت ذلك لقتلهم لقيام الحجة له - عليه السلام - كما كان يقتلهم في الزنا وغيره لقيام البينة ، وعلمه هو وحده ويقر مع علمه ، فخاص به عندنا وعندكم . 
وعن الخامس : الفرق بأن توبة هذا لا تثير ظنا ; لأن حالته مستترة بخلاف مظهر الكفر . 
وعن السادس : أن الإكراه على الإسلام في الحربي  مشروع إجماعا ، ويثبت إسلامه مع الإكراه ، بخلاف غيره لا بد من الإسلام من باطن القلب . 
فرع : 
في الجواهر : عرض التوبة على المرتد  واجب ، والنظر أنه يمهل ثلاثة أيام فيكون   [ ص: 40 ] الإمهال واجبا أو مستحبا . ( روايتان ) . قال  مالك     : وما علمت في استتابته تجويعا ولا تعطيشا ، وأرى أن يقات من الطعام ما لا ضرر له معه ، ولا عقوبة عليه إن تاب : كان حرا أو عبدا ، ذكرا أو أنثى ، ارتد عن إسلام أصلي أو طارئ . قال   الطرطوشي     : فإن قتله أحد قبل عرض التوبة فلا قصاص ولا دية . قال  القاضي أبو الحسن     : يعزر عندي في المرة الثالثة ; لأنه في ردته الثانية بعد مباشرة الإسلام ، وانتفاء الشبهة بالإسلام الطارئ بعد المرة الأولى ، وقال ( ح ) : عرض التوبة ليس بواجب وإن طلب التأجيل ، وعن ( ش ) وأحمد قولان ، وقالعبد العزيز بن أبي مسلمة     : لا يمهل ويقتل وإن تاب . ودليل وجوب عرض التوبة قوله تعالى : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف    ) ، والأمر للوجوب ; ولأنه إجماع الصحابة ; ولأنه يحتمل أن تكون عرضت له شبهة ، فتأول أو يزيلها عنه . احتجوا بقوله تعالى : ( إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم    ) ، وجوابه : القول بالموجب ، فلعلهم الممتنعون عن التوبة . 
فرع : 
وافقنا   الشافعي  وأحمد  على قتل المرتدة  ، وقال ( ح ) : تقتل ، وتحبس إن كانت في دار الإسلام حتى تسلم ، فإن لحقت بدار الحرب استرقت ، أو كانت أمة جبرها سيدها على الإسلام  ، إلا أن تكون الملكة أو الساحرة ، وسابة النبي   [ ص: 41 ]   - صلى الله عليه وسلم - تقتل . وأصل المسألة أن القتل حد للحرابة ، وهي تقاتل ، أو للكفر . 
لنا : قوله - عليه السلام - : ( من بدل دينه فاقتلوه   ) ; ولأنها تقتل بالزنا كالرجل ، فكذلك الردة . وهي تجبر على الإسلام فتقتل كالرجل . أجابوا عن قوله - عليه السلام - : ( من بدل دينه فاقتلوه   ) أن المراد به الرجل فقط ; لأنه لم يقل : من بدلت ، ولا ، دينها ولا فاقتلوها ، ومفهومه إذ خصصه بضمير الرجل أن لا تقتل المرأة ، وأن الرجل جنى على الإسلام ; لأنه كان عاصما لدمه ، والمرأة لا يعصم دمها الإسلام ; لأنها لا تقتل بالكفر الأصلي ; ولأنه - عليه السلام - نهى عن قتل النساء . وقياسا على كفرها الأصلي ، وناقصة العقل فلا تقتل كالصبي . 
والجواب عن الأول : أن الضمائر إنما ذكرت للفظ من ; لأنه مذكر ، ويشمل الفريقين ; لقوله تعالى : ( من يعمل سوءا يجز به    ) . 
وعن الثاني : النقض بالشيوخ والزمنى ، فإنهم يقتلون بالردة دون الكفر الأصلي . 
وعن الثالث : أن خبرنا علق فيه الحكم بالمعنى ، وفي خبركم بالاسم ، والمعنى أقوى فيقدم . 
وعن الرابع : الفرق بأن الردة بعد الاطلاع على محاسن الإسلام ، فهي أقبح ، ولذلك لا يقر عليها بالجزية . 
وعن الخامس : الفرق بالتكليف فيها دونه . 
 [ ص: 42 ] فرع : 
في النوادر : إذا ارتد أهل مدينة وغلبوا  استتيبوا ، فإن لم يتوبوا قتلوا ، ولا يسبوا ولا يسترقوا . قال   سحنون     : يستتاب من بلغ من أولادهم ، ويكره الصغار على الإسلام ، وقيل : يسبى من بلغ كالحربي ، وإن لحق المرتد بدار الحرب وحارب فظفرنا به  يستتاب ، وليس كالمحارب يظفر به قبل التوبة ; لأن أهل الردة قبلت توبتهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					