الفصل الثاني 
في التعريض بالقذف  
قاعدة ، الصريح في كل باب : ما يتعين له وضعا ، والكناية : ما يحتمله مع غيره . 
وفي الكتاب : إن قال : يا مخنث  ، حد ، إلا أن يحلف ما أراد قذفا ، فيؤدب . قال  ابن يونس     : قال غيره : هذا إن كان في كلامه ، أو عمله ، أو بدنه توضيع ، وإلا حد ، ولم يحلف ; لاشتهاره في الفاحشة . وأصل التخنث : الميل ، وقد يكون صاحبه متقيا ، ومنه المخنث الذي يدخل على بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( وتخنثه الصاننه ) . 
 [ ص: 94 ] فرع : 
في الكتاب : يا فاجر ، أو يا فاسق ، أو يا ابن الفاجرة أو الفاسقة  ، حد ، أو يا خبيث  ، حلف : ما أراد قذفا ; لقلة ظهوره في القذف ، فإن لم يحلف ، سجن حتى يحلف ، فإن طال سجنه ، نكل على حسب حاله ، والمعروف بالأذية يبالغ في عقوبته . والفاضل ذو المروءة ، يتجافى عن حقيقته ، ويخفف في أدب عظيمة ،ويا تاجر بفلانة  ، يحد ، إلا أن يقيم بينة على أمر صنعه معها من الفجور ، كجحد مال ونحوه ، ويحلف : ما أراد إلا ذلك ; لأنه يحتمل جامعت فلانة . وإن قال باضعتها حراما ، أو وطئتها ، وقال : أردت تزوجتها تزويجا حراما ، أو قال ذلك عن نفسه ، وطالبته المرأة  ، حد ، إلا أن يقيم بينة على مراده ، ويحلف : ما أراد إلا ذلك ، وكنت وطئت أمك ، وقال : أردت النكاح    . إن أتى ببينة أنه تزوجها ، لم يحد ، وإلا حد . وإن قال له : ما أنا بزان ، أو أخبرت أنك زان  ، حد ، أو أشهدني فلان أنك زان  ، حد ، إلا أن يقيم بينة على قول فلان ، وكذلك يقول لك فلان : يا زان ، أو جامعتها بين فخذيها ، أو أعكانها  ، حد ، وقال الأئمة : لا حد في التعريض . غير أن  مالكا  قال : يحد به إن نوى به القذف ، كسائر الكنايات في الطلاق وغيره . لنا : قوله تعالى عن قوم شعيب    : ( إنك لأنت الحليم الرشيد    ) ، ومرادهم : ضد ذلك ، وهو كثير القرآن . وفي الموطأ ( أن   [ ص: 95 ] رجلين استبا على عهد  عمر     - رضي الله عنه - فقال أحدهما : والله ما أبي بزان ، ولا أمي بزانية ، فاستشار   عمر بن الخطاب  ، فقال قائلون : مدح أباه وأمه ، وقال آخرون : قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا ، فجلده عمر ثمانين ، وقال : ( حمى الله لا ترعى حواليه ) ولأنه يفهم القذف ، فيحد به كالصريح . احتجوا بأنه يحتمل القذف وغيره ، فلا يوجب ، كما إذا قال : اسقني ماء ، وقال : أردت القذف . وهذا أبلغ ; لأنه صرح بإرادته القذف ; ولأنه لما احتمل الأمر ، وجب أن يرجح اللفظ على الموجب ، كالأمة المشتركة . وهذا أولى للقطع بوجود الموجب ، وهو النصيب الذي ليس بمشترك ، ومع ذلك سقط الحد . ولأنه تعريض ، فوجب أن يلحق بالتصريح ، كالخطبة في العدة ; ولأنه لا يكون قذفا مع عدم القرائن ، كقوله : أنت جميلة وأريبة . 
والجواب عن الأول : أن القرائن مع اللفظ تصيره كالصريح ، بخلاف مجرد النية ; لذلك تقول العرب : رب إشارة ، أفصح من عبارة ، والتعريض عندهم أبلغ موقعا . 
وعن الثاني : الفرق بأن القرائن تنفي الاحتمال الآخر ، فيصير كوطء الأجنبية . 
وعن الثالث : أن هذا الباب أحرج ; لأنه لو أراد بالتعريض القذف ، حرم إجماعا ، ولو أراد النكاح ، عين الج . 
وعن الرابع : منع الحكم إذا صيرته القرائن تصريحا في القذف ، وإلا فعدم القرائن يعني الفرق . 
