الخامس : في الصلاة الوسطى  فيها تسعة مذاهب ، قال صاحب الطراز : هي الصبح عند  مالك   والشافعي  ، والظهر عند   زيد بن ثابت  ، والعصر عند  أبي حنيفة  ، والمغرب عند   قبيصة بن ذؤيب  قال : وقيل العشاء ، وقيل : الصلوات الخمس ، وقيل : مبهمة في الخمس كما أخفيت ليلة القدر ، وساعة الجمعة قال : ولو قيل إنها الجمعة لاتجه . ونقله  المازري  عن غيره ونقل عن بعض الأصحاب أنها العصر والصبح ، والوسطى مؤنثة أوسط ، أما من الفضيلة فلقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا    ) ( وقال أوسطهم ) أو من التوسط بين صلاتين ، وهو مشترك في سائر الصلوات ، والصبح أحق بالمعنيين ، أما الفضل فلقوله تعالى : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا    ) . وفي الصحيحين تجتمع ملائكة الليل ، وملائكة النهار في صلاة الصبح قال   أبو هريرة     : اقرءوا إن شئتم ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا    )   . وقوله عليه السلام : لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا  ، دليل   [ ص: 32 ] فضلهما ، والصبح أفضلهما ، لما في  مسلم  عنه عليه السلام : من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله فتكون الصبح أفضل الخمس ; ولأنها أكثر مشقة ، وتأتي في وقت الرغبة عن الصلاة إلى النوم فتكون أقرب للتضييع فيناسب الاهتمام بالحث على حفظها ; لتخصصها بالذكر في الكتاب العزيز فتكون هي المرادة منه وأما التوسط باعتبار الوقت فلأنها منقطعة عما قبلها ، وعما بعدها عن المشاركة بخلاف غيرها ، حجة الظهر توسطها وقت الظهيرة ، وحجة العصر ما في الصحيح من قوله عليه السلام يوم الأحزاب : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ، أو أنها تأتي في وقت البيع والشراء فتضيع فنبه على المحافظة عليها ، كما قال في الجمعة : ( وذروا البيع    ) حجة المغرب : توسط عددها بين الثنائية والرباعية ، وعدم امتداد وقتها وتجسيم الشرع لها وإتمامها في السفر ، حجة العشاء اختصاصها بعدم تعلقها بشيء من النهار ، بخلاف غيرها ولقوله عليه السلام : فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم ، ولأن النوم قد يغلب فيها فتضيع ، حجة الخمس : أنها الأوسط لها لكونها فردا وما لا وسط له إذا أطلق عليه الوسط كان كناية عن جميعه . 
والجواب عن الأول أنها أخف مشقة من سائر الصلوات ; لإتيانها وقت   [ ص: 33 ] فترة من الأعمال ، والأجر على قدر النصب فتنحط رتبتها . وعن الثاني أن المتروك يوم الأحزاب ثلاثة : الظهر والعصر والمغرب ، فلعل الإشارة للجميع أو غيرها من الثلاث أو هي ، لكن يكون تفضيلها على ما معها فلا يتناول الصبح . 
وعن الثالث : أنا بينا أن الصبح أفضل بالنص الصريح فلا يدفع بالاستدلال ، وعن الرابع ما تقدم في الثالث ، وعن الخامس أن الكناية لا يعدل إليها إلا عند عدم التصريح وقد وجد كما تقدم ، ولأن الثالث يمكن أن يجعل وسطا للخمسة ; لتأخره عن اثنين وتقدمه على اثنين . 
قاعدة 
الأصل في كثرة الثواب والعقاب وقلتهما    : أن يتبعا كثرة المصلحة في الفعل وقلتها ، وكثرة المفسدة وقلتها كتفضيل التصدق بالدينار على الدرهم ، وإحياء الرجل الأفضل أفضل من إحياء المفضول ، وإثم الأذية في الأعراض والنفوس أعظم من الأذية في الأموال وكذلك غالب الشريعة ، وقد يستوي الفعلان في المصلحة والمفسدة من كل وجه ، ويوجب الله سبحانه أحدهما دون الآخر كإيجاب الفاتحة في الصلاة دون غيرها ، مع مساواتها لنفسها وكتكبيرة الإحرام مع غيرها من التكبيرات وأبعد من هذا عن القاعدة تفضيل الأقل مصلحة على الأكثر  كتفضيل القصر على الإتمام مع اشتمال الإتمام على مزيد   [ ص: 34 ] الخضوع والإجلال وأنواع التقرب ، وكتفضيل الصبح على سائر الصلوات عندنا ، وتفضيل العصر على رأي من قصر القراءة فيها على ما وردت السنة به ، وكتفضيل ركعة الوتر على ركعتي الفجر والله تعالى هو الفاعل المختار يفضل ما شاء على ما شاء ، ومن شاء على من شاء سبحانه وتعالى إليه يرجع الأمر كله . 
السادس في إثبات الأوقات  قال صاحب الطراز : إذا حصل الغيم أخر حتى يتيقن الوقت ، ولا يكتفي بالظن بخلاف القبلة والفرق من وجهين أحدهما : أن الوصول إلى اليقين ممكن في الوقت بخلاف القبلة . الثاني : أن القبلة يجوز تركها في الخوف والنافلة  بخلاف الوقت ، قال : ويجوز التقليد المأمون كأئمة المساجد ; لأنه لم يزل المسلمون يهرعون للصلاة عند الإقامة من غير اعتبار مقياس ، وكذلك المؤذنون لقوله عليه السلام : المؤذنون أمناء ، وفي الجواهر : من اشتبه عليه الوقت  فليجتهد ليغلب على ظنه ، وإن خفي ضوء الشمس استدل بالأوراد ، والأعمال ، وسؤال أربابها ويحتاط ، قال وروى  مطرف  عن  مالك     : أن منه الصلاة في الغيم ، وتأخير الظهر ، وتعجيل العصر ، وتأخير المغرب حتى لا يشك في الليل ، وتعجيل العشاء ويتحرى في ذهاب الحمرة ، وتأخير الصبح حتى لا يشك في الفجر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					