 [ ص: 96 ] تفريع : 
قال  ابن يونس  في الموازية : القائل : يا قرنان لرجل ، جلد لزوجته    ; لأنه عند الناس من امرأته تفجر ( قاله  ابن القاسم     ) ، وقال  يحيى بن عمر     : لا يحد ، ويجلد عشرين ، ويأمر آخر ، وقال  أشهب     : يحد ، قال  يحيى بن عمر  ، يا قحبة  ، يحد ; لأن العرب كانت تدعو على الفاجرة بالقحاب والهرثاء ، أي : السفال ، والقبح في الدابة ، حتى صارت الفاجرة تسمي قحبة ; لغلبة الاستعمال . ويا مأبونا  ، قال  عبد الملك     : يحد ; لأنه من الأبنة : وهي داء في الدبر ، يبعث على طلب ما يحك به ذلك الموضع ، وإن اشتهر في اللواط في المفعول به . وإن قال له : يا ابن الزانية ، فقال له : أمك شر منها  ، في الموازية : يحدان . أو يا أحمق ، فقال الآخر : أحمقنا ابن الزانية  ، يحد . وعن  ابن القاسم  في : يا فاجرا بفلانة  ، يحلف : ما أراد قذفا ، وكذلك يا خبيث ، ويا ولد إيش  ، قال  ابن القاسم     : يحد ، ويا ابن الفاسقة . والفاجر  ، يحلف ، فإن امتنع سجن ، وإن طال سجنه ولم يحلف ، أدب وخلي . وقال  عبد الملك     : في هذا كله النكال ، ويا مؤنث ، وفي كلامه لين  ، حلف ، وأدب . وقال  أشهب     : يحد في : زنى فرجك  ، دون : زنت رجلك ، ويا ابن منزلة الركبان  ، يحد ; لأن المرأة في الجاهلية كانت إذا طلبت الفاحشة أنزلت الركبان ، وكذلك يا ابن ذات الراية    ; لأن في الجاهلية كانت على باب البغية راية . 
تنبيه : ضبط هذا الباب : الاشتهار العرفية ، أو القرائن الحالية ، فمتى فقد   [ ص: 97 ] أحلف ، أو وجد أحدهما ، حد ، وإن انتقل العرف ، فيقال : الأصل : الحد ، ويختلف ذلك بحسب الأعصار والأمصار ، وبهذا يظهر أن ذات الراية ، ومنزلة الركبان ، لا يوجب حدا ، وأنه إن اشتهر لفظ أحدهما ، لا يوجب حدا ، إلا في القذف أوجب الحد . 
فرع : 
في النوادر . قال  ابن القاسم     : إن قال . رأيت فلانا مع فلانة في بيت ، أو على بطنها ، أو قال : في لحاف ، أو قال رأيتك تطلب امرأة في أثرها ، أو تقبلها ، أو اقتحمت عليها بيتها ، أو في مقعد الرجل من المرأة  ، لا يحد ، بل يؤدب ; لأن ذلك لا يتوقف على الزنا ، ويحلف : ما أراد قذفا ، أو قال لامرأته : قد سرحتك من زنا  ، حد ، ولا طلاق عليه . قال  مطرف     : إن قال : كيف تكلمني وأنا نكحت أمك ؟ وكانت زوجتي  ، قال  مالك     : إن لم يقم بينة أنه تزوجها : حد للقذف ، وقال  عبد الملك     : لا يحد ; لأنه لو أقام شاهدين بالزواج كفاه ، ولو كان قذفا لم يجرح ، إلا بأربعة . ولو كان في غير منازعة ، لم يحد وإن قذفه فشكاه ، ثم خاصم آخر ، فقال له : سمعت فلانا يقول لك : يا زان ، فما لك اشتكيته ، أي : موجدة عليك ، فيحد . 
فرع : 
قال : قال  مالك     : لا يحد الأب بالتعريض ، بل بالتصريح  ، كالقصد في القتل ، ويجوز عفوه عن القذف ، وإن لم يرد سترا عند الإمام ، وقال  أصبغ     : لا يحد الأب أصلا ; لعظيم حقه . وقال ( ش ) و ( ح ) ، وفي المنتقى : وإن حده أسقطنا عدالة الابن ; لأنه عقوق ، وإن قال لولده : لست ابني ، فطلبت الأم أو الولد من غيره   [ ص: 98 ] الحد لقذف وقد كان فارقها ، فعفا ولده  ، قال  مالك     : يحلف ما أراد قذفا ، بل لو كان ولدي ما كان يصنع ما صنع ، قال : وهذا يقتضي الحد إن لم يحلف ، وأنه لا يسقط بعفو الولد إذا قام البعض ، فالحد وغيره لا يلحق بالأب ، بل يحدون ولا يعذرون في الشتم إن كان على وجه الأدب ، قال  ابن القاسم  وأشهب     : يجوز عفوه عن جده لأبيه ، وإن بلغ الإمام دون جده لأمه ; لأنه لا يدلي في الميراث بهما ، وقال  عبد الملك     : يجوز عفوه عن أمه وإن لم يرد سترا ; لأن الإشفاق قد يحمله عند رؤيتها على الاعتراف بالزنا . 
فرع : 
في الجواهر : يا نغل  ، يوجب الحد ، وإن قال لنفسه : أنا نغل  ، حد ; لأنه قذف أمه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					